-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إلى أين يتّجه قطار الفساد؟

الشروق أونلاين
  • 423
  • 0
إلى أين يتّجه قطار الفساد؟

لعلّنا جميعا نرى ونشهد كيف أنّ الخير في أمّة الإسلام يتناقص وينحصر عاما بعد عام، وكيف أنّ الفساد في أمّة الشّهادة يزداد سنة بعد أخرى، وكيف أنّه في السّنوات الأخيرة يزداد بسرعة رهيبة ومفزعة، تتحرّك لها القلوب الحيّة خوفا ووجلا، وها نحن نعيش مصداق ما أخبر عنه الحبيب المصطفى –صلّى الله عليه وسلّم- حينما قال: “لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم”، وقال: “إنه ما من نبيّ إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم عن شر ما يعلمه لهم، وأنّ هذه الأمة جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها. تجيء الفتن يرقق بعضها بعضاً”.. وما يزيد الوجل والخوف في النّفوس أنّ هذا الفساد الذي نراه ونشهده، سيصل إلى حدّ لا تطيقه القلوب الحيّة المؤمنة، حتى يتمنّى العلماء والصّالحون الموت، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: “يأتي على الناس زمان يتمنى الرجل ذو الشّرف والمال والولد الموت ممّا يرى من البلاء من وُلاتهم” (رواه نعيم بن حماد).
لقد وصل الفساد إلى حدٍّ أصبحت معه الفواحش والمنكرات وأصبح الشّذوذ الفكريّ والأخلاقيّ والعقائديّ يقدّم في كثير من وسائل الإعلام على أنّه خيار محترم ينبغي للنّاس أن يقبلوه ويتعايشوا معه، وربّما تابعنا جميعا كيف تطوّعت بعض وسائل الإعلام الخاصّة عندنا قبل شهر من الآن لتبييض صورة فنّان شاذّ رحل إلى ربّه فجأة، وكيف سعت في تلميع سيرته وصورته، وقدّمته على أنّه كان شابا طيّبا يستحقّ أن يكون قدوة لشبابنا، كما سمع بعضنا ورأوا شيئا ممّا تبثّه بعض القنوات الخاصّة من برامج منحطّة تافهة تذبح الحياء وتحرّض على الفساد وتكسر الطّابوهات وتتجاوز الخطوط الحمراء، وهذا الذي تبثّه بعض قنواتنا هو عيّنة ممّا تبثّه كثير من القنوات المأمورة والمأجورة في بلاد المسلمين.
وسائل الإعلام التي تتنافس في الإثارة أصبحت وباسم الثقافة وحرية الرأي، تقدّم المعقّدين نفسيا والمقعدين فكريا من المقتاتين على زبد الحضارة الغربيّة، على أنّهم مفكّرون ومثقّفون وروائيون، وتقدّم لهم الميكروفونات وتمكّنهم من تنفيس عقدهم تجاه تاريخ الأمّة وسنّة نبيّها وسير أعلامها من الصحابة والفاتحين.. أحد هؤلاء وفي بلدنا المبتلى هذا، عُرف برواياته المتهتكة، أفسٍح له المجال في إحدى القنوات لينتقد صحابي رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- أبا هريرة رضي الله عنه، ويتّهمه بالكذب، وينتقد الإمام البخاري، على عادة بني جلدته ممن يلهثون خلف الشهرة والإثارة بالطعن في ثوابت الأمة ومسلماتها.
لقد وصل الفساد إلى حدّ الترويج لطقوس شركية بائدة تمثّل ثقافات محاها الإسلام، وخرافات وأباطيل تأباها العقول وتمجّها الفطر؛ يروّج لها في بعض وسائل الإعلام على أنّها جزء من تراث الأمّة وهويتها، بل وأحيتها بعض المدارس التي تغنّت في ذكرى يناير الماضية بـ”أنزار” إله المطر المزعوم وترجّته أن ينزل الأمطار ويحلّ البركات، ولا حول ولا قوة إلا بالله!
هذا الفساد العقائديّ والأخلاقيّ لم ولن يبقى حبيس وسائل الإعلام والأوساط الخاصّة، بل إنّه ينتشر في الواقع انتشار النّار في الهشيم، ولم تكد تسلم منه بقعة في أرض الإسلام الواسعة، إلا ما عصم الله.. قبل سنوات قليلة ما كان أحد يتوقّع أن تصل الحال بالمسلمين إلى هذا الذي نراه ونسمعه، ونحن نخشى إن طالت بنا الأعمار أن أمورا لا تخطر على بالنا الآن ولا نتوقّع أنّها ستحصل في أمّة الإسلام؛ أمور يشيب لها الولدان وموبقات تؤتى جهارا نهارا وفسادا ينتشر طولا وعرضا، بسبب الإعلام الذي أصبح في غالبه إعلام شهوات وشبهات وفساد، وبسبب ركون كثير من المسلمين إلى الدّنيا.. أمور عظيمة نعيش بعضها في هذا الزّمان وهذه الأيام، وربّما ندرك منها فواقر أخرى إن أطال الله في أعمارنا، وما لم ندركه ربّما يدركه أبناؤنا وأحفادنا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!