-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إلى المعلِّمين الشُّرفاء..

إلى المعلِّمين الشُّرفاء..
أرشيف

  تدشين الإضرابات في قطاع التربية، هذه الأيام، يذكِّرنا مجدَّدا بمعاناة أسرة التدريس، بكل أطوارها في الجزائر، وفي مقدمة هؤلاء المعلمون في المدارس الابتدائية، الذين مسّهم الضرّ والإجحاف رغم المكاسب الكثيرة التي تحققت مهنيا واجتماعيا خلال السنوات الأخيرة.

لذا وجب أن نؤكد مرة أخرى أن كافة المطالب التي يرفعها الغاضبون تبقى مشروعة مبدئيا، طالما هي تهدف إلى تحسين وضعية المربّين، باعتبارهم حجر الأساس في العملية التعليمية، ولا يمكن إطلاقا الحديث عن إصلاح التعليم أو تطويره دون ترقية المكانة الاجتماعية للمكوّنين.

ولكن دعونا نكن أكثر صراحة في قراءة الاحتجاجات الأخيرة المعلنة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لا يجعل هواة ركوب الموجات والمستثمرين في مآسي الآخرين من تذمر المعلمين فرصة للاصطياد في المياه العكرة، لتحقيق مآربهم الخاصّة، على حساب شرف المربّي.

إنّ الانشغالات التي سمعناها حتى الآن ليست وليدة اليوم، بل هي نفسها المرفوعة منذ سنوات، كما أنّ مشاكل التعليم ليست واقعا استثنائيا ضمن قطاعات الوظيفة العمومية في الجزائر، فلماذا نجعل منها حجة لتعطيل المدرسة والتضحية بمستقبل أبنائنا ومصيرهم في توقيتٍ يثير الكثير من الشبهات؟

هل يُعقل أن ينخرط معلمون في إضراب مهني، تفاعلا مع دعواتٍ مجهولة المصدر شاعت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتدريجيّا يتحول إلى احتجاج وطني، يجد صداه لدى نقابات عماليّة، تتبنّاه وترافع لشرعيته، سواء لحسابات تنظيمية تنافسيّة ضيقة أم لسوء تقدير من قياداتها؟

لا يخفى على أحد أنّ البلاد تعيش في سياق سياسي انتقالي مؤقت، بكل ما يعكس ذلك من توترات ورهانات وأولويات، لا مكان فيها للمطالب الفئوية، بل تقتضي المصلحة الوطنية التجنُّد الجماعي لتجاوز الوضع الحرِج، بعودة الشرعية إلى المؤسسات السياسية والحكوميّة وبسط الاستقرار العام، حينها يكون المجال مفتوحًا لمعالجة جميع الاختلالات القطاعيّة.

أمّا في الوقت الحالي، فإن طاقم بدوي هو عمليّا وسياسيّا فريق لإدارة تصريف الأعمال إلى غاية الرئاسيات، وقد تغادر قبلها في أي لحظة، بغض النظر عن الوضع الدستوري، فكيف نشلّ المدارس ونحرم أطفالنا من التعليم لأجل مطالبة الحكومة بتلبية الحقوق الاجتماعية؟

أكثر من ذلك، فإنّ جهات من المروجين للاحتجاج المهني هم أنفسهم الرافضون لبقاء الحكومة، فكيف يتقبّل العقل أن نطالب برحيل مسؤولين، لفقدانهم الشرعية الشعبية من وجهة نظر المضربين على الأقل، ثم نطالبهم بحلّ مشاكلنا؟ إنّ أبسط مواطن يدرك تماما أنّ هذا المنطق غير سليم، بل يطرح علامات استفهام عديدة حول النيات الفعلية والأيادي الخفية التي تحرك الاحتجاجات في مثل هذه الظروف؟

المعلمون الشرفاء الذين يدافعون عن حقوقهم بريئون يقينًا من المساس بحقوق تلامذتهم أو التسبّب في إرباك المدرسة، لكن الأطراف التي تغذي الغضب العمالي بوسائلها التحريضية لها أغراضٌ سياسية واضحة، على علاقة بالصراع المحتدم حول السلطة، منذ اندلاع حَراك 22 فبراير، وعلى المربّين التحلِّي بالوعي والمسؤولية للتفريق بين الدفاع عن الحق المشروع والوقوع ضحايا في معركةٍ قذرة تديرها الخفافيش من وراء الستار.

لذلك، فإنّنا نجدد دعمنا المطلق للمعلمين الأصلاء في نضالهم المشرِّف، غير أننا نهيب بهم أن يؤجِّلوا الاحتجاجات المعطِّلة للمدرسة حاليا إلى إشعار آخر، لأنّ الظرف سيجعلها حلبة لمعركةٍ سياسيّة على حساب فلذات أكبادنا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • محمد عبد الرزاق

    أحترمك ياسي عبد الحميد عثماني وكثيرا ما أتحاوب مع مقالاتك لكن اسمحل لي هذه المرة تقول إن إضراب معلمي الابتدائي مطالبه مشروعة ولكن الوقت غير مناسب لأن حكومة بدوي حكومة تصريف أعمال ولا يمكنها أن تفتح النقاش على هذه المطالب ؟ لكنني أسألك لماذا لم ترفع قلمك و تذكر حكومة بدوي بأنها حكومة تصريف أعمال فقط و أنت تراها تقوم بتعديلات حول قانون المحروقات و تعديلات حول قانون التقاعد ...
    زد إلى ذلك ما تتغنون به من المكاسب التي تحففت لعمال التربية أ لا تعلم يا سي عبد الحميد أن أجر الأستاذ ينطلق من 30000 دج ...و بهذا المبلغ هو محروم من السكن الاجتماعي فأين المكاسب الاجتماعية.

  • صالح بوقدير

    من محاولة تقسيم الشعب الى بادسيين نوفمبريين وزواف إلى تقسيم الاساتذة والمربين إلى شرفا وغير شرفاء كفاكم لعبا بالعواطف حكومة بدوي لها الحق عندكم في سن قانون المالية وتعدليل قانون المحروقات وانشاء سلطة الانتخابات وليس لها الحق في تنفيذ اتفاقات سابقة التي هي من صميم تسيير الاعمال أي منظق هذا؟

  • محمد

    بغض النظر عن حالة المدرسة المزرية فإن التنظيمات النقابية في بلدنا مجموعات إجرامية سمح لها المفسدون في الدولة بقصد منع المطالب العمالية لكن المزايدات ذات الأهداف المعادية لكل تقدم اجتماعي طغت على المصلحة العامة.لما يطالب المربون بتحسين ظروفهم المعيشية فإننا نجد أنفسنا ضمن صفوفهم الأمامية لكن لما يصبحون أداة لتفكيك المنظومة التربوية الفاشلة أساسا فإننا في مقدمة من يعارض خططهم.المدرسة الابتدائية تربوية خلقيا واجتماعيا قبل كل شيء.فكيف بالمعلم أن يطالب بتخفيض ساعات العمل وتطبيق الاختصاص في المواد لتلاميذ في سن الطفولة وهم يحتاجون إلى عناية مكثفة تضمن لهم الاطمئنان والكفالة العاطفية والرعاية الدائمة

  • جزائري حر

    فلماذا نجعل منها حجة لتعطيل المدرسة والتضحية بمستقبل أبنائنا ومصيرهم. هدا التساؤل هو أكبر نفاق موجود في الجزائر. الكل يتغنى بليلاه (أبنائه) ولكن لا يعمل شيئ لحما يتهم . هو عند روحو كي يوكلهم هاديك هي المسؤولية وهاديك هي الحماية.

  • علي بن محمد بن علي

    ان هؤلاء الناس لا يهمعم التلاميذ ولا المعلمين ولا المدرسه ولا الأولياء ولا البلاد بل منساقون وراء كل شئ يزعج المسيرة السياسيه والإجتماعيه والإقتصاديه لليلاد وما زالوا غير مدركين ان فخ المكر والرياء الذي طالما استعملوه كورقة ضغط لعرقلة كل ما يخدم اليلاد والعباد قد وقعوا فيه و لم يعد مجديا وما يروجونه من اضراب في قطاع التعليم الا ورقة اخرى يائسه .

  • ربيع حميتي

    نعم يمكن ان تضرب بناءا على دعوة مجهولة المصدر طالما كانت المطالب مشروعة
    منذ الاستقلال و نحن نسير من طرف جهات مجهولة و دولة عميقة ليس لنا ادنى فكرة عن مكوناتها و عناصرها .... افكما كانت مطالب فعلية و حقيقية تبدا معها اثارة الشكوك و فكرة الحمقى عن الايادي الخارجية ... هذه الايادي لا توجد سوى في اذهان بعض الحمقى و في عقول المسيطرين على الوضع ... لا أحد يأبه لنا ... نحن نعيش خارج الزمن و خارج التاريخ و نتوهم ان الاخرين يترصدون بنا و نحن في الحقيقة نترصد لبعضنا البعض لا غير ... الموضوع يسيل الكثير من الحبر و لكن اكتفي بما قلت ...