-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إنه منطق القوة!

إنه منطق القوة!

خروج الولايات المتحدة الأمريكية الانفرادي عن الاتفاق النووي الإيراني يعكس بوضوح سيادة منطق القوة في النظام العالمي الحالي. القوي يستطيع أن يَشُنَّ حربًا عسكرية على الضعيف وإن كان في ذلك خروجٌ عن القانون الدولي وعن الأعراف الدولية. والقوي يستطيع ألا يفي بعهوده وألا يحترم ما تم الاتفاق عليه بعد سنوات من المفاوضات والبحث عن الحلول الوسطى. والقوي هو الذي لا يتفاوض مع الآخرين إنما يُملي شروطه عليهم وليس أمامهم سوى الإذعان.
منطق واضح ولا لُبس عليه، ورسائله واضحه لا غُبار عليها: على الجميع الاحتكام إلى القوة، وعلى رأسها القوة العسكرية. البلدان التي لديها ما تُدافع به عن نفسها تستحق البقاء، والأخرى الضعيفة والمُشتَّتة والتابعة، عليها الرضوخ للأوامر وتنفيذ قرارات الأسياد. ليس هناك أوضح من هذا المنطق الذي تريد أن تفرضه الدولة الأقوى في العالم على الأقل عسكريا، الولايات المتحدة الأمريكية، مُلغية في وضح النهار تلك الشعارات التي لم تتوقف عن التبشير بها، كالديمقراطية وحقوق الانسان وسيادة القانون والقيم الكونية وأحيانا حتى الأخلاق.
كل هذه العناوين ينبغي أن يُدرِك العالم أنه لا معنى لها اليوم، وعليه أن يتسلَّح بمنطق القوة إذا أراد أن يبقى ويحاور ويُسمَع ويُدافع عن حقوقه. ولقد أدركتها كوريا الشمالية قبل سنوات وأعلنت وحدها تحدِّيها لمنطق القوة الأمريكي وقامت بتفجيراتها النووية غير مُكتَرِثة بأحد. وها هو الرئيس الأمريكي الرافع للواء البقاء للأقوى يُلاطف هذه الدولة التي كانت قبل أشهر فقط زعيمة “محور الشر”، ويتحادث مع زعيمها محادثات الند للند، لأنه سبق أن أعلن هو الآخر انتسابه إلى منطق القوة وأصر على ذلك.
أما الإيرانيون الذين أخذوا بعين الاعتبار رأي المجتمع الدولي، وابتعدوا عن التصعيد، وأكدوا مرارا وتكرارا سلمية برنامجهم النووي، بل والتزموا بالشروط الدولية التي تم الاتفاق عليها، ولكن ها هم يجدون أنفسهم يعيدون طرح السؤال على أنفسهم: لِمَ لَم نفعلها مثل كوريا الشمالية؟
إنها بحق مخاطر مُحدِقة بالمجتمع الدولي جراء رعاية الرئيس الأمريكي الحالي في هذه المرحلة بالذات لمنطق القوة على حساب منطق السلم والحرية وحقوق الإنسان كما كان ذلك عند النشأة الأولى لهذا البلد القاري. أليست أمريكا هي التي تكرست فيها الديمقراطية ونادى رئيسها ولسن بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وارتبط كل وجودها بمبدأي الحرية وسيادة القانون؟
أين نحن من كل هذا اليوم وقد أصبح الجهر بالقوة مُباحا، وطلب الجزية من الضعفاء قانونا، والإطاحة بالمخالفين في الموقف مبدأً؟ إلى أين نحن سائرون وقد أصبحت أكبر دولة في العالم تتصرف بمنطق أنه عليك أن تدفع “المال” مقابل سلامتك وإلا فإنك ستموت؟ إنها أسئلة مخيفة بحق وتمنعنا من التمسك بما بقي لدينا من فسحة أمل أن نكون ذات يوم في مستوى هذا البلد الحر إن استمر حرا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • الطيب / الجزائر ــ 2 ــ

    لذلك عمل الغرب حسابه جيدًا خاصة بعد مجموعة من " التجارب الديموقراطية العربية " و خلص ثم عمل على ثلاثة جبهات تتنوع فيها الأدوار : 1/ تطبيق منطق القوة على كل مَن هو ليس بغربي . 2/ تشجيع الفوضى و إيقاظ الفتن في المناطق العربية و إلهائهاو إجهاظ كل محاولة ديمقراطية على الطريقة الغربية " الصحيحة " . 3/ الحصول على ملايير الدولارات مقابل تقديم السند و الحماية لأنظمة عربية تدور في فلكه من جهة و تهديدها و تخويفها من جهة أخرى بالمعارضة الحقيقية لتنفق أكثر مقابل البقاء !! فأين هي " الديموقراطية " خارج حدود الغرب !؟

  • الطيب / الجزائر ــ 1 ــ

    هل حقًا توجد " ديموقراطية " في البلدان العربية كما هي في الغرب أو كما نظن نحن ذلك و نحاول أن نقنع أنفسنا بذلك !؟ " الديموقراطية " التي نظن أنها هي الأكسجين المتوفر للغرب بينما نفتقده نحن غير مسموح بها عندنا في عالمنا الثالث و بالخصوص العربي منه لسبب بسيط يفهمه الغرب أحسن منا و هو خطورة الديمقراطية ذاتها عليه إذا طُبقت في العالم العربي كما تُطبق عنده !
    فالديموقراطية بمفهومها المثالي الذي تأمله الشعوب العربية في الواقع قد تفرز مسارا جديدا ليس في صالح الغرب !

  • adam rabhi españa

    اول مرة اطالع في جريدة الشروق على تحليل واقعي 100/100 اما تقرير المصير وحقوق الانسان وتقديم المساعدات و المنظمات التي تدافع عن حقوق الانسان و........ كلها نفاق وكذب

  • حسام

    لما دا لا يردد أيمتنا في مساجدهم :(المسلم القوي خير من المسلم الضعيف) لكن ما يلاحظ وخاصة من تدعي أنها حامية الأماكن المقدسة وخادمة الحرمين بدون القدس طبعا ،يعملون ويجتهدون وينسقون مع العدو،ومنغير المسلمين ومن يعادونهم ، قبل الصديق ويدافعون، ويدفعون، من أجل اضعاف المسلم والمسلمين أكثر من غيرهم من لا يدينون به رغم احترامهم له ؟