-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إنّها الجزائر يا أردوغان!

إنّها الجزائر يا أردوغان!
ح.م

كل عارف بأبجديات الأعراف الدبلوماسيّة وخبايا الصراعات الدولية وخصوصيّة ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا، توقّع أنه لا يمرّ تصريح الرئيس التركي بشأن حديثه الخاص مع نظيره الجزائري حول جرائم الاستعمار الفرنسي مرورا عابرا، من دون أن يحدث زوبعة وردود فعل في مستويات عديدة، لأنّ القضية حساسة وإثارتها بتلك الطريقة تشوبها شكوكٌ سياسيّة كثيرة.

لقد سجلنا في هذه المساحة قبل أسبوع واحد، أنّ المرافعة لصالح تعميق التحالف الجزائري التركي لا يعني إطلاقا الدفاع عن حالة التماهي والذوبان في المواقف الإقليمية والسياسة الخارجيّة، فهي تعكس مبادئ كل طرف ومصالحه، ويبقى المطلوب فيها هو البحث عن أكبر قدر من التقارب ومساحات التقاطع، بما لا يضرّ بمصلحة الشريك الآخر.

لذلك، نقول اليوم إنه بعيدا عن حقيقة وبشاعة ما اقترفه الاحتلال الغاشم من جرائم يندى لها جبين الإنسانيّة الحرّة في حق شعبنا وبلادنا طيلة 132 سنة، لأنّ ذلك ليس محلّ خلاف ولا حتّى نقاش، وبمعزل عن مواقف الجزائريين من السلطة القائمة في بلادهم، وبمنأى عن تقديرهم أو نقدهم لحكم العدالة والتنمية في بلاد الأناضول، فإنّ ما صدر على لسان رجب طيب أردوغان، بشأن حديثه عن الماضي الفرنسي مع مُضيفه الرئيس عبد المجيد تبّون في زيارته الأخيرة، يظلّ مُنافيًا من حيث الشكل للأخلاق الدبلوماسيّة قبل أعرافها الدوليّة، وقد يكون استغلالا فجًّا لمسألة جزائريّة في نزاع تركي مع خصومها، من أجل مصلحة قومية تركيّة خالصة.

ما جرى من حديث ثنائي بين الرجلين حول الذاكرة التاريخية مع المستعمِر القديم، سواء جاء في سياق عفوي عابر أم كان مُرتبًا بين الطرفين، يعدّ ضمن أسرار المجالس العليا، فهو غير معلن في جدول أعمال الزيارة الرسمية، ولا تمّ الإفصاح عنه أو الإشارة إليه في بيانات الرئاسة من الجانبين، لذلك يبقى غير قابل للتداول السياسي في مناكفات إقليميّة، الأمر الذي قد يصوّر الجزائر بالمجّان في وضعية الاصطفاف، إلاّ إذا حصل ذلك بإرادة جزائريّة لأهداف متفق عليها.

أمّا من حيث المضمون، فإنّ كلام أردوغان أخطر، لأنّ قوله بطلب وثائق من الرئيس تبّون تُثبت جرائم فرنسا، بعدما أخبره بقتلها خمسة ملايين جزائري، هو تصرّفٌ غير صائب، ينمّ عن وصاية لاشعوريّة تجاه بلادنا، كأنّ الجزائر بلدٌ قاصر أو عاجز عن استرجاع حقّه التاريخي المعنوي، وأنّ السلطان العثماني الجديد سيكون هو الوصيّ والوكيل للدفاع عن كرامة الشعب الجزائري.

لا يخفى عنك يا أردوغان أنها الجزائر وما أدراك ما الجزائر في سجلِّ البطولة والكرامة، استرجعت سيادتها الوطنية بكفاح استثنائي في القرن العشرين، وصناعة ثورة معجزة هزمت حلف “الناتو” بكلّ جبروته العسكري، ومعركتها الحضاريّة لا تزال مفتوحة مع عدوّها اللدود، وإن حالت الظروف الواقعية في مرحلة ما دون إخضاع باريس للإقرار والاعتذار، فإنّ أحفاد الشهداء والمجاهدين سيكون لهم شرف تثمين الاستقلال.

وإذا تجرّدنا من منطق النيّات الحسنة التي تطغى على عواطف بعضنا في قراءة الموقف، لنحتكم إلى قواعد لعبة الصراع الدولي، فلا يمكن تبرئة أردوغان والتعامل معه فقط من منظور الأخوّة الرؤوفة على الجزائريين، فهو زعيمٌ قومي للأتراك دون غيرهم، يستعمل كافة الأوراق لخدمة مصالح بلاده قبل كل شيء، وقد تكون قضية الذاكرة الجزائرية مع فرنسا واحدة منها ليس إلاّ.

قد يقول قائل إن كلام رئيس تركيا يصبّ في مصلحة الجزائر، طالما أن الأمر محرجٌ لفرنسا، ونجيب بأنه لا اختلاف حول ذلك، لكنّ التحفظ يخصّ الاستغلال الانفرادي على حساب مصالح الجزائر وحتّى سمعتها السياسيّة كدولة مستقلّة.

لذلك، سيبقى غير مفهوم التأييد الأعمى لفئة من الجزائريين لكلام أردوغان وكل ما ينطق به أو يسلكه، مقابل تشكيكهم في كل ما يصدر عن حكام بلادهم، نتفهَّم تداعيات إشكالية الثقة والموقف السياسي من السلطة السياسية، لكن وجب التفريق في التعاطي مع القضايا ذات البُعد الخارجي بين الحكم على السلطة القائمة والانحياز ضدّ الدولة الجزائريّة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • طاجاكستان

    خرجات اردوقان غريبة تشبه خرجات القذافي اينما حل حلت المشاكل .لا نظن ان تصيحه بريئ بل انه اراد ان ياكل الشوك بفم الجزائر و الدول اسرار ام اراد ان يصفي حسابه مع فرنسا على حسابنا .يجب الحذر منه و من غيره

  • Mokhtar

    ما لا يعرفه كثيرون ان السلطنة العثمانية باعت كل ولاياتها العربية ومنها الجزائر لاوربا تحت الضغط والتهديد بالقضاء على ما عرف تاريخيا بالرجل المريض . والتاريخ يشهد ان هارتزل مؤسس الصهيونية كان من رعايا السلطنة وكان يقيم في اسطمبول ومنها خطط للاستيلاء على فلسطين . لا تنخدعوا بالاتراك فقد حطموا الدولة العباسية من قبل ولن يتوانوا عن تحطيم اي دولة عربية ، وما فعلوه بسوريا خير دليل .

  • محمد كمال

    يستغرب الكاتب تعاطف الشعب مع كلام اردوغان، فين حين لا يستغرب رد فعل الرئاسة الذي أدهش الإيليزي نفسه قبل أن يدهش الشعب الجزائري و أردوغان. حقا ليس لأردغان التكلم عن الذاكرة الجزائرية. و لكن الفراغ في أعلى الهرم السلطوي في الجزائر هو الذي فتح أبواب التدخل و استغراب الشعب قبل كل شيئ في التعامل مع المستعمر بهذا الوهن .
    انشر يا ناشر و لا تقص.

  • عبدالله FreeThink

    العبرة بالأفعال وليس بالأقوال.
    لو تهاجم الجزائر أو أي بلد آخر فرنسا عسكريا ، ستهرع تركيا لنجدتها ، فهي حليفتها في الناتو...
    إذن دعنا من مسرحياتك ومسلسلاتك يا أردوغان، لانريدها.

  • عبدو

    بوركت استاذنا
    قبل ايام علقت بالموضوع على صفحات جريدتكم فحصدت ما يقارب 40 تقييم سالب وقتها قلت في نفسي ماتت النخوه و الغيره على كرامه الجزائر لكن مقالك طمأنني.
    المتتبع لمواقف اردوغان يجد ان الرجل متناقض و بدأ يفقد بوصلته السياسيه فمواقفه متضاربه حتى نعجز ان نرى موقفا ثابتا لتركيا .
    للمثال على مواقفه .
    بعث قواته لادلب السوريه و ازبد و ارعد و في النهايه هاهي ادلب تسقط بيد قوات النظام وهو يتفرج
    في تعزيه لايران وصف سليماني الذي قتله الامريكان بالشهيد وسليماني و ميليشياته هم سبب المجازر الطائفيه في العراق و سوريا
    قرر بعث قوات الى ليبيا و هاهو حفتر ما زال يقصف كما يحب فلماذا ارسلت القوات؟

  • مامون

    مهما كانت كبوة اردوغان الا أنه احراج لفرنسا على المستوى العالمي. في حين لم يتجرأ زعماء الجزائر من المجاهرة به عالميا وطلب الاعتذار. بشكل ريمي لا رجعة فيه ولا مهادنة وعليه وجب على الجزائر ايتغلال الظرف لمزيد من الضغط على فرنسا لتحقيق مكاسب مالية واقتصادية واجتماعية .

  • ayedbrahim

    هل هذا عن قناعة ام انك..............

  • مقبرة المواهب

    السيد احب المساعدة و اظهار نفاق فرنسا و انتم قتلكم التوسويس ... عوض التوظيف الاستفادة ... مراهقين سياسة روحوا اضربوا شي ايامات في جوانفيل تسجموا الافكار و تريحوا شوية ...

  • Ben

    اسف على.قول هذا لكن تركيا بلد قوي في جميع المجالات انصحكم الا تقارنو انفسكم بها فهي قادرة على أن تمحوكم من الخريطة في ايام