-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إنّهم السّعداء برمضان

سلطان بركاني
  • 123
  • 0
إنّهم السّعداء برمضان
ح.م

ثلاثة عشر يوما مضت من عمر رمضان هذا العام، رأينا وسمعنا فيها عن أحوال كثير من المحرومين، الذين لا يفرّقون بين ساعات رمضان وساعات غيره من الشّهور، سهر باللّيل إلى ساعات السّحر، ونوم بالنّهار إلى ساعات الظّهر وربّما إلى ما بعد العصر. جدال في الأسواق وخصام، غفلة طول اليوم عن حقيقة الصيام، وضيق وكسل في صلاة القيام.

مسلمون مؤمنون، يمتنّ الله عليهم ويمدّ في أعمارهم ليدركوا رمضان، عسى أن يتوبوا إلى مولاهم الحنّان المنّان، عسى أن تغفر خطاياهم وتفريطهم في جنب الواحد الديان، لكنّهم يأبون إلا أن يرحل رمضان وهو يشكو حالهم إلى خالق الأكوان، يقول نبيّ الهدى صلّى الله عليه وآله وسلّم:”رغم أنف عبد دخل عليه رمضان فلم يغفر له”.

وفي مقابل أحوال المحرومين، رأينا وسمعنا عن مواقف وأحوالٍ لبعض الصّائمين، تدلّ على أنّ الخير في هذه الأمّة لن ينقطع، وأنّ هذه الأمّة لا تحتاج إلى أكثر من قادة وقدوات يتقدّمون صفوفها ويحرّكون مكامن الخير في نفوس أبنائها.

رأينا مواقف أصحاب الأيدي السخية الذين سارعوا لتلبية نداء قفّة رمضان، وأنفقوا نفقة من لا يخشى الفقر؛ ينفق الواحد منهم ويوصي الإمام ألا يذكر اسمه لأحد، وأن يكتفي بأن يدعو له الواحد الأحد. فلله درّها من نفوس نسأل الله أن يجزي أصحابها سكنى الجنّات، وأن يجعل ما قدّموا في موازين حسناتهم ليوم تعزّ فيه الحسنات، وأن يحفظ بصدقاتهم الزّوجات والذريات.

رأينا أيضا مواقف الشّباب الذين ملأوا بيوت الله أنسا وحبورا، بجلوسهم بعد الصّلوات، يتلون كلام الله ربّ البريات؛ تسمع لأصواتهم دويا كدوي النّحل، وترى منهم الصّبر على تلاوة القرآن للسّاعات الطّوال دون ملل، لا تلهيهم الأسواق ولا التّجارات ولا الجلسات. نسأل الله أن يثبّت أقدامهم قبل وبعد الممات.

ورأينا أيضا مواقف أولئك الآباء الذين احدودبت ظهورهم وتسارعت أنفاسهم وتثاقلت خطاهم، ولكنّ حرارة الإيمان لا تزال متّقدة في قلوبهم، يبكّرون لصلاة القيام، ويسابقون على الصّفوف الأولى خلف الإمام، ويأبى الواحد منهم إلا أن يصلي التراويح كلّها من أوّل تكبيرة إلى آخرة تسليمة قائما مع القائمين، من دون كلل ولا ضجر. نسأل الله أن يثبّتهم ويعينهم ويضاعف لهم الجزاء، ويجعل مواقفهم عبرة لأولئك الشّباب والكهول الذين يصلّون في الصّفوف الأخيرة، ولا يدخل الواحد منهم الصّلاة مع الإمام إلا إذا كبّر للرّكوع.

ورأينا مواقف أخرى كثيرة لأطفال وشباب وشيوخ ونساء وعجائز في شتّى أبواب الطّاعات وميادين الخير والبرّ، تملأ القلب سعادة وأنسا وحبورا، وتجعل من يعاينها يحتقر نفسه أمام هؤلاء الذين يسْطرون بمواقفهم على أرض الواقع ما يقرؤه على صفحات الكتب لمواقف الصّالحين من سلف هذه الأمّة؛ عباد لله مسلمون مؤمنون لا يكاد يُعرف باب من أبواب الخير إلا ويضربون فيه بسهم ونصيب، مع حرصهم الشّديد على الإخلاص والبعد عن الرياء، فلا تسمع من الواحد منهم وهو يُغدق في العطاء غير قوله “أرجو ألا يسمع بي أحد، لا أريد سوى دعوة بالقبول وبالرّحمة لوالديّ الكريمين”.. عن السّعداء أتحدّث.

رمضان يعلّمنا أنّنا نستطيع

لعلّ من أهمّ وأجلى الدّروس التي يقرع بها رمضان وجدان كلّ عبد مسلم، أنّ طريق السّعادة هو طريق الطّاعة والاستقامة، ويزيد رمضان على هذا فيلفت انتباه العبد المسلم الصّائم إلى حقيقة طالما يُنساها؛ حقيقة أنّ الاستقامة على طاعة الله ليست مستحيلة ولا صعبة كما تسوّل له نفسه، وأنّها ليست خاصّة بفئة قليلة من عباد الله، إنّما هي مبذولة ميسّرة لكلّ عبد مؤمن.

ها نحن بعد انقضاء العشر الأولى من رمضان، وبعد أن صمنا 13 يوما متتابعة إلى الآن، نكتشف أنّ الصّوم ليس بتلك الصّعوبة التي كُنا نتصورها، وأنّه كان في إمكاننا أن نصوم الإثنين والخميس من كلّ أسبوع، وثلاثة أيام من كلّ شهر، وأنّ أنفسنا الأمّارة بالسّوء هي من كانت تصوّر لنا أنّ المحافظة على نوافل الصّيام ليست بالأمر الهيّن.. ظهر لنا جليًّا أنّنا كنا نستطيع صلاة 11 ركعة كل ليلة في قيام الليل، لا تأخذ من أوقاتنا أكثر من ساعة، ولو قبل النّوم، لكنّ أنفسنا هي من كانت تثبّط عزائمنا لتجعلنا نصلّي 3 ركعات سريعة بعد العشاء لنتفرّغ للسّهر أو النّوم.. اتضح لنا بعد مضيّ العشر الأولى من رمضان أنّ المحافظة على ختمة شهريّة للقرآن ليست بتلك الصّعوبة التي كان الشيطان يوهِمُنا بها قبل رمضان.. اكتشفنا بعد مضيّ العشر الأولى من رمضان وبعد أن حافظنا على الاستيقاظ قبل أذان الفجر الثاني بساعة كاملة، أنّ أنفسنا كانت تخدعنا حينما كانت تقول لنا قبل رمضان إنّ الاستيقاظ في وقت السّحر لصلاة ركعات بين يدي الله ربّ الأرض والسّماوات عمل صعب وشاقّ ولا يؤتاه كلّ أحد، واكتشفنا أنّنا كنّا نخدع أنفسنا حينما كنّا نقنعها بأنّ المحافظة على صلاة الفجر في وقتها صعب للغاية.. اتضح لنا أنّ الصّدقة ليست عملا صعبا كما كانت توهمنا أنفسنا قبل رمضان.. اكتشف المدخّن أنّ الإقلاع عن التّدخين ليس مستحيلا كما كانت نفسه تكذب عليه، فمن ترك التّدخين 16 ساعة، يمكن أن يتركه 24 ساعة، ويمكن أن يتركه نهائيا..

اكتشفت المرأة التي كانت لا تستغني عن”الماكياج” والعطور قبل خروجها أنّها يمكن أن تخرج من دون أصبغة وعطور وأنّ ذلك لن ينقص منها شيئا، بل يحفظ دينها ويبعدها عن سخط ربّها… وهكذا. اكتشف كلّ واحد منّا أنّ هناك أعمالا صالحة ومشاريعَوأهدافا كثيرة في الحياة أهملها لأنّ نفسه أقنعته بأنّه لا يستطيع! ورمضان يفضح النّفوس ويفضح تقصيرها ويقرع قلب وعقل كلّ عبد مؤمن بأنّه يستطيع بإذن الله، إن هو استعان بالله وخالف هوى نفسه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!