-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

احتجاجاتٌ عفوية أم ثورة مضادّة؟

حسين لقرع
  • 749
  • 6
احتجاجاتٌ عفوية أم ثورة مضادّة؟
ح.م

هناك غموضٌ كبير يكتنف أحداث العنف والشغب التي اجتاحت العديد من المدن التونسية في الأيام الأخيرة؛ فتونس هي البلد الوحيد الذي نجحت فيه الثورة في الإطاحة بالنظام وتحقيق الانتقال الديمقراطي وتداولِ الحكم، وتحوّل إلى واحةٍ للديمقراطية الحقيقية في صحراء الاستبداد العربية.

وأضحى بإمكان التونسيين الآن الخروج إلى الشارع للتظاهر سلميا في أيّ وقت، وفي وضح النهار، من دون أيّ خوف من القمع والمطاردات والسجون والتعذيب، فلماذا يختار مئاتُ المتظاهرين الخروج ليلا بشتى المدن وهم مقنّعون على طريقة “بلاك بلوك” المصرية المعارِضة للرئيس محمد مرسي رحمه الله وحكمِ الإخوان، والحالُ أنّهم يستطيعون التظاهر نهارا ووجوههم مكشوفة من دون أن يترتّب عن ذلك أيُّ تبعات؟! أليس الأمر مدعاة للارتياب؟!

وما يدعو للريبة أكثر أنّ الاحتجاجات على تفاقم الفقر والبطالة وتدهور الأوضاع الاقتصادية، تحوّلت إلى أعمال شغب ونهب وسلب للأملاك العامّة والخاصّة على السواء، ولم يرفع المحتجُّون خلالها أيَّ مطلب سياسي أو معيشي، وقد اتّضح أنّ الكثير من المشاركين في أعمال الشغب والسلب هم قُصّرٌ وأطفالٌ لا يفقهون في السياسة وشؤونِ الحكم والصراعات الحزبية والإيديولوجية شيئا، ومع ذلك سمعنا الكثير من “المحللين” في فضائياتٍ إماراتية وخليجية أخرى يزعمون أنّ الشباب “يثور على النظام الحاكم الذي تسيطر عليه حركة النهضة الإسلامية، ويطالب بتغييره”، وهو المطلب ذاته الذي ترفعه القوى العلمانية المدعومة إماراتيًّا منذ نحو سنتين، وقد حاولت هذه القوى حتى عزل راشد الغنوشي من رئاسة البرلمان وعجزت، واليوم تحاول بكلّ انتهازية ركوب موجة الاحتجاجات الشبانية وحرْفِها باتجاه المطالبة برحيل النظام.

والواضح أنّ دولاً خليجية معروفة بكرهها للربيع العربي وقيادتِها لثوراتٍ مضادّة في عددٍ من الدول العربية لإفشاله، كمصر وليبيا، لا تزال تشعر بغُصّةٍ في حلقها بسبب نجاح الثورة التونسية وصمودها عشر سنوات كاملة واستعصائها على كل المؤامرات والضغوط، داخليا وخارجيا، ولن يهدأ لها بالٌ حتى تُنهي هذه التجربة وتعيد الشعب التونسي إلى حظيرة الطاعة والخنوع مجددا، ولذا أوعزت إلى بيادقها في الداخل؛ أي أقطاب التيار العلماني، بالسعي إلى إسقاط الثورة بكل السُّبل وإعادة تونس إلى ما قبل ثورة الياسمين.

لذلك، لا يسعنا إلا أن نحذّر إخواننا التونسيين من هذه المؤامرة التي تتخذ في كلّ مرة شكلا جديدا، وهي تركب الآن موجة أعمال الشغب والتخريب الشبانية لتُحوِّلها إلى حركةٍ سياسية تحمل مطلبها بإسقاط النظام. ينبغي أن يفوِّت الشعبُ التونسي مجددا على الإمارات وعملائها في الداخل هذه الفرصة ويتمسّكوا بثورتهم التي أطاحت بالاستبداد وجعلتهم يتنفسون الحرية، وليحذروا ألف مرة من سقوط هذه التجربة والعودة إلى نقطة الصفر كما حدث في مصر في صيف 2013؛ لقد غُرِّر آنذاك بملايين المصريين وأنزِلوا إلى الشارع بطريقةٍ استعراضية كانت كافية لتوفير الغطاء للجيش بقيادة السيسي للتدخّل والاستيلاء على الحكم متذرّعا بـ”الاستجابة لنداء الشعب”، وقضى الانقلابُ على التجربة الديمقراطية وأعاد المصريين إلى عهد الاستبداد والقهر مجددا، وجعلهم يعضّون إلى الآن أصابع الحسرة والندم على ما فرّطوا فيه من ديمقراطيةٍ وحرّيات في عهد مرسي. وما دام الجيشُ التونسي زاهدا في السلطة، محايدا في الصراعات بين التيارات السياسية المتجاذبة، فهذه نعمة كبيرة ينبغي أن يقدّرها التونسيون جيِّدا، وإذا أرادوا التغيير، فليفعلوا ذلك عبر صناديق الاقتراع وحدها ما دام الأمر متاحاً ولا مكان للتزوير في البلد، والعاقلُ من اتّعظ بغيره.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • تونسي عربي اصيل حوسي

    سلمت اناملك وفكرك وعقلك

  • محمد

    ما يحصل في تونس كان نتيجة حتمية للكيفية التي تدار بها تلك الدولة التي تبهرنا شاشاتها التلفزيونية بأنواع الصهرات والبرامج المغايرة للحقيقة سواء بما تحث عليه من مجون وما تنشر من كلام كاذب عن تفوق علمي وحضاري بينما معظم المجتمع لا يجد ما يسد به رمقه.صحيح أن القوى الرجعية التي فقدت سيطرتها على الحكم بمفردها وجدت مثل كل الأحزاب الإسلاموية كجماعة النهضة الفقيرة من الإطارات القادرة على إخراج التونسيين من الوهم والبطالة.مهما كانت حكمة الغنوشي في مسالمة القوى الموالية لفرنسا فإن الشعب العميق لا يمكنه انتظار اليوم الموعود دون عزم المصلحين على التغيير الجذري لما يراه من فساد مقرون بالحرمان دون رد فعل.

  • حسين بوكحيلي تونس

    تحليل منطقي وصائب مائة في المائة لقد ارادو من قبل تدمير الجزائر ولكن الشعب الجزائري رفض اللعبة انهم يكرهون شعوب شمال افريقيا لاننا مختلفون عنهم يجب على حكومة الجزائر الوقوف الى جانب الاخت الصغرى تونس

  • دونا النقريني البربري

    لا يمكن للعالم العربي ان ينهظ او يتقدم مادام الحكام هم من يسيرون حياة الناس ويفرضون افكارهم وارائهم البالية البائسة علي شعوبهم

    والبلية الكبري والكارثة والمصيبة العظمي هو تحكم القوي الكبري امريكا واوروبا والصهاينة في مصائر الحكام العرب -حكام العرب عبارة عن دمي متحركة مشلولة الارادة صراحة - فالشرق الاوسط يديره الصهاينة وامريكا الصليبيية اما شمال افريقيا فاوروبا-خاصة فرنسا -
    علينا ان نختار اولا حكام احرارا وبقوة كبيرة وبنزاهة وشررف وكرامة مستقلين عن الخارج

  • abdalhakimtaibi

    الذي دمر العرب ليست الامارات بل قطر الصهيونية وتركيا العلمانية لقد ارجعوا ليبيا بعبيدهم الاخوان الى العصور الحجرية

  • الجزائر وطني

    ينبغي للجزائر التحرك لإفشال تلك المخططات التخريبية ، فتونس بالنسبة لنا خط دفاع متقدم ، وعمق استراتيجي هام ، فالمصلحة تقتضي مساعدة النظام في تونس ، لأن سقوط تونس لا قدر الله وإشاعة الفوضى فيها يعني بداية متاعب كثيرة لنا...