-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

استحقاق تطهير المستنقع البيروقراطي الآسن  

حبيب راشدين
  • 961
  • 3
استحقاق تطهير المستنقع البيروقراطي الآسن  
الشروق أونلاين

المتابع للحراك المضاد الذي تنفذه بقايا الدولة العميقة داخل الدولة، بعمل تخريبي منظم لجهود استعادة البلد لعافيته في أصعب سنة تمر بها الجزائر منذ الاستقلال، يدرك حقيقة قوة وسلطان ما يسمى بـ”الدولة العميقة” القادرة على تنفيذ ثورة مضادة قاتلة، وتعويق أي إصلاح يحمل بالضرورة تهديدا ملموسا لمصالحها، وهو ما يكتشفه الرئيس أو يعيد اكتشافه في سلوك أكثر من مؤسسة من المؤسسات البيروقراطية التقنوقراطية التي صنعت لعقود بأعين “دولة الدياراس”.

السلوك ليس جديدا، وما كان ليفاجئ الرئيس وحكومة السيد جراد، وقد تابعنا نسخا عنه في السابق، بما في ذلك في العهدتين الأولى والثانية للرئيس السابق بوتفليقة، الذي أصر أكثر من مرة لإنجاز تغييرات جذرية متتالية في أسلاك الولاة، والقضاء، ورؤساء الدواوين والمؤسسات العمومية بغاية تحريك الجمود، وتفكيك مواطن التعطيل دون جدوى، لأن الوعاء الذي كان يستقي منه أعوان الدولة كان بيد الجهة الأمنية المكلفة بمنح شهادة الولاء للنظام، قبل أن تبحث في مستوى الكفاءة والولاء للوطن أو للدولة.

التهديد بالدولة العميقة برز في الشهور الأولى من الحراك، حين بدأت العصابة تكتشف ضياع زمام المبادرة وفرص ركوب الحراك لصالح مؤسسة الجيش والقوى الوطنية، وبدأت تحرك جزءا من أذرعها في الإدارة لتخليق أجواء معوقة لنشاط المؤسسات المكلفة بإدارة المرحلة الدستورية الانتقالية، وكنا وقتها نتوقع انتقال المواجهة من الأسلاك العليا في الدولة إلى الأسلاك المتوسطة، التي تقطعت بها الأسباب بعد ترحيل الرؤوس، وانطلاق مسار التطهير بأدوات العدالة النافذة، وربما يكون حراك الدولة العميقة قد تأخر، أو أنه قد أساء التقدير، وظن أن الرئيس المنتخب قد يكتفي بما قطع أو رحل من رؤوس الفساد، وأن أوضاع البلد المتأزمة على أكثر من مستوى سوف تضطره للمداهنة وغض الطرف عن مستويات الفساد الدنيا.

جانب من الرهان كان يعول أيضا على جائحة كورونا، كهبة من السماء سوف تشتت جهود الدولة وتعطل عمليات التطهير، وقد أضيف إليها تراجع موارد الدولة، واشتعال الجبهات الأمنية على كامل حدود البلاد، فكان التعويل قائما على إخفاق الرئيس وحكومة جراد في إدارة هذه الأزمات المتضامنة، التي كانت ستنتج مواطن اضطرابات اجتماعية حتى في الأوقات العادية لدولة مستقرة سياسيا وأمنيا، غير أن الإدارة الجيدة للجائحة، ولتداعيات إغلاق الاقتصاد، ونجاح الحكومة في مواصلة تدفق الخدمات القاعدية للمواطن، وامتلاء الأسواق بالمواد الاستهلاكية بأسعار لم يؤثر فيها لا الإغلاق الداخلي والدولي، ولا تراجع موارد الدولة المالية، قد أحبط هذا الرهان الذي عوقه أيضا مستوى صبر المواطن، وانضباطه، وثقته في الدولة وفي الرئيس المنتخب.

اندفاع فلول الدولة العميقة بوجه سافر قبيل عيد الأضحى، بسلسلة مترابطة من أعمال التخريب الممنهج لجهود الدولة، باستهداف مرافق الخدمات في المياه، والكهرباء، والبريد والضغط على السيولة، متزامنة مع حملات إعلامية في الداخل والخارج لم تتردد في فبركة جو من عدم الاستقرار، والتسويق لغضب شعبي قادم، وبداية التركيز على تردي الأجواء الأمنية، بتداول مفرط للحوادث والأعمال الإجرامية، تزامنت جميعها مع فتح الرئيس لأكثر من جبهة مع بقايا بؤر الفساد، وتحديدا في الوسط البيروقراطي التقنوقراطي، وفضحه على العلن للزمرة الفاسدة فيه، وتحريك الجهازين الأمني والقضائي لتطهير هذا المستنقع الآسن.

المواجهة سوف تتواصل وتتعاظم في الشهرين القادمين، وكلما اقتربنا من الفاتح من نوفمبر موعد استحقاق الاستفتاء على الدستور الذي باتت تخشاه العصابة وملحقاتها في الدولة العميقة أكثر مما كانت تخشى استحقاق الرئاسيات، لن تكون مواجهة بسيطة محسومة مسبقا، تحتاج من الرئيس إلى تصعيد في إجراءات التطهير الإداري والقضائي للمستنقع دون تردد، وبين يديه جيش من الإطارات الشابة التي عانت التهميش هي قادرة على احتلال جميع المواقع الحساسة بإدارات الدولة، بل هي فرصة لإنفاذ واحد من أهم وعوده الانتخابية بنقل المشعل للجيل الشاب، بل إن تطهير الإدارة هو أهم شرط في إنجاح مسار بناء الجمهورية الجديدة حتى قبل التفكير في تجديد المؤسسات المنتخبة، وأن يصطف بلا رجعة أو تردد مع الأغلبية التي حسمت المواجهة الأولى مع العصابة في رئاسيات 12 ديسمبر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • بلال غماري

    تتكلمون عن الحراك المضاد و انتم لا تؤمنون بالحراك اساسا !!!!!!!@¿¿¿¿¿¿

  • halim

    امثال هؤلاء الدين يهددون الامن القومي للبلاد بأفتعالهم مشاكل كبيرة وفوضى خلاقة الهدف منها زعزعة استقرار البلاد لا حل للرئيس hlhlil الا تطبيق الاعدام في حقهم و جعلهم عبرة لمن يعتبر ... والا فلن يقدر عليهم وhن قدر فبعد زمن طويل ....

  • جبريل اللمعي

    حديث الكاتب عن الأسلاك المتوسطة للإدارة ذكّرني بالكيفية العجيبة التي تكيّفوا بها منذ منتصف التسعينات. واحد منهم كان مديرا لمركز جامعي – باع مَسكنا وظيفيا – عوقِب فَنُقِل إلى ولاية أخرى – أصبح مديرا لجامعتها – أَبعَد وأدْنى وسَلَب ونَهَب – كان له حارس يَرُشُّ سائلا فيه سِحرٌ في مكتبه كي لا يُعْزَل من منصبه – فاجأ الجميع يوما عندما أعلن أنّه نَالَ الدُكْتُورَاءَ من جامعة فرنسية دون أن يتحرك مِن كُرسيِّه – وهو الآن يَأكُل ويَتمتّع كما تَأكُل الضِّباع مِمّا تَجمَع مِن جِيَفٍ.