-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأخطاء السبعة في رسالة الحكماء الثلاثة

حبيب راشدين
  • 2183
  • 0
الأخطاء السبعة في رسالة الحكماء الثلاثة
ح.م

قبل أيام صُنعت على مواقع التواصل الاجتماعي حالةٌ من التوقع والانتظار لمبادرة قيل إنها ستصدر عن وزير الخارجية الأسبق السيد أحمد طالب الإبراهيمي، تحمل مفاجأة سارة للمواطنين عموما وللحراك على وجه التحديد، لنفاجَأ يوم السبت الماضي برسالة تحمل توقيع ثلاث من الشخصيات الوطنية البارزة، قد كُتب لها من العمر ما يعادل مدة خلوة أهل الكهف، وينسب لها الشارع قدرا من الحكمة ما أعطي للقمان وداود وسليمان، ومن التجربة في مواقع حسَّاسة ومتنوِّعة داخل مؤسسات الحكم ما كان سيُغرينا بالاستئناس برأيهم.

ولا شك أن المواطن البسيط هو في حيرةٍ من أمره، لم يكن قد أعدّ لمواجهة الأحداث التي تعصف اليوم بالبلد، وقد خانته نخبته التي سكتت دهرا ونطقت كفرا، وقد ارتضت اليوم الجري خلف العربة بدل أن تكون هي الماسكة بزمام القيادة، ولو بالاجتهاد قدر المستطاع لصياغة أكثر من حلٍّ لأزمة ما زال بأيدينا أن نسيِّرها، ونفكك ألغامها، ونذلل مَواطن تعويق الحلول فيها بيسر، متى وضعنا مصلحة البلد قبل كل شيء، وفي الحد الأدنى أن نقول خيرا أو نسكت.

المضمون الخطأ في التوقيت الخطأ

الشيوخ الثلاثة كلفوا أنفسهم عناء صياغة رسالة مضمونها العامّ كان أقرب إلى “تفسير الماء بالماء” بعد جهد، وكأن المواطنين لا يعلمون أن البلد في أزمة، يحتاج إلى حلول تمرُّ حتما عبر فتح حوار بين من يجب أن يجلسوا على طاولة الحوار، بدل التراشق عن بُعد بعبارات التكفير والتهجير والإقصاء، لتأتي الرسالة في التوقيت الخطأ وبالمضمون الخطأ، بل وتضمر خطبئة سياسية كبرى، ما كان يُفترض أن تصدر عن شخصيات سياسية بارزة، لها ما لهذا الثلاثي من تجربة وخبرة وثقافة سياسية عملية، ليست متوفرة عند العامَّة ولا حتى عند كثير من الصفوة المثقفة.

الرسالة فيها ـ بعد تمجيد الحراك وتذكير مجتزأ لمطالبه ـ فقرتان لا أكثر مما يصلح التوقف عنده: الفقرة الأولى تمنح للرسالة عنوانا رنانا يدّعي أصحابها الحرص على إيجاد “حل توافقي” وتذكِّر بخرجة سابقة لنفس المجموعة في أكتوبر من سنة 2017، وكأنها تستحلب منها ما ادّعته لنفسها من حق لتوجيه الدعوة وبإلحاح للقيادة العسكرية إلى “فتح حوار صريح ونزيه مع ممثلي الحراك الشعبي والأحزاب السياسية المساندة لهذا الحراك، وكذلك القوى الاجتماعية المؤيدة له، من أجل إيجاد حلّ سياسي توافقي في أقرب الآجال يستجيب للطموحات الشعبية المشروعة المطروحة يوميا منذ ثلاثة أشهر تقريبا”.

والفقرة الثانية: تحمل اتهاما مبطنا لقيادة الجيش التي تكون قد قادت البلد إلى حالة الانسداد بتمسكها بتاريخ الرابع جويلية القادم جاء فيها: “إن حالة الانسداد التي نشهدها اليوم تحمل أخطارا جسيمة تضاف إلى حالة التوتر القائم في محيطنا الإقليمي، وهذه الحالة الناجمة عن التمسُّك بتاريخ الرابع جويلية القادم، لن تؤدي إلا إلى تأجيل ساعة الميلاد الحتمي للجمهورية الجديدة، فكيف يمكن أن نتصوَّر إجراء انتخاباتٍ حرة ونزيهة ترفضها من الآن الأغلبية الساحقة من الشعب، لأنها من تنظيم مؤسسات مازالت تديرها قوى غير مؤهلة معادية للتغيير والبناء”.

العنوان الخطأ للطرف المعني بتحريك الحوار

أول خطيئة في هذه الرسالة أن يوجه النداء فيها لمؤسسة الجيش وبهذه الصفة التي تستبدل عبارة “الجيش” بعبارة “العسكر” تدعوها إلى فتح “حوار صريح ونزيه” وكأن مؤسسة الجيش تمتلك هذه الصلاحية مع وجود مؤسسة قائمة بموجب المادة 102 اسمها “رئاسة الدولة” في بلد ما زال الدستور لم يسقط فيه بعد، وقد سبق لها أن دعت قبل أكثر من شهر إلى حوار قاطعته أغلب التشكيلات الحزبية ومنها الشخصيات الثلاث صاحبة الرسالة.
هذه الدعوة كانت تصلح أن تُوجَّه لقيادة الجيش التي نفذت انقلاب 1992 على الشرعية وعلى الدستور، وليس لقيادة الجيش التي تتمسَّك اليوم بالدستور، وتريد لبقية مؤسسات الدولة وللطبقة السياسية أن تتمسك به على ما فيه من عيوب، حفاظا على استقرار البلد ومنع السقوط في الفوضى الخلاقة التي سوف ينتجها أي مسار انتقالي خارج الدستور.

ما خفي على هذه الشخصيات المحترمة أو أنها تغافلت عنه، أن توجيه الدعوة إلى مؤسسة الجيش لفتح الحوار يضمر إدانة للمؤسسة، وكأنها نفذت انقلابا عسكريا موصوفا، واستولت على السلطة خارج الدستور، وهي لأجل ذلك مطالبة بفتح حوار من أجل إعادة السيادة للمدنيين، كما تضمر عند أصحاب الرسالة عدم اعتراف بيِّن بمؤسسة رئاسة الدولة القائمة، وكأن الدستور قد سقط مع استقالة رئيس الجمهورية الأسبق، وفي هذه الحالة كان ينبغي على أصحاب الرسالة أن يرفضوا الحوار مع مؤسسة الجيش أيضا، وهي مؤسسة دستورية وجزءٌ من النظام، وربما لهذا السبب اختار أصحاب الرسالة عبارة “المؤسسة العسكرية” بدل عبارة “مؤسسة الجيش”.

من يريد تلبيس الجيش تهمة الانقلاب؟

في اللحظة التي تقبل فيها مؤسسة الجيش الاستجابة لهذه الدعوة الملغَّمة، تكون قد قبلت مسبقا أن يصنفها الطرف الآخر، ومن يتربَّص بها في الخارج، كـ”مؤسسة انقلابية” مطالَبة بتحمُّل مسؤولياتها وبواجب فتح الحوار مع المجتمع السياسي، وفي هذا فخٌّ يُنصَّب للمؤسسة التي كان بوسعها أن تبادر إلى مثل هذا الحوار في الأسبوع الأول بعد استقالة الرئيس كما فعلت نظيرتُها السودانية التي قامت بانقلاب فعلي على الرئيس عمر البشير وليس هذا ما حصل في الجزائر.

الخطيئة الثانية التي تُسجَّل على أصحاب الرسالة، هو الاتهام المبطن لمؤسسة الجيش بتعطيل الحل، مع ما نُسب إليها من إصرار على موعد 4 جويلية كموعدٍ لإجراء الانتخابات الرئاسية، مع أنه لم يصدر عن المؤسسة ولا كلمة واحدة دعت فيها إلى الالتزام بموعد 4 جويلية، وهو تاريخٌ حددته الجهة الوحيدة المخولة دستوريا لدعوة الهيئة الناخبة وهي رئاسة الدولة، بل فُهم من كثير من التصريحات الصادرة عن مؤسسة الجيش، أن الموعد قد يكون محلَّ تشاور، ويحتمل النظر فيه بالتأخير متى ما التزم الجميعُ بالعمل تحت الدستور، بل إن المؤسسة التي اقترحت إضافة المادتين 7 و8 لدعم المادة 102 ليس لها مانعٌ أن يفضي الحوار إلى توافق يسمح بتمديد المهلة الدستورية فوق الأشهر الثلاثة، خاصة وأن إحدى فقرات المادة 103 تسمح بتمديد الفترة الانتقالية الدستورية الحالية حتى انتخاب رئيس جديد، لأن قرار تسليم صلاحيات رئيس الدولة، وأكثر من ذلك صلاحيات رئيس الجمهورية، لا يملكها رئيسُ الدولة، بل هي ملكٌ للناخب وحده صاحب السلطة التأسيسية عبر الصندوق والصندوق وحده.

دعوة خطيرة لإسقاط البلد بإسقاط الدستور

وفي الجملة، فإنَّ هذه المبادرة لم تأت بجديد أو إضافة تُذكر لما حملته أغلب المبادرات السابقة التي تبنَّتها أحزابٌ سياسية وبعض النشطاء على هامش الحراك، وقد سكتت مثلها عن الآليات التي يمكن أن تُعتمد ويحصل عليها التوافق لتنفيذ انتقال خارج الدستور، ومنها مصير غرفتي البرلمان وباقي المؤسسات الدستورية، لأن مجرد التوافق على انتقال للسلطة خارج الدستور يفضي إلى إسقاط فوري للدستور، كما تعني فقدان بقية المؤسسات المنتخَبة محليا للشرعية، ولا شيء يمنع وقتها المواطن من عصيان القانون والمؤسسات التي تنفذه (قضاء وأمن)، لأن مؤسسة القضاء مثلها مثل المؤسسات الأمنية سوف تفقد شرعيتها مثل رئاسة الدولة والحكومة المطعون فيهما اليوم.

فهل يعقل أن يوافق رجالُ دولة بحجم ومكانة الشخصيات الثلاث، المقامرة هكذا بأمن واستقرار البلد، والتشجيع على الدخول في مرحلة تستمد شرعيتها (شرعية الأمر الواقع) من توافق بين أطراف لم يخوِّلها أحد، وبأي طريقة من الطرق، سلطة إسقاط دستور قائم، وحل مؤسسات منتخَبة حتى لو كان مطعونا فيها بالتزوير، علما أن حالة التشظي القائمة في المجتمع السياسي والجمعوي تمنع منذ الآن التوصل إلى بناء أي توافق إلا إذا كان مسنودا بالقوة التي لا يتملكها سوى مؤسسة الجيش والمؤسسات الأمنية؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!