-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأستاذ مصطفى بوغابة في ذمة الله

الأستاذ مصطفى بوغابة في ذمة الله
ح.م

في الرابع من هذا الشهر رجعت نفس مطمئنة إلى ربها، راضية بما قدمت، مرضية – إن شاء الله – راجية رحمته التي وسعت كل شيء، إنها روح الأستاذ المجاهد مصطفى بوغابة.

ولد الأستاذ بوغابة في 1924 أو 1926 في مدينة قسنطينة “بلد الهوى والهواء” كما يقول محمّد العيد آل خليفة – رحمه الله- وتردد على بعض كتاتيبها فحفظ ما تيسر من القرآن الكريم.. وتعلم مبادئ القراءة والكتابة أهّلته للانضمام إلى “مدرسة التربية والتعليم”، التي أنشأها الإمام عبد الحميد ابن باديس، وقضى فيها أربع حجج من 1937 إلى 1941.. ومن أشهر أساتذته فيها الشيخ محمد الصالح رمضان، والشيخ محمد العابد الجلاّلي.

أبدى الشاب مصطفى نشاطا متميزا، وبذل اجتهادا كبيرا في طلب العلم، والالتزام الخلقي، فاختاره أشياخه النجب للذهاب إلى تونس لاستكمال دراسته، ولكنه لم يلتحق بتونس إلا في عام 1944 بسبب ظروف الحرب العالمية الثانية…

كانت قسنطينة في ثلاثينيات القرن الماضي تعيش “ثورة” فكرية مزدوجة، يتولاها من ادّخره الله – عز وجل- للجزائر في أحلك أيامها، أعني الإمام عبد الحميد ابن باديس الذي لم يكتف بالتدريس بنفسه، أو بتأسيس “مدرسة التربية والتعليم”، بل أراد أن يحرّك بـ”ثورته” الفكرية الجزائر كلها.. فهداه الله – الهادي إلى كل خير – إلى تأسيس جريدة، اعتبرها “مدرسة متنقلة”، وسماها “المنتقد” ليتخذها منبرا يقذف منه وبه أضاليل سماسرة الدين، وأباطيل الأعداء الفرنسيين.. ولم يستطع لا هؤلاء ولا أولئك الصّبر على “قذائف” الحق التي كانت تدمغ الضلال والطغيان.. فائتمر الحليفان على إخماد هذا الصوت المنتقد.. فأوقفت الجريدة..

ولكن الإمام ابن باديس ما كان له – وهو صاحب الشعار القائل: “تستطيع الظروف أن تكيّفنا، ولكنها لا تستطيع بإذن الله أن تتلفنا – ليتوقف عن “جهاده”، فأسس “الشهاب” ليحرق به الضلال والضلال، والطغيان والطغاة…

كان الشاب مصطفى يرصد بعينيه، ويسجل في ذاكرته تلك المعركة بين الحق وأهله، والباطل وجنوده، فتبين له الرشد، واعتنق الفكر الديني السليم، وآمن بالوطنية الصادقة التي كان يؤمن بها ويدعو إليها الذين اتخذوا السياسة “طرقية” جديدة، بعدما صارت “الطرقية الدينية” لا تطعم المن والسلوى.

وفي عام 1944 التحق بتونس، وأكمل دراسته، وكان ينشط – إلى جانب الدراسة- في إطار البعثة التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

وما إن أنهى تعلمه في تونس حتى عاد لينفع وطنه وقومه بما تعلّمه، فعينته جمعية العلماء في سطيف، ثم في مدرسة التربية والتعليم بقسنطينة.

وفي عام 1954 عين في معهد الإمام ابن باديس، وهذا دليل تميزه، إذ لم يكن يعين في هذا المعهد الذي يعتبر أرقى مؤسسة تعليمية لجمعية العلماء إلا الخيرة من الأساتذة..

وفي هذه السنة اندلع الجهاد مرة أخرى ليبطل خرافة “الجزائر الفرنسية”، وليجبر فرنسا على أن تخرج من الجزائر..

وكان معهد ابن باديس وأساتذته، وكان الأستاذ بوغابة أحد عناصر خلية الثورة في المعهد، وعندما التحق الأستاذ ابراهيم مزهودي بالجبل تولى الأستاذ بوغابة مسئولية هذه الخلية، المكلفة بنشر الوعي، وتجنيد الشبان، وجمع المساعدات، وربط الاتصال بين قيادات الثورة.

وفي شهر نوفمبر من عام 1956، اكتشف العدو الفرنسي نشاط الأستاذ مصطفى، وقد عمل العدو ما استطاع للقبض عليه، ولكن الله – عز وجل- أنجاه، فالتحق هو أيضا بالجبال ليرى المسئولون أنه أكثر نفعا للثورة خارج الجزائر.. فأخرجته لكي يؤطر عملها في تونس مع إخوانه، فأدى ما كلف به كأحسن ما يكون الأداء.. وقد حدثني عن بعض الذين استفادوا من الثورة، ولم يفيدوها، وقد صاروا يتصدرون المجالس، ويعتلون منصات الحديث عن “جهادهم”، طلبا لمحمدة، ونشدانا لمجد لم يقدموا عليهما شواهد..

ومع تحقيق النصر، واندحار العدو الفرنسي رجع الأستاذ مصطفى إلى الجزائر ليخوض جهادا لا يقل قيمة وأهمية عن الجهاد المسلح، إنه جهاد العلم والتعليم، فعين أستاذا ثم مديرا للمعهد التكنولوجي لإعداد معلمي التعليم المتوسط، ثم مديرا لثانوية أحمد باي في قسنطينة. كما نشط في الحزب، وفي المجلس الولائي، ولجنة الولاية الثانية التاريخية، وكان عضوا في مؤسسة ابن باديس، ورئيس “جمعية جيل نوفمبر”لحماية الثورة وتخليد أمجادها”.

وفي سنة 1988 انتدب إلى مسجد باريس ليكون أحد الإطارات- إلى جانب الشيخ العباس- في تسيير تلك المؤسسة الهامة وما يتبعها من مساجد.

وفي هذه السنة تعرفت على الأستاذ مصطفى بوغابة، والأستاذ عبد الرحمن بن غمراني، وهو أستاذ سابق في معهد ابن باديس، وقد استفدت كثيرا من تجاربه وخبرته، وأشهد أنه كان يحظى باحترام كبير وتقدير من الشيخ العباس، كما كان مثالا في الانضباط والعمل، فقد كان متشبعا بمبادئ الإسلام وقيم الجهاد.. وكان نعم الممثل للجزائر.

ولم تنقطع صلتي مع الأستاذ مصطفى بوغابة منذ ذلك التاريخ، وكان يتابع ما أكتبه فيكلمني مشجعا لي، لافتا نظري إلى أمور، وكنت أحرص على زيارته في بيته كلما ذهبت إلى قسنطينة إلا في الأشهر الأخيرة لتدهور حالته الصحية وأشهد أنه لم ينس يوما التقيته فيه ولم يحدثني عن فلسطين، وكان يتبرع من تقاعده على فلسطين عبر لجنة الإغاثة التي تشرف عليها جمعية العلماء.

رحم الله الأستاذ المجاهد مصطفى بوغابة، وأنزله منازل المكرمين من العلماء العاملين، والمجاهدين الصادقين، وندعو الله – عز وجل- أن لا يفتننا بعده، ولا يحرمنا أجره.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • merghenis

    يخبرنا سي الهادي الحسني بوفاة الأستاذ مصطفى بوغابة ،تغمده الله برحمته الواسعة و كاناعملا معا في مسجد باريس.
    كما أخبرنا من قبل بوفاة الشيخ مصطفى ابن تكوك والأستاذ الحبيب اللمسي والأستاذ زبير طوالبي و الأستذان لعربي غالم و أحمد شقار الثعالبي. شكرا للأستاذ الحسني لكل المعلومات التي يفيدنا بها.

  • ابو انس

    السلام عليك استاذانا المبجل وبارك الله فيك وعلى كتاباتك المميزة وبارك في الأستاذ سليم صاحب التعليق3 لقد كفى واوفى في رده على الصعاليك الذين يختنقون ويغيظون لما يكتب الأستاذ الهادي ويذكر الجمعية وكذا رائدها الهمام -في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا- نقول لهم موتوا بغيظكم

  • سليم خيراني - أستاذ جامعي

    الرد على تعليق رقم 01
    لم يجبرك أحد على قراءة مقال الأستاذ الفاضل الحسني، فأنا أحب ابن باديس ولو رزقني الله ولدا لأسميته باديس عبد الحميد، ووالدي درس في معهد ابن باديس في قسنطينة في بداية الخمسينات للقرن الماضي، والذين يحبون ابن باديس وجمعية العلماء كثيرون سواء في الجزائر أوخارجها، ولا نكره أبدا من سيرة ابن باديس رائد النهضة العالم الرباني الجليل، ولا من سيرة جمعية العلماء خير جمعية أخرجت للناس، حب من حب وكره من كره، فنحن من أبناء باديس، وإن كنت من أبناء باريس فعندك الجرائد الصفراء الناطقة بالفرنسية كي تستأنس بها وتشارك فيها
    رحم الله ابن باديس وحفظ جمعية العلماء المسلمين
    أقول لك سلاما

  • omar

    رحمه الله تعالى برحمته الواسعة وحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
    امين امين يارب العالمين

  • تعليق

    كل الطرق تؤدي الى ( عبد الحميد ابن باديس ) و ( جمعية العلماء المسلمين )
    كل مقال تقحم فيه اسم ( عبد الحميد بن باديس و جمعيته ) و تضعه في جملة مفيدة
    لماذا لا تخرج من قوقعة الماضي بين الفينة و الأخرى لتطلع على ما يجري في عصرنا ؟
    أليس في عصرنا من أحداث و قضايا ما يستحق التأمل و التعليق ؟