الأعمى والأعرج
هاتفني أحد الإخوة ليطمئن عن أحوالي بعدما علم بوضع مدينة البليدة التي أتديَّرُها تحت الحجر الكامل.
شكرته، وطمأنته عن أحوالي، و استفسرتُه عن أوضاعه و أوضاع الناس حيث يسكن، فطمأنني..
ثم سألني عن أحوال الناس في البليدة. فأجبته بأنهم مثل البشر جميعا من مطلع الشمس إلى مغربها، فبعضهم كالأعمى، و بعضهم كالأعرج، و بعضهم كالإنسان السَّويِّ…
قال لي صديقي: لولا أنني أعرف أنك تمزح و تجتهد أن تقول صدقا، لقلت إن “فيروسا” أصاب عقلك.. و صرت إنسانا غير سويٍّ، فأخبِرْني ماذا تقصد؟ قلت: لا أقصد بـ”الأعمى” ذلك الذي ابتلاه الله فأخذ “حبيبتيه”، فحرم من نعمة البصر،
و لا أقصد بـ”الأعرج” ذلك الذي ابتلاه الله بفقد إحدى رجليه، فبعض العميان و بعض العرجان أفضل و أنفع من كثير ممّن أنعم الله عليهم بالأعين المبصرة و الأرجل الكاملة، و لكنهم يعيشون كالجراد الذي يلتهم كل أخضر.. و بعضهم يقبع الآن في غياهب السجون.
فاستعجلني الصديق قائلا: أخبرني بما تقصد..
فقلت: إنني أقصد بـ”الأعمى” و “الأعرج” ما قصده “العَالِمُ” الذي لم يهتد ـ رغم علمه ـ إلى الحق، وهو ألبرت انشتاين..
فاستفسَرني الصديق عما قصده انشتاين. فقلت: ينسب إلى هذا “العالم” قوله: “إن الإيمان بلا علم لَيَمْشي مشية الأعرج، وإن العلم بلا دين لَيَتَلَمَّسُ تَلَمُّسَ الأعمى”. (د. خالص جلبي: الطب محراب للإيمان. ج1. ص275).
فقال لي الصديق: ولكنك لم تذكر الصنف الثالث، وهو الإنسان السوي. فقلت: من الناس ـ بمن فيهم ناس البليدة ـ هرعوا أمام هذا الفيروس إلى “العلم” فوجدوه “عاجزاً”، وهم يجتهدون للوصول إلى لقاح ضد هذا الفيروس، وقد نسوا التضرع إلى الله ـ الشافي، القاهر، القادرـ فكأنّهم يتلمسون تلمُّس الأعمى؛ ومنهم من جَهِلوا الإسلام، فقالوا إن الله هو الشافي و لن نفرّ من قدر الله، ولم يعرفوا أن الفرار إلى قدرِ الله هو من قدرِ الله و تمامه، و منهم من اتخذوا الأسباب و لم ينسوا الله ـ عزوجل ـ كما تقول الأستاذة فاطمة لحلو من المغرب الشقيق في كتابها القيم: “فلا تنس الله”، وذلك هو الإنسان السوي، و ندعو الله عز وجل ـ أن يجعلنا من هذا الصنف، و أن يهدي من لم يهتد…