-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
قاد ثورة التحرير وظلّ على هامش الحكم في الاستقلال

“الأفلان”.. التخلّي عن دور “الجهاز” أو الإحالة على المتحف!

الشروق أونلاين
  • 3832
  • 0
“الأفلان”.. التخلّي عن دور “الجهاز” أو الإحالة على المتحف!
ح.م

منذ السنوات الأولى لاستعادة السيادة الوطنية وإلى غاية مطلع التعددية السياسية نهاية الثمانينات من القرن الفائت، ظل السؤال الجدلي قائمًا: هل تحكم فعلاً جبهة التحرير الوطني البلاد، وبيدها مقاليد السلطة، أم هي فقط أداة يحكم باسمها النظام الجزائري الموروث عن تشابكات الثورة وصراعاتها وتداخلات مكوناتها منذ مؤتمر طرابلس في ليبيا صيف 1962، في خضمّ الصراع بين الحكومة المؤقتة وقيادة الأركان، والذي أفرز إشكاليّة الشرعيّة في الجزائر، وهي قائمة إلى اليوم.

بعد توقيف المسار الانتخابي شتاء 1992، نأى المرحوم عبد الحميد مهري بالحزب العتيد عن السلطة، لقناعة منه أنّ دوره بعد أكتوبر 88 وما قبلها سيكون مختلفًا، لأنّه صار منفصلاً بحكم تحولات الواقع عن الدولة ضمن لعبة تنافسيّة مفتوحة، فضلاً عن معارضة الرجل لخيار النظام في التعامل مع نتائج الانتخابات التشريعية المجهضة وقتها، فتحوّل إلى صوت معارض، بل مكوّن أساسي في معسكر الرافضين لما أسماه بـ”السلطة الفعليّة”.

مساعي الحكيم مهري بتحرير الأفلان لم تصمد بعدها أكثر من 4 سنوات، ليطاح بالرجل عام 1996 في أعقاب “لقاء روما” الشهير، عن طريق ما عُرف بالمؤامرة العلميّة، ليقترب الحزب مجدّدا من مؤسسات السلطة، لكن بعد فوات الأوان، لأن الأخيرة جهّزت بديلها عبر ميلاد سريع للتجمّع الوطني الديمقراطي، فتحوّل في لمح البصر إلى حزب الأغلبية، واضعا “الأفلان” في موقع الوصيف لأجهزة الحكم السياسيّة وقواعده الشعبيّة.

مع صعود الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم ربيع 1999، سرعان ما تغيّرت إحداثيات المعادلة بين الرائد والوصيف، حتّى تحوّل الأول إلى غريم يشتكي التضييق وحتّى التزوير ضدّه، لتفتك “الجبهة” مرة أخرى موقع الجهاز الشعبي والدعائي للسلطة السياسيّة، مستفيدة من تولّي أحد رموزها القدامى لدفّة الحكم، والذي عينه المؤتمر الثامن في جانفي 2005 رئيسا للحزب.

غير أنّ الاندماج في السلطة من جديد، وضمن تداعيات التدخلات من مختلف أجنحة الحكم في شؤونه الداخليّة، وما نجم عنها من تصدعات وأزمات تنظيميّة خلخلت الحزب، جعل الأفلان يتحوّل من مدرسة سياسيّة عريقة صقلت رجالات الدولة منذ عهد الثورة إلى مجرّد كرة تتقاذفها الزمر المتصارعة على الحكم، بعد ما هوى إلى “لجنة مساندة” تصفّق لكل رئيس وتأكل مع كل عريس، فاقدة خيارها وقرارها، لا تتحرك إلا بالإيعاز والمهماز، حتى ظهر قادتها في صورة ممثلين هواة وصغار فوق مسرح الحياة السياسيّة العامة والحبلى بالتطورات والأحداث الكبرى.

اليوم، وبإعلان رئيس الجمهورية سحب الترشّح لعهدة خامسة، أي مغادرة الحكم بصفة نهائيّة، رافعًا الغطاء الرسمي عن الحزب، تكون جبهة التحرير الوطني على عتبات مرحلة مختلفة، إذا صارت الإصلاحات وفق ما عبّر عنها الرئيس، يطبعها التنافس الحرّ على كافة المؤسسات المنتخبة وترسم معالمها الإرادة الفعلية للشعب، لا الإدارة العموميّة.

هذه التغيّرات الجذرية المرتقبة، وفق مؤشرات الحراك الشعبي والقرارات السياسيّة المتسارعة، تضع الحزب التاريخي في البلاد أمام مفترق طرق حاسم، يُعيدنا إلى الصيْحة الخالدة: أيّها الحزب تجدّدْ أو تبدّدْ، فلا خيار بعد اليوم لأبناء الجبهة ومحبّيها سوى  التخلّي عن دور “الجهاز”.. وإلاّ سيكون مصيرها الحتمي الإحالة على المتحف، وهي نهاية لا يتمنّاها مخلص ولا تليق برمز، ليس في ذاكرتنا الجماعيّة مجرّد حزب سياسيّ، بل هو ركن تليد في تاريخ البلاد، فهل تكون قياداته في مستوى اللحظة التاريخيّة؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!