-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأمازيغية والمربع الأول!

التهامي مجوري
  • 1486
  • 8
الأمازيغية والمربع الأول!
أرشيف

في اليوم الدراسي الذي نظمه مجلس الأمة يوم 11 أفريل 2018، تحت عنوان “واقع الأمازيغية في الجزائر مكاسب الحاضر ورهانات المستقبل”، الذي يبدو أنه نظم بشكل غير عفوي، إحياء لذكرى الربيع المازيغي من غير أن يذكر، ولكن نتائجه الطبيعية في اعتقادي لم تكن إلا وفق المنطق الوطني الجامع، وليس انتصارا لفئة على حساب فئات عريضة. ومن الثمار الجاهزة والسريعة –في القاعة- قامت فتاة أستاذة بالمعهد العالي للصحافة وسألت: “ماذا نقول لمن لا يريد ان يتعرم هذه اللغة”؟
وقبل الاستماع إلى مداخلات المتدخلين لفت انتباهي عنوان اليوم الدراسي هذا “واقع الأمازيغية في الجزائر مكاسب الحاضر ورهانات المستقبل”، وتساءلت بيني وبين نفسي، هل الكلام سيكون عن مكاسب أمازيغية أم مكاسب جزائرية؟ ذلك أن الكلام عن مكاسب أمازيغية، يعني الكلام عن مكاسب فئة من الجزائريين، ناضلوا ولا يزالون يناضلون من أجل “أمزغة” الجزائر بجميع الوسائل وفي جميع المجالات؛ وهذا ليس همُّ كل الجزائريين في الشكل أو في المضمون أو فيهما معا، وإذا كان الأمر سيأخذ منحى الكلام عن مكاسب للدولة والمجتمع في مجال الارتقاء بالأمازيغية، فما أظن دولة تحترم نفسها، تتكلم عن مكون من مكونات مجتمعها بهذا المنطق وبهذه الصفة؛ لأن العمق الأمازيغي في الفرد الجزائري، ليس غريبا عن الحركة الاجتماعية عامة، ولم يغب عن الضمير الجزائري في يوم من الأيام، وإنما لم يكن الانشغال به، انشغالا عنصريا كما فعل بعض القوميين في الدعوات القومية كلها أو حتى في ضمير بعض الانفصاليين من الجزائريين، ولم تغب كمقوم فعال في الحركة الوطنية وفي الثورة وبعد الاستقلال وقبل الاعتماد الرسمي للغة الأمازيغية وبعدها، وإلى أن تقوم الساعة سوف يبقى جزء من هوية كل من أوجده الله في هذه البقعة بالقوة أو بالفعل، ولكن يبدو أن الحزبية السياسة والطائفية العرقية والشعوبية هي التي تملي على الدولة ورجالها ما ينبغي أن تتبناه.
لقد كانت الكلمة الأولى للمؤسسة الرسمية المكلفة بالملف وهي “المحافظة السامية للأمازيغية”، التي جاءت فيها الإشارة إلى الذكرى الثامنة عشر…، ويقصد ترسيم اللغة، وتنظيم هذا اليوم الدراسي في شهر أفريل ذي العلاقة بالربيع الأمازيغي المؤدلج، مشبعة بالمكاسب الأمازيغية، عددا وعدة، حتى أن السامع يُخَيَّلُ إليه أن الأمر انتهى ولم تبق هناك مشكلة يمكن أن تعوق الملف، وذهب المكلف بالملف يقدم الأرقام والإحصاءات مئاتا وآلافا، ويحصي الولايات المعنية بتعليم اللغة الأمازيغية، ليعلن في النهاية إلى أن 10 ولايات فقط غير معنية بتعلم اللغة الأمازيغية ولم نسمع تعليلا لذلك، هل هذه الولايات رافضة لتعلم الأمازيغية؟ أم هي تعرفها وليست في حاجة إلى تعلمها؟ والولايات المعنية بتعلمها على أي أساس تتعلمها؟ هل تتعلمها كلغة محكية أم لغة مكتوبة: لغة إدارة وكتابة وفن وأدب وعلم؟
أما المحاضرتين الباقيتين فقد كانتا على خلاف “صاحب المحافظة السامية”، بحيث ركز المحاضران على المشكلات التي تعترض الموضوع، منها الثقافي السياسي ومنها التقني الفني.
أما الشق الثقافي السياسي، فإن هناك مشكلة أساسية كما جاء في المحاضرة الثانية، أن هناك لهجتان أساسيتان هما الشاوية والقبائلية، والفارق بين هاتين اللهجتين مسألة جوهرية وهي مسألة التأثر باللغات الأخرى.
أما اللهجة الشاوية كما يقول المحاضر فقد تأثرت باللغة العربية نتيجة وثمرة للفتح الإسلامي؛ لأن الفاتحين القادمين من الشرق يمرون من هناك، بينما القبائلية متأثرة باللغة الفرنسية، بحكم أن الغزو الاستعماري كان منطلقه الشمال. وهذا التوصيف لا يمكن قبوله على إطلاقه، إذ يوجد في الطرف القبائلي من هو أكثر عروبة من بعض العرب، كما يوجد في بعض الشاوية من هم أسوأ حالا من تغريبيي الحركة البربرية، لكن على العموم في المحاضرة من الوجاهة ما يعبر عن عمق الصراع في المسألة الأمازيغية، ويساعد على فهم المسألة أكثر، لا سيما وأن المسألة كانت توصف في تاريخ الحركة الوطنية بـ”الأزمة البربرية”.
وهذه المعضلة لا تزال قائمة كمعوق أساس لما بين التوجهين من اختلاف جوهري في العمق لأيديولوجي، فتأثر اللغة الأمازيغية باللغة العربية يعني الاصطباغ بالعمق الثقافي العربي الذي أصبح وعاء لرسالة سماوية موجهة إلى البشرية جمعاء، بينما تأثرها باللغة الفرنسية عند من يتبنون هذا التوجه، يمسخ هوية الجزائري التي انصهر فيها الدم العربي في الدم الأمازيغي، في إطار إسلامي تجاوز المسألة العرقية إلى المسألة الحضارية الأوسع والأرحب.
أما المحاضرة الثالثة فكانت لمتخصص في اللسانيات، فقد قال ما ملخصه: إن الأمازيغية من اختصاص اللسانيين، وأهل الإختصاص لم يقولوا كلمتهم، فقد تكلم كل الناس في الموضوع إلا أهل الإختصاص، وهنا أيضا نلمس إشكالية أخرى وهي أن نقل اللغة من لغة محكية بلهجاتها المتعددة والمتنوعة [الشاوية، الميزابية، التارقية، القبائلية، الشلحية، ولكل لهجة من هذه اللهجات مشتقات كثيرة لا تحصى] إلى لغة مكتوبة قابلة للتعلم بقواعدها الموحدة والمضبوطة.
وعندما يقول المختصون، إننا لم نقل كلمتنا في الموضوع، فمعنى ذلك أن هذا الموضوع لا يزال –على الأقل- قيد الدراسة، ويحتاج إلى الكثير من الوقت والبحث والدراسة والجد والإجتهاد، وليس مجرد دسترة الشيء كافية لتحقيقه.
إن الأمازيغية “في تقديري” بالنسبة للجزائري ليست مجرد لغة يتعلمها ومكاسب حققتها الحركة البربرية في نضالها الطويل، وإنما هي قيم أعمق وأدق من مجرد لغة؛ لأنها متعلقة بالهوية الوطنية، والهوية الوطنية تتجاوز العرق واللون واللهجة أو اللهجات. ولو كانت اللغة بمفردها خاوية من روحها وعصب حياتها، كافية لبناء هوية وطنية متكاملة، ما تفرعت عن اللغات لهجات تصل في تعدادها إلى عشرات اللهجات في اللغة الواحدة لا يكاد أهلها يفهمون بعضهم بعضا.
فلا ندري ما مبرر الكلام عن مكاسب، والمسألة لا تزال في المربع الأول، هذا من الناحية التقنية، مثل جمع اللهجات في لغة واحدة، واختيار الحرف الذي تكتب به وفق إستراتيجية وطنية ببعد حضاري عميق.. أما إذا انتقلنا إلى مناقشة الموضوع من الناحية الأيديولوجية، وعلاقتها بالهوية المُقاوِمَة، فإن الموضوع سيعيدنا إلى المربع الأول الذي طرح في الحركة الوطنية، فاعتبر المسألة أزمة وليست حقيقة إلا في شكلها العنصري الإنفصالي، كما كانت الكثير من القوميات المندثرة والباقية بقاء العمالة والتفتيت للمجتمعات والوحدات الثقافية.
هل تنجح الجزائر في افتكاك اللغة الأمازيغية من الأيدي المتاجرة بها، وتطويرها وترقيتها إلى الإطار الوطني الوحدوي الذي يجمع ولا يفرق، وفق أولويات تحررية وتنموية تمتد في أفاق المستقبل، بقدر أرقى وأنضج من الماضي القريب والبعيد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • علا

    الدراسات المستقبلية والإستشرافية لواقع اللغات لخمسين السنة القادمة تقول ان هناك العديد من اللغات ستنتهى حتميا لانها غير صالحة للتدوال ومنها اللغة الفرنسية ماهى مكانة اللهجة الأمازيغية ل50سنة القادمة اعتقد انها لن تكون موجودة ..والإهنمام بها هو مضيعة للوقت والقدرات المالية كذالك ....

  • كمال

    أي لغة هذه تصنع ونحن في القرن الواحد والعشرون، واذا كان واجب عليا ان ادرس لهجة فلهجتي المحلية أولى بذلك

  • hamid

    les ARABES DU GOLF ET DU MOYEN ORIENT ET DE L'AFRIQUE DU NORD SONT ILS CONCERNÉS PAR LE SUJETS?
    JE PENSE QUE LES ARABES DE TUNISIE EI MAROC ET ALGERIE N'ONT RIEN A DIRE SUR LA LANGUE DU amazighS
    les problemes des arabes tel NAIMA SALHI et SALIM SALHI *el magharibya* c'est le yemen la syrie et....

  • عابر عبد القادر

    كما نرى ان نفس الكلمة "فْقاغْ" في بوغني سوف تُنْطقُ بِنُطق مُخْتلف " في قرية أخرى على بعد بضع كبلومترات في قرية "مْعتقة " و "دراع بالخدة "، و يصبح نطقها "فْقَعغْ".
    نرى ان نفس الكلمة تحمل دلالة متعدّدة و تصريف /morphology مُختلف من منطقة لأخرى.
    فما هي خُطة صُنّاع اللغة "المازغية"في تصميم قواعد نحوية و صرفية و مفردات لهذه اللغة الجديدة ، و لماذا استخفوا و كذبوا على شعبٍ كاملٍ و أوهموننا بالترويج الاعلامي الكاذب أن هذه اللغة المُقَرّرة في المدارس موجودة و مُتجانسة و انه لا يوجد هذا الاختلاف و التعدد في الدلالات و النحو و التصريف بين مدينة و أخرى و حتى بين قريةٍ و أخرى مُتجاورتين؟

  • عابر عبد القادر

    السلام عليكم
    أمثلة تؤكد أن اللغة "المازغية"ليست موجودة و ليست مفهومة من طرف الجميع و نطرح على هؤلاء المهندسين السؤال التالي : كيف سيصنعونها بهذا التنوع و التعدد الدلالي و النحوي و التصريفي بين قريةٍ و أخرى، و هل سيكون الحلّ الوحيد هو في اختيار لهجة واحدة "الزواوية" و فرضها على أبنائنا في المدارس مثلما هو مُطبّق اليوم"؟

  • TABTAB

    في اليوم الدراسي الذي نظمه مجلس الأمة يوم 11 أفريل 2018، تحت عنوان “واقع الأمازيغية في الجزائر مكاسب الحاضر ورهانات المستقبل”، الذي يبدو أنه نظم بشكل غير عفوي، إحياء لذكرى الربيع المازيغي من غير أن يذكر ... وأين المشكل إن نظم إحياءا للربيع الأمازيغي ? و ما الفرق أن ينظم في 11 أفريل او مثلا في 20 جوان .... ? ولماذ يقلقك ? وما الفرق إن ذكر أو لم يذكر ? أم كالعادة ولأنكم لم تهظموا بعد عودة الأمازيغية لأبنائها ولأرضها فأصبحتم تتحيلون الفرص لعرقلة تقدمها ولو كان بطيئا و لتشويهها وتشويه مناظليها فتصفونهم أحيانا بأنهم يتاجرون بها وأحيانا بالإنفصاليين ... لكن هيهات الأيام سوف تفاجئكم لا محال

  • جزائر العجائب

    تتسائل يا سي التهامي : هل تنجح الجزائر في افتكاك اللغة الأمازيغية من الأيدي المتاجرة بها... وأنا أتسائل كيف تصف من يطالب بهويته ولغته وتاريخه وخاصة في أرضه وفي وطنه ... بالتاجر بهذه القضية ثم لولا هؤلاء الذين تصفهم أنت والكثيرين بتجار هذه اللغة وهذه الهوية ولولا تضحياتهم لما تحقق ما تحقق على الأقل بل لو إنتظرت هذه اللغة أمثالك لما عادت للوجود ولما دخلت المدرسة ولما دخلت الدستور كلغة وطنية ورسمية وبإختصار لما خرجت من نفق النسيان

  • طالب

    بعد كلام اول الذي اردت فيه تبين ان اغلب الذين ينشرون هذه لغة اولهجة او لسان سموها كما شئتم ماهم الا اجندة اوكتلة كبيرة من جهال الذين لايجيدون سوى نسخ لصق دون تأكد مما ينسخ وهذا صنف غالب تجدهم مشبعين بعنصرية هائلة تلقوها بشكل مباشر او غير مباشر ناهيك عن فهمهم سطحي للكلام وتحريفهم كما يفعلون مع قران والسنة مستغلين واقع جهل الذي يسود ملسمين وصفهم الوحيد الذي وجدته ينطبق عليهم هو اعراب طبعا سيبدأون بتحريف هذه كلمة التي تنطبق عليهم واقعيا اجتماعيا وتاريخيا وان كان اعراب في قديم مليئين بالحكمة اريد فقط وضع نضرتي على ما تمنيت ان تكون عليه هذه لهجات البربرية ولن اقول مازيغ لانه ليسوا جميعامن اب واحد