-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأميرة مايا!

الأميرة مايا!
الشروق أونلاين

نشعر بالفخر أحيانا عندما نقول إن الجزائر هي البلد العربي الوحيد، الذي لم يكن في تاريخه الحديث على الأقل، مملكة أو إمارة أو سلطنة، حيث الملك أو السلطان في بلاد العرب هو الحاكم بأمر الله، الذي لا يُري شعبه إلا ما يرى، حتى ولو دخل الجحر الصهيوني، فعلى الجميع أن يتبعه ويعزف من ورائه: “سمعا وطاعة يا أمير المؤمنين”. ونشعر في ذات الوقت بالأسى والخيبة، عندما نرى بأن ما حدث ويحدث عند السلاطين والأباطرة في بلاد العالم عبر الأزمنة والأمكنة، حدث عندنا، وربَّما بطريقة أكثر بشاعةً وهولاً.

لقد حكم الجزائرَ على مدار قرابة عقد من الزمن، شقيقُ الرئيس السابق، من وراء ستار، وأحيانا من أمامه، فكان يمنح المناصب العليا لمن يشاء، بل ويوزع المال على من يشاء، والحديث عن المال هنا يعني ملايير الدولارت، حتى قسّم البلاد إلى جزأين على طريقة إمبراطورية “بوكاسا” في إفريقيا الوسطى، الذي كان يضع على رأسه تاجا مرصَّعا بخمسة ملايين دولار من الذهب الخالص، إذ كان بوكاسا يعيش رفقة شلة من حاشيته ونسائه يتقاسمون الثروة من ألماس وزمرد وحتى بشر، في حين يتعاطى الشعبُ اليأس والفقر والمرض ملفوفا مثل الحشيش.

إلى هنا تشابهت الإمبراطوريات في عائلات، تسيِّر شؤون البلاد وتسير بها إلى الهاوية، لكن أن تملك جزءا من أوامر البلاد وثرواتها امرأةٌ مجهولة لا يكاد يعرف اسمها ولا مهنتها أحدٌ، زعمت بأنها قريبة الرئيس، وراحت تأمر والجميع يطيع من والي ولاية صار بعد ذلك وزيرا، منحها حديقة بعشرات الهكتارات، ووزراء يساعدونها في امتلاك عشر فيلات وشقق يقارب سعرها المائة مليار سنتيم في قلب العاصمة الجزائرية، ويُمكّنها المسؤولُ الأول في الأمن وحاشيته ورجالاتٌ من الجمارك والبنوك والديبلوماسية من عقاراتٍ في إسبانيا يفوق سعرها المليون ونصف مليون دولار، فذاك يعني أنّ الحديث عن بعض المتورطين في مملكة الفساد التي عاثت نهبا وظلما في البلاد، ظلمٌ صريح لكلمة “بعض” التي تعني في اللغة العربية جزءا أو طائفة من أو شيئا من قليل.

في قصص كبار المحتالين والظالمين في التاريخ، يجد كُتَّاب الرواية ضيقا في الزمن، لأن عمر الاحتيال أو الظلم في العادة لا يزيد عن بضعة شهور أو سنوات، لكن في قضية الأميرة مايا، أو زليخة كما اكتشف “غلمانُها” اسمها الحقيقي خلال محاكمتها، باشرت قيادة “القطيع” منذ سنة 2004 من دون أن تجد من يسألها عن هويتها أو يناقش أوامرها، ولا نقول يرفضها.

هناك من يتصوّر بأن سقوط مايا هو سقوط للإمبراطورية، لكن في قصص الجزائر العميقة الكثير من “المايات” اللواتي عبثن تحت نزوات المسؤولين المحليين، بالمواطنين وبالمال العام، فجررن البلاد إلى حيث ما هي عليه الآن، تتحسَّس الطريق، فلا تجد غير السَّراب.

جاء في القرآن الكريم على لسان ملكة سبأ بأن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وفي قضية المملكة المخفية التي سيّرت الجزائر، فإنهم أضافوا إلى هذه الصفات، الارتقاء بأذلة القوم إلى رتبة السيادة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • علي عبد الله الجزائري

    الدول اليوم تسير وتدار بدون الحاجة لتنصيب ملوك ورؤوساء
    واحيانا يكونوا مجرد واجهات لشعوب تلك الدول اعلاميا

    وما تتحدث عنه يدخل تحت مسمى الخيانة العظمى للامة الجزائرية
    وعقابه الاعدام لكل من تورطوا في هذه المرحلة
    والتي ادت للخراب ونشر الفساد بكل المؤسسات والادارات الجزائرية

  • خليفة

    لك الله يا جزائر ،اننا نكتشف من خلال هذه المحاكمات ،ان العصابة لم تكتفي بالفساد و نهب المال العام ،بل اوجدت شخصيات مصطنعة لتنهب هي كذلك هذا المال باسم رؤوس العصابة ،مايا هذه المرأة الغريبة الاطوار و التي نهبت ما نهبت من اموال و عقارات ،و تحت حماية موسسات و رجالات النظام ،و ما خفي كان اعظم ،فنسال الله ان يكشف الحق و يعري المجرمين الذين عاثوا في البلاد فسادا،و يجب ان تكون هناك صرامة في عقوبة هؤلاء و مصادرة كل الاملاك التي جمعوها بالحرام ،و ان يرجعوا كل الاموال التي نهبوها سواء في الداخل او في الخارج ليعاد استثمارها في المشاريع التي تخدم البلاد و العباد.

  • benchikh

    فعلا ملوك من فجر الاستقلال ,فكان ومازال رئيس الملوك الامر والناهي في مركزية المملكة(الدولة الشعبية) في نظامنا الحالي لا احد له حق الاعتراض في القررات المتخذة من قبل "الرئيس" .سوى عندما يمس مصالح الملوك فيكون مصيره مجهول .وهذه الظاهرة التي اوجدتها الشيوعية(الشمولية) كمثال الحزب الحاكم الروسي الصيني وكوريا الشمالية ولا استبعد الراسمالية لكن بوتيرة اقل