-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأمير عبد القادر الجزائري وبناء الدولة

الأمير عبد القادر الجزائري وبناء الدولة

ظهرت عبقرية الأمير عبد القادر الجزائري في بناء الدولة في عدة تجليات، منها العسكرية والسياسية، وعلى صعيد الصناعة والتجارة وبناء مؤسسات القضاء والتعليم والمؤسسات السيادية الأخرى، وفيما يلي استعراض لأهم تجليات بناء الدولة عند الأمير عبد القادر.

أ ـ تأسيس الجيش النظامي:

بعد معارك طاحنة خاضها الأمير ضد الجيوش النظامية الفرنسية، أدرك ضرورة خلق جيش نظامي قوي، فاتجه إلى إنشاء جيش نظامي واهتم بتدريبه على أحدث الفنون العسكرية، وزوده بالأسلحة المتقدمة، وقد قسم هذا الجيش إلى ثلاث فرق:
أولاً: فرقة المشاة، ولَّى على قيادتها من مشاهير الأبطال قدور بن بحر.
ثانياً: فرقة من الخيّالة، ولَّى على قيادتها عبد القادر بن عز الدين.
ثالثاً: فرقة من المدفعية، ولَّى على قيادتها محمد السنوسي.

ب ـ الحكومة المركزية:

كان الأمير يرى أن تنظيم الجبهة الداخلية وتوطيدها هما الأساس الأول الذي ينبغي أن تقوم عليه حرب التحرير، وكان هدفه قبول التفاوض والتساهل مع العدو، وكسب الوقت لاستكمال أسباب هذا التنظيم.
لقد شرع الأمير عبد القادر في تكوين جيش وطني، وفي إنشاء المؤسسات، وفي وضع قوانين جديدة مستمدة من الشريعة الإسلامية، وصك عملة باسمه، واستطاع تأسيس دولة ذات طابع جزائري خاص، على قاعدة شعبية، وحدد الأهداف التي يرمي إلى تحقيقها من خلال تنظيم المقاومة الجزائرية والتي من أهمها:
ـ نشر الأمن وتأديب الخونة العصاة.
ـ توحيد القبائل حول مبدأ الجهاد.
ـ مقاومة الفرنسيين بكل الوسائل.
ـ دفع الفرنسيين إلى الاعتراف بالجزائر، كدولة وبعبد القادر أميراً للبلاد.

ج ـ تقسيم البلاد إلى ثماني ولايات:

قام التنظيم الإداري لدولة عبد القادر على أسس فدرالية، يتمثل في وجود (8) مقاطعات إدارية، يرأس كل مقاطعة خليفة للأمير، ويتواجد هؤلاء الخلفاء في:
ـ تلمسان، محمد البو حميدي الولهاصي.
ـ معسكر، محمد بن فريحة المهاجي، ثم مصطفى بن أحمد التهامي.
ـ مليانة، محيي الدين بن علال القليعي ثم محمد بن علال.
ـ التيطري، مصطفى بن محيي الدين ثم محمد البركاني.
ـ مجانة، محمد بن عبد السلام المقراني، ثم محمد الخروبي.
ـ بسكرة، فرحات بن سعيد ثم الحسين بن عزوز.
ـ برج حمزة، أحمد بن سالم الدبنيسي.
ـ المنطقة الغربية من الصحراء، قدور بن عبد الباقي.

د ـ معايير تعيين موظفي الدولة ومناصبهم:

كان يتم اختيار موظفي الدولة من أبناء الشعب الجزائري وزعماء القبائل، والأعيان، والعلماء، وأصحاب المكانة المرموقة من ذوي الكفاءات والقدرات والملكات الإدارية والقيادية. كان كل موظف في الدولة ابتداءً من أسمى موظف وهو الخليفة إلى أبسط الشيوخ، يملك في نطاقه كامل السلطة الإدارية والعسكرية والمالية على قمة السلم، كان الخليفة بتفويض من الأمير الذي كان يمثله يملك السلطة المطلقة في ولايته التي يقود جيشها في وقت الحرب ويتحكم في آغاتها وقيادتها وشيوخها، وكان يحكم في القضايا التي تتعلق بالدولة وقضايا الاستئناف ضد أحكام وقرارات الآغات، وقد كانت تتجمع عنده الضرائب التي يرفعها الآغات والقيادة والشيوخ. ومدة خدمته غير محددة؛ لأنه كان يختار لكفاءته وإخلاصه وقد تبين أنهم جميعاً أهل لثقة الأمير، فلم يخن أي منهم هذه الثقة على الرغم من محاولات العدو رشوتهم.

هـ ـ السلطة القضائية:

كانت السلطة القضائية في دولة الأمير عبد القادر منفصلة عن السلطة التنفيذية، بقدر ما كان من يمارسها منفذاً للقانون، وليس ممثلاً للأمير، مع أن هذا الأخير هو الذي يعينه، وقد كانت صلاحيته واسعة، تشمل نظام الأحوال الشخصية والميراثية، والشؤون العقارية، وكان أيضاً يصادق على العقود المحررة من طرف الكاتب الشرعي أو الموثق الذي كان يزاول وظائفه في مقر القضاء، كما كانت صلاحية القاضي تمتد حتى إلى القضايا الجنائية.
كان القاضي بطبيعة منصبه شخصية مهمة، وكان يتم اختياره لثقافته وخصاله الفاضلة، وكان يعين إما من بين العلماء المشهورين، أو عند تعذر ذلك فبامتحان.

و ـ مجلس الشورى:

اتخذ الأمير في كل مقاطعة داراً للشورى لبحث الأمور الهامة في الدولة، وجعل انتخاب أعضاء هذه المجالس «مجالس الشورى» من قبل النّواب الذين كانوا يُدعون بالخلفاء، وربط هذه المجالس بالمجلس الأعلى للبلاد، المؤلف من أحد عشر عالماً، وبمجالس الاستئناف.
كان مجلس الشورى الأعلى في الدولة الفتية ينعقد والأمير في وسطه، وكان يتفحص الطعون في قرارات القضاة، ويشكل هذا المجلس علماء أجلاء، كانوا يتمادون في التدقيق عندما تعارضهم مشاكل عويصة، إلى أن يطلبوا باسم الأمير رأي العلماء المعروفين بتعمقهم في علوم الشريعة، في الغالب كانوا يستشيرون علماء جامعة القرويين بفاس، كذلك كان يستشار علماء الأزهر في بعض الأحيان.

ز ـ الاقتصاد والمالية العامة:

لقد أنشأ الأمير نظاماً اقتصادياً تشرف عليه الدولة، الهدف منه جعل اقتصاد البلاد في خدمة الغايات القتالية بصورة خاصة، ومصلحة الفقراء والشعب بصورة عامة، فكان الجباة يخرجون مرتين في السنة لجباية الزكاة والأعشار بعد أن يُقْسِموا على القرآن الكريم بألا يظلموا أحداً وألا يعتدوا على أحد.
كانت إيرادات الدولة الفتية تستعمل في نفقات الإدارة والجيش على الأغلب، ويجدر التوضيح هاهنا بأن كل الرواتب والمعاشات كانت تدفع نقداً وعيناً بالسلع الغذائية على وجه الخصوص وأنها كانت تتم بانتظام.
لقد بقيت عملة الأمير متداولة حتى بعد استسلامه، واستمرت كذلك إلى أن أخذت السلطة الاحتلالية سنة (1849م) إجراءات خاصة لسحبها من التداول.

ح ـ التجارة:

كانت التجارة مزدهرة بفضل الأمن الذي كان مستتباً تماماً في كل الأقاليم الواقعة تحت سلطة الأمير، وكان الأمير صارماً فيما يخص قضية أمن الطرق والأسواق، وكانت العقوبات قاسية بالنسبة لمن كانوا يعترضون القوافل المحملة بالبضائع.

ط ـ المخابرات:

لقد كان له مصلحة أخبار حقيقية، ويرجع الفضل في ذلك إلى مبعوثَيه؛ اللذين كانا مركزاً كبيراً للمبادلات، وكانا له بمثابة قاعدة للإمداد، ليس لتوريد الأسلحة والذخيرة فقط، بل وكذلك لنشر وجمع الأخبار، وكان يتابع ما يصدر من جرائد أوروبية، ويكلف من يقوم بترجمتها، وحسب ميلود بن عراش سفيره فوق العادة في باريس، فإن الأمير كان له ابتداء من (1838م) عميل يتجسس لصالحه، وهو جنرال فرنسي متقاعد يقيم في باريس، حيث كان يتمتع بنفوذ كبير وكان يخبره بكل ما قد يهمه.
وكان هذا الجهاز المرتبط بالأمير يتابع تحركات الفرنسيين وعملائهم داخل القطر الجزائري بحرفية عالية.

ي ـ الثقافة:

قبل الاحتلال الفرنسي كان التعليم ينشر عن طريق الزوايا، وكان كل من العلماء والفقهاء ومثلهم الطلبة أو المدرسون هؤلاء وأولئك يجودون بعلومهم ومعارفهم كل منهم في القبيلة الخاصة به، وقد كان تعليم المواطنين من بين انشغالات الأمير منذ توليته، وهذا ليس بغريب من قبل زعيم يعترف بقيمة العلم والمعرفة والثقافة.
وهكذا فقد كانت جهوده التوحيدية تتماشى بالتوازي مع إقامة نظام تربوي عام، وقد أقيمت في الأرياف مثلها مثل المدن المدارس، حيث لم يكن التلاميذ يدرسون القرآن فقط، وإنما القراءة والكتابة والحساب، وكان هذا التعليم مجانياً، مثلما كان التعليم ذا المستوى الأعلى الملقن في الزوايا والمساجد..

ك ـ الصناعة:

لم يكن بحث الأمير وتخزينه للمعادن الخالصة ضرورياً فقط لصنع عملته، بل كذلك من أجل تكوين صناعة قادرة على جعله مستقلاً عن الخارج، وقد استطاع في سنة (1839م) أن يجمع بين ألفي قنطار من الحديد ومئتين من النحاس، وقد تمخضت أبحاثه عن اكتشاف منجم للكبريت قام مباشرة باستغلاله، ومنجم آخر للرصاص، وقد جعل من مدنه قواعد صناعية بإنشاء مصانع ومخازن للبارود في معسكر، مليانة، المدية، وتاكدمت، ومعامل للسلاح في مليانة بفضل استخراج الحديد الخام من جبل زكار المطل على المدينة، كما أنه قد أنشأ مسابك المدافع في تلمسان، ولم تكن هذه المراكز مخصصة لصنع الأسلحة فقط، كذلك كانت تصنع الملابس للعسكريين والمدنيين على حد سواء.
كان الأمير دائم الانشغال والتفكير بعدم الارتباط والتبعية للخارج، ونظراً لمحدودية إمكانياته وموارده فقد كان يعوضها بالشراء من المغرب، عن طريق المكلف بأعماله في فاس، ومن وهران ومن مدينة الجزائر لكميات كبيرة من الحديد والصلب وصفائح الفولاذ والأقمشة والجوخ المخصصة بالدرجة الأولى لتجهيز جيشه، لقد كانت جبارة تلك الجهود التي قام بها الأمير بغية تعزيز البلاد بصناعة تمكنه على قدر المستطاع من تجهيز بلاده حتى يتحرر من التبعية للخارج.

ل ـ إنشاء المشافي:

اجتهد الأمير عبد القادر في تطوير دولته وأحدث أموراً كثيرة، ومن أهمها إنشاء المشافي العامة والخاصة، فكان في كل مقاطعة عدة مستوصفات ومشافٍ خاصة بالمقاتلين، تصحبهم في كل موقعة ومعركة، وعيّن لكل مشفى أربعة أطباء أكفاء يرأسهم طبيب مشهور.

المراجع:

1- كفاح الشعب الجزائري، الجزء الأول، د. علي محمد الصلابي.
فارس الجزائر ، العماد مصطفى طلاس.
2- الأمير عبد القادر ، بديعة الحسني.
3- فكر الأمير عبد القادر ، بديعة الحسني.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • التاريخ يتحدث

    فكرة تأسيس الامير عبد القادر للدولة الجزائرية الحديثة هي فكرة فرنسية وقع الكثير من الجزائريين في فخها ويرددونها بكل سذاجة ، كانت فرنسا الاستعمارية تقول للعالم أنها وجدت الجزائر بدون دولة ولا حضارة و نحن (أي فرنسا) من قام بصنع الدولة الجزائرية الحالية .
    و هو ما دفع بأحد علماء الجزائر مبارك بن محمد الميلي الى كتابة كتاب تاريخ الجزائر القديم والحديث للرد على دعاية فرنسا التي تقول ان الجزائر لم تكن دولة قبل غزونا لها , فقام مبارك الميلي بسرد تاريخ الدولة النوميدية الأمازيغية التي أسسها جدنا تمقاد أمقران الملك ماسينيسا و قال أنها كانت دولة بكل المقايس لها جيش و مدن محصنة و ديبلوماسية قوية

  • محمدية الأمير المحمدي

    5 - ولولا إتخاذ قرار تفاوضيه مع فرنسا
    لربما إنقرضت السلالة الجزائرية وما كان جيل نوفبر
    البذرة المحمدية التي زرعها الأمير المحمدي محرر الجزائر
    من براثين الإستعمار الإستدماري،
    وهذا الذي أرغمالأمير القائد على التفاوض مع فرنسا ،
    وأتفقا معها بترك السلاح على شرط
    تركه الذهاب إلى المشرق حرا طليقا،
    فوافقت فرنسا ولكنها غدرت به،
    ولم تف فرنسا بوعدها إلآ بعد خمسة سنوات
    من الأسر في قصر أمبوز ،
    رغم ذلك كانت له الفرصة على التعرف في
    هذه المدة للأسر على خبايا الغرب وحضارته.
    فربى ضارة هي نافعة من جوانب أخرى،
    رحم الله الأمير وكل شهذاء الجزائر للأزمنة كلها.

  • محمدية الأمير المحمدي

    4 - فالأمير لم يستسلم قط (كما أشار إليه صاحب المقال)،
    ولكن بعدما رأى أنه في معركة خاسرة مسبقا في كل شئ
    لضروف صعبة جدا، منها قطع المؤونة والمدد من
    المغرب الشقيق الأقصى من طرف سلطان المغرب
    ومنعه وجنوده اللجوء إلى أراضي المغربية عند الحاجة ،
    وهذا بضغط من فرنسا على سلطان المغرب،
    وكذلك خروج وتمرد بعض القبائل الجزائرية
    وإلتحاقهم بفرنسا،
    ولتفادي خسائر مادية للأهالي ومعيشتهم الصعبة،
    ولتفادي تبديد جيشه بدون جدوى
    وتفادي إزهاق أرواح الأبرياء للكبار والصغار،
    وتفادي إنقراض السلالة الجزائرية من طرف
    العسكر الفرنسي الذي لا شفقة له ولا رحمة
    على الضعفاء عند حملهم السلاح ضده،

  • محمدية الأمير المحمدي

    3- فنعم الرجل ،و نعم الأمير كنت للجزائر،
    يامن أسست دولة (في آخير الزمان)
    على نمط وسيرة الخلفاء الرشديين اامهديين،
    فحكمت بالقرآن حقيقة لا زورا،
    وأحييت سنة النبيي في رجال الولة والحكام.

  • محمدية الأمير المحمدي

    2 - فرجل دولة تطلق حقيقة على الأمير
    وعلى أمثاله إن وجدوا، وليس على من هب
    ودب كما نسمعه اليوم، في وسائل الإعلام،
    فالأمير مدرسة متعددة الجوانب :
    - مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة تامة
    - مؤسيس جيش نظامي حديث مستقل مصنع سلاحه.
    مؤسس إقتصاد دولة ناجح.
    ومنظم للتجارة البلذ على أسس متينة.
    مؤسس لمنظومة تعليمية تربوية وطنية.
    كما قال الشاعر : هل يستوي قيام الدجى بالراقد .
    وكان إهتمامه كبير بالثقافة والتثقيف للأمة،
    والصحة بمعتاها الحديث للمجتمع
    تطوير والصناعة بإمكانية ضئلة.

  • محمدية الأمير المحمدي

    فرحم الله الأمير عبد القادر الجزائري الهاشمي،
    المحمدي، العمري،وأسكنه جنة الفردوس
    الأعلى مع النبيي المصطفى والنبيين،والصدقين،
    والشهداء ، وحسن أولئك رفق.--آمين يا رب العالمين

  • عبد النور

    هذه هي الدولة الجزائرية الحديثة، لكن هناك من يحاول إفهامنا أن جبهة التحرير هي فقط من حررت الجزائر وأننا حاليا لابد أن نستند على مايراه أولئك، تم إغفال تاريخ طويل عريض من المقاومات ومن الأصالة والتنظيم وطرق إدارة المجتمع لصالح فترة 54-62 فقط، وتم إغفال شهداء كل تلك الفترة ولايحوز أي حفيد شهيد على أي حقوق إن كان إستشهد قبل 54، حتى في الحساب يقال مليون ونصف فقط ويغفل حوالي مليونين آخرين ببساطة وبكل وقاحة في كل المقررات الدراسية والتاريخ وتصريحات المسؤولين والإعلام.
    نظام الأمير عبد القادر أكثر جزائرية وأكثر عدلا وحكمة من طريقة الحكم والنظام بعد الإستقلال الذي إعتمد النموذج الفرنسي في كل شيء.