-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإسلام الجديد في فكر توفيق حميد

محمد بوالروايح
  • 5759
  • 9
الإسلام الجديد في فكر توفيق حميد

من المفارقات أن لفيفا من المفكرين الذين يحاربون ما يسمونه “التطرف الديني” يسقطون فيه بقضِّهم وقضيضهم، وتوفيق حميد واحد من هؤلاء، فبعد تجربة “جهادية” في صفوف “الجماعة الإسلامية في مصر” حملت فيه هذه الأخيرة شعارات راديكالية أفضت إلى فتنة مُضلة، هجر توفيق حميد معاقل الجهاديين وانضم إلى جماعة العقلانيين، لكن ليته كان عقلانيا فاستفاد من هذه النقلة من عالم التكفير إلى عالم التفكير، إنه لم يكن كذلك وانتقل من التطرف الديني إلى التطرف الفكري.
لقد تبنى توفيق حميد فكرة “الإسلام الجديد” ولكنه لم يُرد أن يفصح عنها حفاظا على رصيد الثقة الذي يحظى به لدى بعض المسلمين الذين استطاع أن يستخفهم بأسلوبه التمويهي التضليلي من خلال الدعوة إلى “تجديد الإسلام” التي ليست في الحقيقة إلا غطاء لفكرة خطيرة يتقاسمها مع كثير من المفكرين من شاكلته وهي الدعوة إلى “إسلام جديد” يحاولون تأسيسه على أفكار هجينة مأخوذة من اليهودية والمسيحية وبعض الفلسفات العقلية.
بعد أن هجر توفيق حميد “الجماعة الإسلامية” في مصر أصدر كتابا عنوانه: “داخل الجهاد” يتحدث فيه عن خلايا وخبايا التنظيمات الجهادية وكيف تعمل من الداخل والسُّبل الكفيلة بمواجهتها وهزيمتها، وهو الكتاب الذي جلب له كثيرا من التبجيل لدى المعسكر الغربي وضمِن له مكانة في المؤسسات البحثية والاستخباراتية التي يتعاون معها. يدَّعي توفيق حميد أن تجربته الجهادية وتعمُّقه في دراسة الظاهرة الإسلاماوية قد ساعده على اكتشاف بعض الفراغات في المنظومة الإسلامية وبخاصة في جانبها الإنساني وأنه قد اهتدى إلى إصلاحها بما أمكنه الوقوف عليه من التجارب الدينية الناجحة وفي مقدمتها ما توفره التجربة اليهودية والمسيحية، إنه يفسر الإسلام برؤية يهودية ومسبحية فيما يسميه النقاد “مسحنة الإسلام أو تهويد الإسلام” وهو مشروعٌ قديم بدأ مع التيارات المسيحية والتهويدية الأولى.
إن الخطأ الشنيع الذي وقع فيه توفيق حميد في كتابه “داخل الجهاد” هو الخلط بين الإسلام من حيث هو شريعة ربانية وبين الممارسات الإسلامية من خلال ما يفعله بعض المسلمين وتوقعه بعض الجماعات الإسلامية باسم الإسلام مما يدمر الإنسان ويدمر خصائصه الإنسانية، إن خطأ توفيق حميد يشبه خطأ رشيد حمامي الذي كتب كتابا بعنوان “داعش والإسلام” والذي انطلق فيه من مقدمات ومقاربات خاطئة من خلال عدم التفريق بين الإسلام الذي يدعو إلى بناء المجتمع الإنساني على أسس التعايش المشترك وبين “داعش” التي يهدم سلوكها ومسلكها أسس هذا التعايش ويشجع على العودة إلى فكرة الحرب الدينية.
يدعي توفيق حميد أنه قد نجح في “أنسنة الإسلام” بتطعيمه ببعض التجارب الإنسانية التي تشجِّع على التعايش الإنساني المشترك، ونسي أو تناسى أن رصيد الإسلام من القيم الإنسانية أكبر من أن ينكره الناكرون أو يجحده الجاحدون. إن الإسلام الذي عرفناه في كتابات الباحثين المسلمين والباحثين الغربيين المنصفين هو الإسلام الذي تحمل نصوصه الكثيرة دعوة صريحة إلى التعايش بين الشعوب والحضارات ونبذ الحروب والنزاعات، وهو الإسلام السلمي الإنساني الذي لا يحتاج إلى جرعة سلمية وإنسانية لا من توفيق حميد ولا من غيره، وهو الإسلام الذي لم يبن تعاليمه على فكرة الحرب المقدسة كما هو الشأن بالنسبة لليهودية والمسيحية، وهو الإسلام الذي لا يذكي الحرب الدينية ويحث أتباعه على الجنوح إلى السلم كلما تهيأت أسبابه “وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله”، وهو الإسلام الذي عرف “مدارس التأسيس” ولم يعرف في تاريخه “محاكم التفتيش”.
ويقدم توفيق حميد فكرة الإسلام الجديد من خلال تخييره المسلمين في مقال له على موقع “الحرة” بعنوان: “تريدون محمدا من القرآن أم محمدا من السنة؟”، حيث يقول: “.. وكما اختلفت المذاهب في الاحتفال بمولد الرسول، اختلف وتباين وصف “محمد” بين القرآن والسنة بحيث يصل فيها التناقض إلى درجة تجعل من الاستحالة تصوُّر أن المصدرين (أي القرآن والسنة) يتكلمان عن الشخصية نفسها، فمحمد “القرآن” قد يدافع عن نفسه ولكنه لا يعتدي على الآخرين: “وَقَاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين”، وأما محمد السنة فيقول “أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله”، ومحمد “القرآن” لا يعرف ماذا سيحدث له أو لغيره يوم القيامة: “وما أدري ما يُفعل بي ولا بكم”، أما محمد السنة فهو يعلم الكثير من الغيب فيبشر أفرادا بعينهم يقينا بدخول الجنة (العشرة المُبشَرون بالجنة!).
إن الشخصية المزدوجة للنبي صلى الله عليه وسلم لا وجود لها إلا في فكر توفيق حميد السقيم وتصوُّره العقيم، وإن تعجب فعجب قوله “إن محمد القرآن ينهى عن العدوان في حين أن محمد السنة يحرض المؤمنين على قتل الآخر”، تصور عجيب قوامه نص يتيم لا يدرك توفيق حميد معانيه ودلالاته وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله”، لا أدري من أين استشف واكتشف توفيق حميد إباحة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث العدوان على الآخر مع أن النص النبوي صريح في الأمر بالقتال وليس في الأمر بالقتل، فلم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقتل الناس” بل قال: ” مرت أن أقاتل الناس” وبين الأمر بالقتل والأمر بالقتال بون شاسع عند البلاغيين لا أظن أن فكر توفيق حميد يرتقي إليها. لا أدري لماذا غفل توفيق حميد عن الكم الهائل من نصوص السنة النبوية التي تحرم العدوان على الآخر ومعاداة المعاهد وحفظ إنسانية الخصم حتى في أحرج المواقف وهي الحرب.
ويستمر توفيق حميد في فصله بين محمد القرآن ومحمد السنة فيقول: “ومحمد القرآن لا يفرق بين رسل الله “لا نفرق بين أحد من رسله”، بل ويتبع هداهم ويقتدي بهم “أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده” أما محمد السنة فهو يقول عن نفسه “أنا سيد ولد آدم ولا فخر”. لا أدري كيف غفل توفيق حميد عن أحاديث كثيرة يتحدث فيها الرسول عن إخوانه من الرسل ويصف نفسه بأنه اللبنة التي تعني بأنه المكمل ولا تحمل أيَّ معنى من معاني التفرقة “إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأكمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • الروض

    إلى الطيب
    هل رأيت كيف بدئت تتفلسف بدون منطق
    سؤالي كان موجه إليك ولكل من يعتبر القرآن كلام الخالق
    ولم يكن سؤالي ينتظر جواب
    على كل حال راجع تاريخ البشر لتعرف بأنهم لم يخلقوا فقط ليعبدون
    لهم كل الحرية يفعلون ما يريدون وأكثر ما يفعلونه هو الشر
    وأغلبهم يفعل الخير و الشر بدافع شخصي يخدم مصالحهم الشخصية
    يعني نستنتج بأن الجن والإنس ليسوا من بني جلدتنا
    لأننا لا نعبد الخالق بإرادتنا
    بل نحن خاضعون لقانون الطبيعة التي جعلتنا نخضع أمام أمر الواقع
    وهذا لا يسمى عبادة بل إستعباد

  • الطيب

    إليك آية أخرى : " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين " الخطاب موجه إلينا ...
    السؤال يطرح نفسه كيف يعبد البشر الشيطان !؟ هل هناك مَن يركع و يسجد و يصوم للشيطان حتى يقول لنا الله لا تعبدو الشيطان !؟ أبدًا ليس هذا المقصود في العبادة حتى و إن وُجد اليوم مَن يرسم للشيطان صورة أو يصنع له مجسمًا و يسجد له ! المعنى هنا في الآية الكريمة هو " اتباع الشيطان " .أي تحذير الله لعباده من اتباع الشيطان .نعود إلى مثال شبيه بالأول : يحدث جماع بين شخص و إمرأة ليست زوجته أكيد هذا اللقاء ترفضه الأديان و الأخلاق و القوانين ..هذه اللحظات عبادة لله أم عبادة للشيطان !؟ لك الجواب .

  • الطيب

    إلى " الروض " ..
    فرق كبير بين 1/ " العبادة " المذكورة في الآية الكريمة و التي تعني : اتباع المخلوق لخالقه في كل شيء أي تكون حياته كلها لله لذلك نسبق أمور حياتنا كلها ببسم الله . و بين 2/ " الشعائر التعبدية " التي من مظاهرها الركوع و السجود و الصوم و الطواف و . و ...و واضح جدًا أنه يستحيل أن يظل الإنسان راكعًا ساجدًا بعيدًا عن عمارة الأرض إذا كان مفهوم الآية هو هذا ! ...خذ هذا المثال : يحدث لقاء بين الزوج و زوجته ( الجماع ) و كل منهما يقول بسم الله فهذه اللحظات هي عبادة لله لأنه هو من خلق الذكر و خلق له زوجه و هو الذي أمر بهذا اللقاء فتطبيق أمره هو عبادة لله ..هو اتباع لأمر الله ..

  • الروض

    إلى طيب ١
    ” و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ”
    في رأيك من هم الإنس ؟! و من هم الجن ؟!
    إن كان المقصود بالإنس هم البشر
    فنحن أعلم بأنفسنا وبـ طبيعتتا أننا لم نخلق لنعبد خالقنا فقط
    نحن نفعل أشياء كثيرة
    يكفي أن تراجع ما يفعله البشر طوال الوقت لتجد الواقع ينفي ذلك
    ربما الإنس مخلوق أخر غير البشر كما هو الحال بالنسبة للجن

  • الروض

    إلى طيب ١
    ” و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ”
    في رأيك من هم الإنس ؟! و من هم الجن ؟!
    إن كان المقصود بالإنس هم البشر
    فنحن أعلم بأنفسنا وبـ طبيعتتا أننا لم نخلق لنعبد خالقنا
    يكفي أن تراجع ما يفعله البشر طوال الوقت لتجد الواقع ينفي ذلك
    ربما الإنس مخلوق أخر غير البشر كما هو الحال للجن

  • الطيب ـ 2 ـ

    ينجر عن هذا هذه الحروب الكلامية التي لا تنتهي ! مَن الذي يطفئ هذه الحروب و كيف يطفؤها !؟ الذي يطفؤها هو أن تعيش الأمة المسلمة إسلامها واقعًا مشهودًا يشد الناس إليه شدًا و ليس كتبًا نظرية لا علاقة لها بواقع المسلمين فما بالك بواقع الناس كافة ؟! أما غير هذا فسيبقى الكلام و يزيد أكثر و لا يتوقف ... الواقع المشهود للإسلام وحده الذي يخرص و يدحض و يدحر أعداءه و أعداء الإنسانية و لا حل غير هذا الحل ..

  • الطيب ـ 1 ـ

    ابتداءًا أستاذ محمد الإسلام جاء ليصنع واقعًا متميزًا تنجذب إليه الفطرة السليمة تلقائيًا ...واقعًا أهم خصائصه توجيه الإنسانية إلى خالقها و عبادته حق العبادة في سفريتها القصيرة التي كتبها الله على عباده " و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون "
    هذا الواقع غير موجود بل يوجد تيه عن هذا النهج الرباني و توجد كتب و مجلدات لا حصر لها تتحدث عن الإسلام نظريًا و لكنها ليست هي الإسلام ...فماذا ينجر عن هذا !؟ ....يتبع

  • علي حسن

    هذا الشخص التافه لم يكن في الجماعة الإسلامية صدفة كان عميلا مدسوسا للنظام المصري وفي الوقت نفسه للموساد ودول غربية ثم لنتهت مهمته فدعي لــ(الهجرة) وعموما هو مطلوب لنظامه المصري الذي جنده والجاهل يتحدث عن علم الرسول ص الغيب في السنة وينسى أنه يوحى إليه وأنه ورد في آخر سورة الجن "إلا من ارتضى من رسول ..." الآية

  • جلال

    للأمانة لم اطلع على كل ماكتبه وقاله هذا الشخص ولكن حسب بعض المقتطفات التي نسبها صاحب المقال أعلاه الى هذا (المفكر) تدل على أن قصده لم يكن الإساءة للرسول بل بالعكس الدفاع عنه فيما نسب اليه بقوله“تريدون محمدا من القرآن أم محمدا من السنة؟”إن الدين لا يمارس الا من خلال معتنقيه وهؤلاء المفكرون الجدد يدعون الى تأسيس معرفة وفهم جديد لنصوص الكتاب والحيطة والحذر مما جاء في التراث الفقهي والحديثي والمعرفي القديم بالفحص والتمحيص بأسلوب علمي محايد بدون أفكار مسبقة لأنه في الأخير يبقى جهد بشري خاضع للتحليل والنقد والنقاش بما فيه فكر هؤلاء الدعاة الجدد