-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإصلاح.. الضرورة الملحّة والأولوية العاجلة

الإصلاح.. الضرورة الملحّة والأولوية العاجلة
ح.م

يعدُّ الإصلاح واحدا من أهم الإشكاليات التي انبنت عليها الحضارات والكيانات والدول وألِّفت فيها الكتب والمجلدات، اختلف حوله الكثير وتوافق حوله عديد ممن مارسوه أو حتى الذين كافحوه، تحدثت عنه بشكل كبير ولافت الكتب السماوية والتي حثت الأنبياء والأتباع والمريدين للقيام بهذه العملية المقدسة وهي “الإصلاح”، كما أن القوانين الوضعية تمحورت جميعا حوله، تحدَّث التاريخ عنه في محطات وملاحم عديدة، سقطت حضاراتٌ ودول بسببه وبُنيت أمجادٌ وكيانات أيضا بسببه.

إنه ببساطة الإشكالية الفلسفية والسلوكية والفكرية التي جمعت الناس تارة وفرَّقتهم تارة أخرى، اختلفت المذاهب الدينية في تشريعاته والأطروحات الفلسفية في تفسيراته والأيديولوجيات الفكرية في ممارسته وتطبيقاته.

لم يختلف الناس عبر التاريخ في تعريفه أو أهميته أو في ضرورة القيام به كحراك بشري لا مفر منه، ولكن اختلفوا كثيرا إلى حد الاحتراب والاقتتال عن خلفياته الفكرية ووسائله والأهداف منه الخفي منها والمعلن.

فأما الخلفيات فيمكن حصر الإصلاح بالأساس فيها في الأنواع التالية:

– الإصلاح المبني على الخلفية اللاهوتية والتي أدّعى أصحابُها أن مصدرهم في الإصلاح وتسيير شؤون الحياة هو من الله والتواصل معه بمختلف الصيغ والأشكال، بل وهم نواب الله على الأرض.

– الإصلاح المبني على الخلفية الدينية والذي يمثله في زماننا ما يصطلح على تسميتهم بالإسلاميين، كون الوظيفة الإصلاحية بالإضافة إلى كونها ضرورة اجتماعية، فهي في المقابل تكليفٌ شرعي ربّاني مقدس دلت عليه النصوص الدينية بصيغة الأمر يثاب من يقوم به ويعاقَب تاركُه.

– الإصلاح المبني على الاجتهاد العقلي والذي يعتمد على توجيهات العقل بعيدا عن النصوص المقدسة، وهو ما يصطلح عليه بالتيار العلماني الذي استطاع أن يضع لنفسه كياناتٍ بل ووصل إلى الحكم عبر التاريخ في مرات عديدة وأقام دولا وحضارات كثيرة، لكنه في المقابل خلق تقسيما عميقا في المجتمع وصراعا بين العقل من جهة والنص المقدس من جهة أخرى.

أما عن الاختلاف في وسائل الإصلاح فقد اتخذ هو الآخر أبعادا متعددة واختلافات متباينة عبر التاريخ المعاصر أو القديم، ويمكن حصر أوجهه فيما يلي:

– الإصلاح المتدرِّج: وهو الذي يعتمد على التخطيط الطويل الأمد وطول النفس وعادة ما يكون مسالما، يشترط أصحابه الصبر عليه ولا يستعجلون ثماره، لا يصادم الحقائق الموجودة ولا يلغي الكيانات القائمة، يحترم المنافسين وحتى الخصوم ولا يلغي الآخر، يركز على الإصلاح القاعدي في مجالات التربية والتعليم والثقافة

– الإصلاح الثوري السلمي: وهو ما دون النوع الإصلاحي المشار إليه أعلاه، إذ يختلفان في عنصر الوقت الذي يأخذه كل منهما، يحاول تحريك الركود بالحَراك الشعبي السلمي وهذه ميزته الفارقة عن طريق الإضرابات والاعتصامات وتحريض المتضامنين والأتباع على الخروج للشارع كنوع من أنواع المقاومة الإيجابية، غير أنه حراكٌ يدعو إلى المحافظة على المؤسسات والأوضاع القائمة، يحبِّذ القيام بالفعل لكنه يتجنب في المقابل الصدام والعنف، وهو أكثر أنواع الإصلاح جاذبية للكثير من الحركات الإصلاحية في العالم.

– الإصلاح الثوري العنيف: وهو أشدُّ أنواع الإصلاح عنفا كونه يعتمد على الصدام بكل أنواعه وأشكاله وصولا إلى العنف باستخدام السلاح، يؤمن أصحابُه بالتغيير الشامل دفعة واحدة وليس الجزئي أو المتدرج، قائم على فكرة إلغاء كل ما يمتُّ بصلة إلى النظام الفاسد، تستهوي هذا النوعَ من الإصلاح فكرةُ الانقلابات والحروب الأهلية كونها –في نظرهم- ثمنا وجب دفعه في سبيل الإصلاح، هذا النوع من التغيير هو الآخر كان وما يزال يستهوي الكثير من الحركات الإصلاحية كونه أيسر طريق من حيث عامل الزمن في تحقيق الهدف المرغوب، غير أن تكلفته تكون باهظة في أغلب الأحيان ويصعب ترميمُها فيما بعد.

أما عن الاختلاف في أهداف الإصلاح فهي الأخرى تختلف حسب اختلاف الانتماءات الفكرية والدينية والإيديولوجية، ويمكن حصرها ضمن التصنيفات الآتية:

– هناك من يربط الإصلاح بشخصه من دون مشروعٍ مرافِق لعملية الإصلاح، وهذا النموذج تكرَّر كثيرا في التاريخين القديم والمعاصر، وقد خلق في مجمل هذه التجارب دكتاتورياتٍ بلا هدف نبيل أفسدت أكثر مما أصلحت ودمرت أكثر مما بنت، وفي عالمنا العربي أكثر الشواهد: اغتصاب للسلطة، اقتصادات منهارة، شعوب يائسة ومقهورة، سيادة مستباحة لأن الزعيم أو الملك أو الرئيس أو الأمير ربط عملية الإصلاح بشخصه ووجوده وكيانه وحاشيته ومقربيه.

– هناك من يربط الإصلاح بانتمائه الديني مطبقا بذلك “نظرية الحاكمية” وهي أن الإصلاح وجب أن يهدف إلى تطبيق حكم الله في الأرض عن طريق جماعته والتي ترى أنها على صواب دائما، وهذا النموذج خلق هو الآخر إشكالياتٍ عديدة وصراعات مريرة حول أحقيته في أن يتحدث باسم الدين أو أن ينصِّب نفسه ناطقا باسم أتباع ديانته، وفي المقابل ساهم، من حيث يقصد أو لا يقصد، في بروز حركاتٍ مضادّة مناهضة لهذا التيار تدعو إلى عدم استخدام الدين في الحياة السياسية والاجتماعية، ولا يزال الصراع بين التيارين متفاقما، بل ويأخذ في كل زمن أشكالا قاسية من الصراع والتصفية ومحاولات الإلغاء.

– هناك من يربط عملية الإصلاح بقيم الإنسانية العالمية والتي تعتبر موروثا مشتركا بين كل البشر تفاديا لأي خلاف، وهذا الذي تسعى لتحقيقه قوى الغرب المهيمنة فيما اصطلح عليه بالعولمة.

– هناك من يستورد نماذج جاهزة للإصلاح بانخراطه في أمميات فكرية واقتصادية كالماركسية مثلا أو الشيوعية او الرأسمالية والأممية الإسلامية، محاولا تطبيق مبادئها وقناعاتها على مجتمعه المحلي تطبيقا حرفيا من غير انتقاء أو دراسة، فقط لأنه تأثر هو وأتباعه بهذا النموذج أو ذاك. وعادة ما فشلت هذه التجارب لأنها ليست أصيلة.
.. يُتبع

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!