-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإعلام بين التلميع والمسؤولية

محمد قيراط
  • 3778
  • 0
الإعلام بين التلميع والمسؤولية

تساءل الكثيرون في الأسابيع والشهور الماضية عن دور المثقف والقائم بالاتصال والمؤسسات الإعلامية العربية فيما يجري في العديد من الدول العربية. كيف تناول الإعلام ثورات الشباب ومظاهراتهم ومسيراتهم ومطالبهم. فرغم ما حدث من تغييرات جذرية نلاحظ أن ثقافة التعتيم والتضليل ما زالت سائدة في قاعات التحرير وفي كواليس صناعة الأخبار.

  • ما زال الخطاب الإعلامي العربي في معظمه وفيا للبلاط وللسلطة وللعهد السابق. تلعب المؤسسة الإعلامية دورا محوريا في عملية البناء والتوعية والمساهمة في التغيير والتشييد والتنمية الشاملة وكشف الحقائق والتجاوزات والأمراض الاجتماعية والفساد وتبذير المال العام والأخطاء المختلفة التي تشل العمل الهادف والناجح. من جهة أخرى قد تكون الصحافة أو الإعلام بصفة عامة عالة على المجتمع تنتهج التلميع والتملق و”التطبيل” و”الزغردة” وتقدم للرأي العام وضعا مخالفا تماما للواقع، وهذا النوع من الصحافة هو النوع السلبي الذي لا يغيّر الأمور ولا يساهم في صناعة الأحداث وعادة ما تنكشف أموره عندما تتأزم الأمور بعد فوات الأوان وكم من صحافي تملق ولمع وزخرف وجاءت الأيام لتكشفه وتكشف أكاذيبه.
  • إعلام التلميع والتملق يكون همه الوحيد هو إرضاء المسؤول بكل الطرق والوسائل، وعادة ما يكون الصحافي عبارة عن سكرتير مؤسسة “س” أو الكاتب الأول لوزارة أو دائرة أو جهة معينة. الضمير هنا غائب تماما والرأي العام والقارئ لا يساوي شيء بالنسبة للقائم بالاتصال والصالح العام والضمير المهني والأخلاقي لا وجود لهم على الإطلاق. ويقوم الصحافي في هذه المعادلة بعملية تزييف وتضليل وتشويه منتظمة، مستمرة وبطريقة آلية. مع مرور الزمن تنحصر مهمته في خدمة السلطة. وهكذا يصبح الصحافي والمؤسسة الإعلامية بعيدين كل البعد عن الواقع والشارع وخدمة المجتمع وكشف الحقيقة والمشاركة في صناعة القرارات والأحداث وتغيير الواقع. صحافة التلميع تفرز رأيا عاما مزيفا مضللا يؤمن دائما بالوعود والأوهام والشعارات الجوفاء والمستقبل الزاهر. وقد يدرك الرأي العام من حين لآخر التباين الكبير بين ما يُنشر في الصحف وما تبثه وسائل الإعلام والواقع. وهنا يبدأ التفكك وانهيار المصداقية بين الرأي العام والوسيلة الإعلامية.   
  • هل من رسالة يؤديها الصحافي في المجتمع؟ هل من مبادئ يؤمن بها ويعمل جاهدا على تطبيقها؟ هل من حقيقة يبحث عنها ويتعب من أجلها ويخاطر ليلا نهارا لإيصالها للقارئ الذي يعتبر رأس ماله؟ هل الهدف هو كشف أمراض المجتمع وتناقضاته وتجاوزاته؟ أم الهدف هو التملق والتلميع والتقارير المزخرفة والملونة والتي تهدف إلى إرضاء المسئول ولو بالكذب والتضليل والتزييف والتعتيم؟ هذه التساؤلات تظهر تافهة لا محل لها من الإعراب في قاموس الصحافة المسؤولة والفاعلة وقاموس السلطة الرابعة، لكن في مجتمعاتنا العربية ما زالت تطرح ويجب علينا أن نطرحها باستمرار وبجدية وبحدة لأكثر من سبب. أولهما أن معظم المؤسسات الإعلامية في الوطن العربي ما زالت لم ترق إلى مستوى المؤسسة الإعلامية الاجتماعية المسئولة والمدركة للدور الذي يجب أن تلعبه في المجتمع، وثاني الأسباب يتمثل في الموضة الجديدة التي ظهرت في بعض الفضائيات العربية والتي اختلقت نوع جديد من الإعلام، وهو الإعلام الفلكلوري الفانتازي الذي يعتمد على “الشو بيز” وعلى الإثارة والحماس وكل ما يتناقض مع الآداب والأخلاق وخاصة آداب الجلسة والحوار وأخلاقيات مهنة اسمها الصحافة.
  • عوّدتنا بعض القنوات الفضائية على دعوة أشباه مثقفين بصفة وبدرجة خبراء ومختصين لمناقشة قضايا هامة وحساسة وشائكة. فخبراء بعض القنوات الفضائية معروفون وصاروا محترفي الاستوديوهات يحضرون معهم ملفات وقصاصات جرائد وأصبحوا محترفين ومتعددي المواهب والاختصاصات، فمرة يتكلمون في السياسة ومرة في القانون وأخرى في حقوق الإنسان وتارة في شؤون الوحدة الإفريقية ومرة في شؤون العالم العربي وأخرى في شؤون أمريكا اللاتينية وهلم جرا. لكن المطلوب من الصحافي المحترم الذي يستدعي السيد الخبير أن يقدم للمشاهد الكريم الإنتاج العلمي لهذا العالم أو هذا المناضل، تاريخه النضالي، حياته، سيرته الذاتية، أبحاثه الأكاديمية والكتب الذي كتبها في الموضوع الذي يتكلم فيه، المقالات الصحفية التي كتبها…الخ. لكن لو قام الصحافي بهذا العمل لانكشفت أمور الخبير والمختص المزيف إذ أنه يصبح لا شيء، لأنه نكرة على الساحة السياسية ونكرة في الأوساط العلمية والأكاديمية والصحفية محليا وإقليميا ودوليا. من حق المشاهد الكريم أن يتساءل عن إنتاج وكتابات الخبير! أين هي؟
  • الفانتازية الإعلامية إذن هي الارتجال والتطفل على المهنة وإبراز مشهد إعلامي فولكلوري الهدف منه هو الإثارة و”الشوبيز” أكثر من أي شيء آخر. المهم هو الحماس والإثارة والنرفزة وصراع الديكة. الفانتازية الإعلامية إذن هي تبسيط الأمور وتغليط الرأي العام والتضليل وكل ما يتناقض مع أخلاقيات المهنة الشريفة والعمل النزيه، المهم هنا هو الحماس والصراع وليس التحليل والنقاش البناء واحترام الرأي الآخر والحوار الهادف      والبناء. أيعقل أن يدعى شخص للمشاركة في برنامج بدون أن يعلم من سيكون معه في الاستوديو؟ الصحافي “الفانتازي” هو الذي يطرح الأسئلة بدون الإجابة عنها لأن مهمته هي الإبهار ولفت النظر والإثارة، الصحافي “الفانتازي” لا يحضّر ولا يجمع المعلومات ولا يوّثق عمله، ما يهمه هو جمع نقيضين لا يلتقيان لا في الطرح ولا في الرؤية ولا في أي شيء      وإعطاؤهم الفرصة للشتم والسب أمام الملأ وعلى الهواء. صحافة التلميع والتملق لا تساير ولا تجاري الواقع، وإنما تبحث عن تبرير الواقع وتلميع صورة الحاكم والنظام. فنجدها تسبح في اتجاه والواقع والرأي العام في اتجاه آخر. هل انتهى عهد صحافة التلميع والتملق بانتهاء وانهيار الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية الواحد تلو الآخر؟ هل أصبحت أيامها معدودة؟ أم أنها ما زالت تُعمر مهما حدث وما زال يحدث من ثورات الشباب.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!