-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تمارس في الليل وبكانون

 البوقالة.. من طلاسم سحرية إلى لعبة شعبية

فاروق كداش
  • 2545
  • 0
 البوقالة.. من طلاسم سحرية إلى لعبة شعبية
ح.م

البوقالة، اللعبة التي تجاوزت الحروب والمآسي، وانتقلت بين الأسطح خلسة، لتجلس بين الزرابي، وتملأ المخدات العواتق أملا، وتتبخر مع الجاوي مع أذان الفجر… الشروق العربي، تبحث عن أصل البوقالة وأسرارها، فاعقدوا النية.

يختلف المؤرخون في أصل لعبة البوقالة، بين من يقول إن البوقالة أصلها تركي، ومن يقول إنها تشبه طقوس السحر من جماعات أورثوذوكسية، ومن يرجع نشأتها إلى العهد الفينيقي، انطلاقا من مدينة شرشال.. ولكن، لا أحد يختلف في أن البوقالات كأشعار أصلها جزائري، رغم وجودها في بعض مناطق المغرب وتونس. وقد يكون الطقس مستمدا من طقوس قديمة كلوح الويجا، لكن النية وراء البوقالة بعيدة كل البعد عن الشعوذة والسحر، بل هي أقرب إلى الفأل الحسن المرغوب… أما عدد البوقالات، فليس محددا. وهذا، لأسباب كثيرة، منها اختلاف المناطق واختلاف الروايات وغيرها، وقد يكون يتجاوز 500 بوقالة في حال جمعها كلها.

وقد يتساءل البعض: لماذا البوقالة تقليد نسوي بالدرجة الأولى؟ وللأسف لا إجابة مقنعة، إلا أن النسوة قد يكن استلهمن اللعبة من الموسيقى الأندلسية والشعبي، التي اشتهرت من العاصمة إلى شرشال وتلمسان والبليدة، ومن موسيقى راقية أفضت إلى مجموعة من الأبيات القصيرة بالقافية العامية.

القبيلة تستجوب القتيلة

الطاعنون في البوقالات يستمدون كراهيتهم من كونها في بداياتها كانت تقام في الليل، عند اكتمال القمر، تماما كبعض طقوس السحر، وأن من أدواتها الكانون أو النافخ وحاجيات النسوة، اللواتي يضعن في إناء فخاري به ماء أو ما يعرف بالبوقال الذي استمدت منه اللعبة اسمها… وكذلك ربط طرف ثيابهن، بالإضافة إلى طريقة الاستماع إلى الفأل في العتمة والسكون.

البوقالة في صفتها الأولية، كانت تستعمل فيها سبعة أعشاب يبخر بها المكان كالحنة والجاوي الأبيض والأسود ‪وعشبة المر وعود الند والقصبر واللبان وقطرات من زيت الزيتون.. أما الحطب المستعمل، فكان يقطع من سبعة أبواب مختلفة في المدينة.. ويدعم الكارهون نظريتهم بكون البوقالة نوعا من أنواع استحضار الأرواح والجن، “هبطت لقاع البحر، فرّشت زربية، خرجت لي جنية، قالت لي واش بيك يا بنية؟ قلت لها راحوا حبابي وخلاوني وحدانية”.. ويذهب البعض أبعد من هذا ويسمون البوقالة بالانحراف والخروج عن العرف، “يما يما ديريلي تويقة في وسط الحديقة باش نشوف زهري كي تجيبو ذيك الوريقة”.

يعم السكون ويخيم الظلام ولا يكسر صوت الليل إلا صوت يردد ترانيم طلاسمية: “بخرتك بالجاوي جيبلنا الخبر من القهاوي، بخرتلك بالحنة جيبلنا الخبر من مزغنة، بخرتلك بالزيت جيبلنا الخبر من كل بيت…” وتعقد النسوة أطراف جلابيبهن ويفتحنها بعد الاستماع للفأل..

للبوقالة وجوه أخرى

من جهتهم، المدافعون عن البوقالة يردون هذه الاتهامات ويفندون وجود أوجه تشابه بينها وبين طقوس السحر، والدليل أنها تبدأ بالصلاة على خاتم النبيين وتستعمل أشعارا عامية ممزوجة بلغة عربية فصيحة ومليئة بالحكم والأمثال، مستوحاة في أغلب الأحيان من الموشح والقصيد الأندلسي أو الشعبي ولا تدعو بالنسبة إليهم إلى الكفر والخروج عن الملة، بل تدعو إلى الدعاء والتضرع لله سبحانه وتعالى، “الناس تنده بالرجال والوالي، وانا ننده بربي العالي”.. وفي بوقالة أخرى: “امّنت بالله، والمنام رؤية من عند الله، حمامة بيضة جات ترفرف عليّ، معاها حصان توقّف بين يديّ”.

…أما مواضيع البوقالات، فهي تدور حول الحب العفيف والزواج ولقاء الأحبة التي تشعل النسوة شموعا لعلهم يستهدون بها في طريق عودتهم، “يا قايدين الشموع هاكوا شمعة قيدوها بالاك الغايب يعود والفرحة نعاودوها”.. وتخاطب البوقالة المشاعر والوجدان، وتؤرخ ببساطتها للتاريخ. ولم تخرج البوقالة يوما عن نطاقها الموسوم بالحبكة الزمنية والمكانية.

انوي واعقد وفي مكانك اقعد

بعد مئات السنين ستبقى البوقالات من عهد الأندلس إلى عهود وأجيال قادمة، مادامت الأسطح باقية وما دامت النسوة يبحثن عن نصيبهن، ورغم التكنولوجيا والإنترنت بعثث البوقالة نفسها على الصفحات الزرقاء، وبعد أن كانت النسوة يجتمعن في سطوح الديار، أصبحن يجتمعن في جدار الفايسبوك، ويستمعن الفأل ويمرحن بالتعليق، خاصة أن شهر رمضان جاء هذه السنة في ظروف استثنائية.. وفي الأخير، لا يسعني إلا أن أهديكم بوقالة: “إذا طاح الليل النهار راهو يطلع وإذا كثر النحاس الذهب هو اللي يسطع وسيرتك كي العطر بين الناس، القعدة زينة وكي السلطان متربع”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!