-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التحرير قبل البدء في التغيير

حبيب راشدين
  • 1244
  • 8
التحرير قبل البدء في التغيير
ح.م

ساعات قليلة قبل أن تفتح مكاتب الاقتراع غدا للناخبين، يحقّ لنا أن نستشرف وبكل أريحية توافد أعداد كبيرة من المواطنين ومن المواطنات فيما يشبه الاستفتاء على الخيار الدستوري للحل، أكثر منه لاختيار رئيسٍ البلد بحاجة إليه، وقبل هذا وذاك منح البلد فرصة استكمال التحرير من بقايا الاستعمار القديم ووكلائه، ومن املاءات قوى الاستدمار الجديد، ليكون موعد الغد فرصة لقطع خط العودة أمام العصابة المختطِفة للسلطة والثروة قبل أن تطالها يد العدالة بما صدر أمس من أحكام.

يقينا، وحتى وإن لم نكن نعلم من سيشارك ومن سيتخلف أو يقاطع، لأسبابٍ وقناعات تبقى محترمة، فإننا نعلم علم اليقين الأطراف التي ليس من مصلحتها أن ينجح هذا الاستحقاق، وتراهن على مشاركة ضعيفة أو محتشمة، تضمن لها في الحد الأدنى فرصة القدح في شرعية الرئيس القادم، كما نعرف مَن مِن أبناء هذا البلد، ومَن مِن أصدقائه يحرص كل الحرص على نجاح هذا الاستحقاق بصرف النظر عن من سيختاره الشعب صاحب السلطة التأسيسية.

الفريق الأول كان معلوما للجزائريين منذ الأسابيع الأولى للحَراك، وقد رفع مبكرا شعاراتٍ معادية للخيار الدستوري، وقاوم بضراوة لمغامرة الانتقال بالبلد عبر مرحلة انتقالية بلا ضوابط، وبشخصيات تُسند إليها قيادة البلد باسم الشارع من داخل صالونات المحاصصة، وقد وجَّه بوصلة الحَراك نحو المطالبة بترحيل السلطات الانتقالية في رئاسة الدولة والحكومة، قبل أن يوجِّه نيرانه إلى قيادة الجيش التي يُحسب لها حرصها على الدم والعرض والأمن.

وكيفما كان اختلافُنا مع هذا الفريق، فلا يحقُّ لنا اليوم أو غدا أن نتهمه في وطنيته أو نخوِّنه، ما دام قد التزم بالتعبير السلمي عن رأيه كرأيٍ صائب في نظره يحتمل الخطأ عند غيره، ولا يعتدي بالقوة الغاشمة على رأي الآخر الذي يحتمل الخطأ والصواب، ليكون الفيصل الوحيد المتاح، هو الاحتكام إلى صاحب السلطة التأسيسية، عبر الوسيلة الوحيدة المتاحة في أي نظام ديمقراطي، بتحكيم رأي الناخب.

ما يُؤسف له حقا أن ينتقل هذا الفريق في بحر أسابيع قليلة، من رفع شعارات رنَّانة تدعو كذبا إلى قيام “الدولة المدنية” وتفعيل المادّتين السابعة والثامنة من دستورٍ لا يؤمنون به، إلى الدعوة الصريحة إلى إفشال الاستحقاق بالمغالبة البهيمية الصرفة، التي رأينا بعض نماذجها الساقطة تستأسد على الشيوخ والنساء أمام مكاتب الاقتراع في المهجر، وتتأهَّب لحرمان سكان منطقةٍ كاملة من البلاد من حق ممارسة سلطتهم التأسيسية بالقوة.

لسنا اليوم بحاجةٍ إلى تكييف التهم بالخيانة لهذا الفريق، بعد أن تقاطعت دعواتُه إلى منع الاستحقاق بالقوة، مع الرغبة المعلنة المكشوفة لدولة المحتلّ القديم في إفشال الاستحقاق، كمقدِّمة لقيام الفراغ الدستوري، وما يتبعه من فوضى وتخبُّط يسبقان في العادة مناورات التدويل والتدخل الخارجي تحت رايات الدفاع الكاذب عن حقوق الإنسان، وحقوق الأقليات، والإثنيات، والمعتقدات، رأينا كيف سُخِّرت بنجاح لتفكيك الدول والمجتمعات في ليبيا، وسورية، والعراق، واليمن، والصومال، ولبنان.

الجواب المقنع الحاسم لهذا الفريق، بشقه الداخلي والخارجي، جاء مبكرا على لسان أهلنا في البوادي النائية وفي المهجر، ليس فقط بالإقبال على المشاركة رغم ما تعرَّض له الناخبون من اعتداءات توصف حكما بالبلطجة وبالاستئساد الرخيص، بل بإجماعهم على أنهم جاءوا لينتخبوا على الجزائر وللجزائر، وللتعبير عن رفض التدخُّل الأجنبي، وصونا لأمن البلاد ومنحها فرصة الخروج الآمن من الأزمة التي صنعتها العصابة المختطِفة للسلطة والثروة.

الجواب الحاسم لمن أراد السطو على إرادة المواطن وسلطته التأسيسية عبر الشارع، واختطاف أحلام وتطلعات من خرج من شرفاء البلد، نساء ورجالا، في مسيرات سلمية تريد التغيير، سوف يكون غدا بمشاركة واسعة للكتلة الصامتة التي لا تؤمن بالشارع وبالتظاهرات كأداة سليمة للتغيير، وتدرك أن فرص التغيير السليمة تحتاج بالضرورة إلى الوقت، وإلى نضالات سلمية متواصلة، تراكم للبلد فرص ووسائل استكمال تحريره من بقايا الاستعمار القديم، ومن منظومة الاستدمار الجديد ووكلائها، قبل التوافق على برامج ومشاريع التغيير.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • سيف الله

    بارك الله فيك

  • نوار خليفة

    مما صرح به السيد رئيس الجمهورية اليوم عبد المجيد تبون إعتزامه رفع الظلم و الغبن عمن ظلمتهم العصابة وأنت يا أستاذ حبيب راشدين أحد ضحايا هذا الظلم و الإقصاء منذ مصادرة أسبوعية الصح آفة في تسعينات القرن الماضي فربما حانت ساعة رد الإعتبار لك و لزملائك وتعويض ما لحقك من أضرار مادية و معنوية

  • جزائري حر

    للمعلقين اللي راهم يقولون لنا أنهم أنتخبوا وياك الإنتخاب حرية شخصية فهل أنا بحاجة لكي تقول لي أنك انتخبت

  • عبدالله FreeThink

    أنتخبت والحمدلله على الساعة الثامنة صباحا.
    أول مرة أنتخب منذ حوالي عشرين عاما. متتبع للسياسة منذ أكثر من خمسة وعشرين سنة . علمت بماكان تفعله الدولة العميقة منذ زمان تتبعتهم على وسائل التواصل، عرفت الفرق بين عصابة توفيق و عصابة السعيد، والشرفاء في الجيش الذين يحاولون إعادة الجزائر إلى السكة الصحيحة، بعدما حادت عن الأخلاق، عن الهوية، عن التطور، عن الاستقلالية ..تعلمت لغات وتاريخ وجغرافيا وعلم نفس ودين، تعلمت الجيوسياسة وأصول النظام المالي العالمي ومن وراء مشاكل العالم وكيف توضع أحجار الشطرنج على الساحة.. عرفت أن كل شيء مرتبط وأنه للخلاص علينا بحلول داخلية وخارجية.
    كل هذا كان وراء قراري.

  • جزائري

    من اخترق الحراك حتى اصبح حراكا مفسدا في الارض بعد ان بدا مصلحا.

  • أحمد

    تحية تقدير لك استاذنا الفاضل. بارك الله في عقلك وفي لسانك وفي قلمك. احبك في الله

  • جزائري حر

    الدستور على المقاس خردة وليس دستور مثل الديموقراطية على المقاس. والجزائر اليوم بحاجة إلى دستور يحقق لها لأبنائها دولة القانون حتى كون كل الجزائريين سواسية أما القانون اللي يقرا مليح يفوت واللي يخدم خير يفوت وليس مثل الدين يسعون لإنتخاب رئيس باه يقولولو سيدي الرئيس. الناس البشر لم تعد بحاجة إلى رئيس وإن وجد فهو شرفي لأنها تملك دولة مؤسسات وليس دولة عصابات

  • نمام

    التعنت و اللجوء الى العنف لا يخدم وطنا و لا شعبا وقد يؤدي الىالعنف و الدمار فالنضال بالعنتريات و الهتافات في وجه الاخر لا يغني و لا ننكر بانه جزء من ثقافتنا وقد كانت اوهاما اوصلتنا لما نحن فيه علينا ان نتوحد لان مشاكلنا توحدنا مشاكل وطن ولا تقودنا امزجة الطامعين ومن يركبون الثورة لخسة تكبر مع الوقت و الفرص في انفسهم او لتصفية جسابات وان كان صالحون كثر ونعلم بان الاستبداد هو من اضعف مؤسسات الدولة الدستورية والبرلمانية واضعف الدولة لذافلنساهم في تفعيل طاقاتنا للمشاركة في القرارات الهامة وتبادل السلطةوفصل السلطات ونقطع عصر الزعامات الذين تيبسوا في الحكم باسم الوطنية فلنبدا فالطريق لسلكه موحش وحق