-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التقدُّم لا تَصنعه السياسة فقط

التقدُّم لا تَصنعه السياسة فقط
ح.م

تابعتُ التقرير الصادر عن الأمم المتحدة، بعنوان “الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه لسنة 2020″، الصادر هذه السنة عن هيئة الأمم المتحدة. وعند إجراء بعض المقارنات بين بعض البلدان، من خلال مؤشراتٍ أساسية، لَفَت انتباهي أمرٌ بدا لي مُهمًّا: أن المشكلة الأساسية في هذه البلدان أكبر من طبيعة النظام السياسي ومن الانفتاح الديمقراطي، بل هي هيكلية لها علاقة بمنظومات البلد المختلفة، بما فيها الاجتماعية والثقافية والنفسية، وبموقعها التاريخي من منحنى التطوُّر الحضاري، إلى درجة أن قلتُ إنه علينا مراجعة كثير من الأفكار المُسبَّقة، التي تقول إن التغيير السياسي أو الدخول في مرحلة تحوُّل ديمقراطي من شأنه أن يجلب التقدُّم بالضرورة.

البلدان التي اخترتها للمقارنة، هي الجزائر وتونس ومصر، باعتبار أن بها أنظمة سياسية مختلفة، من حيث الأداء السياسي ودرجة التحول الديمقراطي. والمؤشرات الثلاثة التي اخترتها هي: معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتضخم الأسعار لدى المستهلكين، ومعدل البطالة. أما فترة المقارنة، فكانت لسنوات 2019ـ 2020 ـ 2021 (المتوقعة).

ماذا لاحظت؟

ـ لاحظتُ أن درجة نمو الناتج المحلي لا علاقة لها بدرجة الحريات، فمصر تحتل المرتبة الأولى في ثلاث السنوات المذكورة، بنسبة 5,5 و5,8 و5,3 بالمائة، والجزائر المرتبة الثانية في سنتي 2019 و2020 بـ2,0 و2,3 بالمائة، ويتوقع أن تحتل المرتبة الثالثة سنة 2021 بـ2,5 بالمائة. أما تونس، فتحتل المرتبة الأخيرة في سنتي 2019 و2020 بـ1.4 و2,0 ويُتوقع أن تحتل المرتبة الثانية سنة 2021 بـ3,0 بالمائة.

ـ كما لاحظتُ أنَّ درجة التضخُّم أيضا لا علاقة لها بطبيعة التحوُّل السياسي نحو الديمقراطية، فتونس، البلد الذي عَرَف الانتخابات الأكثر نزاهة في المنطقة، يحتل المرتبة الثانية باستمرار، بنسب تراوحت ما بين 6,9 و6.0 و5,0 في السنوات الثلاث المذكورة على التوالي، ومصر كانت الأكثر تضرُّرا من التضخُّم بنسبٍ تراوحت ما بين 9,8 و10,2 و9.3 في نفس الفترة. في حين عرفت الجزائر أقلّ نسبٍ للتضخم في هذه الفترة بـ3,8 و3,6 و2,9 بالمائة.

ـ وفي جانب البطالة، بيّن التقرير مفارقة كبيرة، وهي أن تونس تعرف أكبر معدل للبطالة، إذ تراوحت ما بين 15,4 و15.5 و15.7 في السنوات الثلاث على التوالي، في حين عرفت مصر نِسبا مقاربة لهذه، تراوحت ما بين 11,7 و11,0 و10.1 للسنوات الثلاث. أما أخفض نِسب، فكانت في الجزائر، إذ تراوحت ما بين 9,4 و8,7 و8,1 للسنوات الثلاث.

مع عامل مشترك واحد في البلدان الثلاثة: أن نسبة البطالة بين الشباب فاقت الـ25 بالمائة.

ماذا نستنتج؟

نستنتج مما سبق أن مسائل التنمية والتطور، هي مسائل مُركَّبة، ينبغي عدم تبسيطها وتفادي ربطها بالتحوُّل السياسي الديمقراطي والتعددية الحزبية فقط، بل هي جملة من الشروط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية والتاريخية، التي يجب أن تتوفر في المجتمع ليتقدَّم، بدليل أن أكبر دولتين في العالم مختلفتان تماما من حيث طبيعة النظام السياسي والثقافة، واحدة تعددية لبرالية والأخرى أحادية اشتراكية، واحدة غربية والأخرى شرقية… وعليه، أقول: ينبغي ألا نوهم أنفسنا بأن الإصلاحات السياسية، حتى وإن رضينا عن مسارها، كما في تونس مثلا، ستجلب لنا الرفاهية آليا، بل إن الإصلاح ينبغي أن يكون شاملا، من كرسي المدرسة (العقول) إلى كرسي الرئاسة (السلطة)، وهذا النوع من الإصلاح هو وحده الذي يُمَكِّننا من معرفة طريق الأمل الصحيح، وليس أوهام الديمقراطيات الزائفة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • ياسين

    مشكلتنا بالدرجة الأولى هي مشكلة ثقافة...لأن الثقافة هي التي تصنع الحضارة...على حد تحليل بن نبي رحمه الله في جل كتبه و أفكاره...فهما حاولنا الهروب و تغييب أفكاره فلا بد-ونحن على ابواب من ذكرى رحيله- من العودة إليها و البناء عليها لاخراج مجتمعنا من دائرة التخلف إلى دائرة التقدم والحضارة...