-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التقدُّم لا يسير في خط مستقيم!

التقدُّم لا يسير في خط مستقيم!
ح.م

لا أتصور أنه بإمكاننا أن نَبْني بلدنا إذا واصلنا الغرق في الخلافات السياسية، أو إذا واصلنا البحث عن زلاَّت بعضنا البعض، أو التذكير بما وقع مِنَّا من أخطاء، أو تأجيج روح الانتقام بداخلنا، أو الإصرار على أن رأينا فقط هو الأصوب وينبغي تحقيقه وإن أضعنا كل شيء.

هذا النوع من السلوك ليس في محله، لأن الخاسر الأكبر جراءه هو البلد، وفي درجة ثانية البسطاء من الناس. أمَّا مَن لهم بلدٌ آخر أو لديهم ازدواجية الولاء (وهي غير ازدواجية الجنسية)، والذين هم في يُسْرٍ من أمرهم، ففي كل الحالات رابحون.

رأينا ذلك في العشرية السوداء.. مَن دفع الثمن؟ إنهم أبناءُ الشعب البسطاء والفقراء من الناس، أما كبار القوم الأثرياء والذين لديهم بلاد أخرى يأوون إليها، فلم يمسَّهم سوء، وعادوا إلى مواقعهم وكأن شيئا لم يحدث.. بل وسخروا من الآخرين!

ونرى اليوم ذات السيناريو يكاد يتكرر، هناك مَن يسعى للدفع بأبناء الشعب الواحد إلى الانقسام. وهناك مَن يعمل على تأجيج نار الفرقة بين الإخوة في كل شيء، لا يترك وسيلة إلا استخدمها.. وبدل أن يسعى للتأليف بين قلوب الناس، يؤجِّجُ بداخلها الكره وحب الانتقام. ونحن لسنا في حاجة اليوم لا لهذا ولا لذاك.

الخلافات السياسية ينبغي أن لا تُفسِد للودِّ قضية، والخلاف حول الأولويات ينبغي ألا يكون سببا لتعطيل كافة المسائل.

لا يوجد بلدٌ استطاع بناء نفسه بين عشية وضحاها، أو انتقل من وضع سيء إلى أفضل منه انتقالا جذريا دون صعوبات ودون الوقوع تارة والوقوف أخرى. أبدا ما سار التقدم في خط مستقيم ولا كان السقوط كذلك، فعلينا الانتباه.. قد لا نشعر بالسقوط نتيجة قرارات وخيارات تبدو لنا جزئية والعكس صحيح، قد نكون بصدد الوقوف وإن بدت ظهورنا مُنحنية.

في تقديري، اليوم علينا أن نُجنِّب أنفسنا الغرق في مستنقع السياسة، وأن تكون وجهتنا كيف نُنقذ بلدنا من السقوط في فخ الفقر والخلافات والعنف مرة أخرى؟ ماذا ينفع قولنا إن المتسبب في السقوط هو النظام إذا ما حدث هذا السقوط؟ هل سيخسر رموز النظام شيئا؟ ماذا ينفع قولنا إن المتسبب في فرقة الجزائريين هي السلطة إذا حدثت هذه الفرقة فعلا، لا قدر الله؟

أليس الأفضل أن يتحمل المجتمع مسؤوليته لنصرة قضاياه والدفاع عن مصالحه وتعزيز ثقافته وبناء بلده في كافة المجالات حتى لو لم تُرِد السلطة ذلك، فما بالك لو أنها لم تفعل ولكنها لم تعارض؟

يبدو لي أنه حان الأوان اليوم للخروج من ثقافة التصادم، إلى ثقافة التكامل.

إن الجزائر من الشساعة بمكان حتى أنها تسعنا جميعا ونحن مختلفون، فما بالك ونحن متفقون.. وإن بها من الثروات ما يكفينا غير عادلين فما بالك لو عدلنا.. وبها من الطاقات ما يَبنيها وقواها متفرقة، فماذا لو اجتمعت.

لقد تم بالفعل تشتيت طاقاتنا وجهودنا سنوات حتى تناثرنا كحبات العقد في كل مكان، ولكن رغم الغبار الذي علا بعضنا أحيانا بقيت سرائرنا نقية في جوهرها محافظة على قيمتها.

كالدُّرّ يزداد حُسنا وهو مُنتظمٌ.. وليس ينقُص قَدرا غيرَ مُنتظِم.

أو كما أنشد الإمام البصيري رحمه الله.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • ياسين

    الثقافة هي الجسر الذي يعبر من خلاله أي شعب من التخلف والفوضى إلى الحضارة والنظام... و أما إذا أردت أن أردت أن تدفع بشعب ما إلى التخلف أو إبقائه متخلفا يسبح في الفوضى فهدم هذا الجسر (الثقافة) بالسياسة أو بتعبير أدق بالبولتيك؟؟؟