-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التهاون واللامبالاة سبب كلّ مأساة (1)

سلطان بركاني
  • 912
  • 3
التهاون واللامبالاة سبب كلّ مأساة (1)
ح.م

فاجعة مؤلمة ألمّت بنا معشر الجزائريين فجر يوم الثلاثاء الماضي، ذرفت لها الدّموع واعتصرت لها القلوب.. فاجعة احتراق واختناق ثمانية أطفال أبرياء حديثي الولادة في مستشفى الولادة بولاية الوادي، فاجعة لا يزال الإعلام يخوض في حيثياتها، يشرّق ويغرّب، ويحمّل المسؤولية لهذا تارة ولذاك تارة أخرى.. فاجعة حُق لها أن تكتب على صفحات تاريخ هذا البلد بمداد الحسرة والأسى لهذا الحدّ الفظيع من الإهمال الذي وصلنا إليه في بلدنا.. لو كانت الفاجعة في حقّ رجال بالغين لكان حقا علينا أن نحزن ونأسى، كيف وهي في حقّ أطفال أبرياء في أيامهم الأولى في هذه الدنيا.

تُرى لو نطق أولئك الأبرياء ماذا كان يمكن أن يقولوا؟ لو كان في إمكانهم أن يشكوا ما ألمّ بهم، ماذا كانوا سيقولون؟ لقد أسلموا أرواحهم البريئة إلى الله، وأرواحهم الآن تسرح وتمرح في الجنّة، لكنّ الفاجعة الأكبر هي فاجعة الآباء، وأكبر منها فاجعة الأمّهات.. أمّهات يذرفن الدّمعات ويطلقن الآهات على فلذات أكبادهنّ الذي قضوا حرقا واختناقا في مكان يفترض فيه أن يكون محضنا آمنا لأمثال الأبرياء الذين لا يستطيع الواحد منهم أن يدفع عن نفسه نسمة هواء.. كان بين المفجوعين، زوجان، مضت عليهما 15 سنة وهما ينتظران على أحرّ من الجمر أن يرزقا بمولود، وبعد ثلاث عمليات زرع، و15 سنة من الانتظار، فتح الله عليهما بتوأم، فرحا به أشدّ الفرح، ولكنّ الفرحة لم تكتمل، حينما فجعا فيهما صبيحة الثلاثاء، ونزل خبر احتراقهما صاعقة على قلبيهما.

تحدّث الممرّضون والأطباء والمسؤولون عن أسباب الفاجعة، وقالوا إنّها شرارة كهربائية مفاجئة في جهاز قتل البعوض والذّباب! وانطلق كبار المسؤولين يحاسبون صغار المسؤولين ويعاقبون الأطبّاء والممرّضين، ونسوا أنّ أيّ إهمال بين صغار الموظّفين سببه في الغالب لا مبالاة كبار المسؤولين، يقول علي رضي الله عنه: “رأيت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه على قتب يعدو، فقلت: “يا أمير المؤمنين أين تذهب؟ قال: “بعير نَدَّ من إبل الصدقة أطلبه” فقلت: “لقد أذللت الخلفاء بعدك، فقال: “يا أبا الحسن لا تلمني فو الذي بعث محمداً بالنبوة لو أن عناقاً أخذت بشاطئ الفرات لأخذ بها عمر يوم القيامة”.. يقول هذا في جدي يموت على شاطئ الفرات، كيف بمن يكون سببا في وفاة أطفال أبرياء لتوّهم خرجوا إلى الدّنيا؟

هذه الفاجعة كان يفترض أن تقيم البلد ولا تقعده، تحقيقا ومعاقبة لكلّ من كانت له يد من قريب أو بعيد في وفاة هؤلاء الأبرياء، سواءٌ كان جزائريا أو كوبيا أو صينيا.. ولكنّنا مع كلّ أسف رأينا العقوبة تطال صغار المسؤولين والموظّفين دون كبارهم.

هكذا أصبحت اللامبالاة سلوكا يوميا في حياتنا!

أهمّ سبب في هذه الفاجعة هو الإهمال واللامبالاة، ولولا إهمالنا ولا مبالاتنا ما كان الكوبيون ليستهينوا بأرواح أبنائنا.. نعم، ينبغي أن نضع أيدينا على موضع الدّاء.. السّبب في هذه الفاجعة وفي أغلب الفواجع التي رأيناها وسمعنا عنها في مستشفياتنا وفي إداراتنا، هو اللامبالاة والإهمال، وثقافة “خلّي برك، كيفكيف، عقّب برك، ما فيها والو”، هذه الثّقافة التي عمّت وطمّت وما عاد يسلم منها إلا من رحم الله منّا.. ليس في قطاع الصحّة فحسب، ولكن في جلّ القطاعات.. ندخل إلى أماكن عملنا ونحن نعدّ السّاعات والدّقائق للانصراف إلى بيوتنا! وكأنّ مشاغل ضرورية وعاجلة تنتظرنا في البيوت.. تجد الموظّف من حين يدخل إلى مكان عمله وهو يختلق المبرّرات ليترك مكانه؛ تارة يدّعي أنّه مريض، وتارة يتظاهر بأنّه متعب ويريد أن يرتاح، وتارة يخرج لأجل أن يحتسي فنجان قهوة، وتارة يتظاهر بأنّ مكالمة مهمّة وردته على هاتفه، وأنّ عليه أن يتصرف سريعا… وهكذا.. تجد الموظّف في ساعات العمل ينام، وتجده منشغلا بهاتفه يتصفح الفايسبوك ورسائل الماسينجر، والنّاس ينتظرون أن تقضى مصالحهم.. تجده ينتقل من مكتب إلى مكتب ليتبادل أطراف الحديث مع الزّملاء والزّميلات حول أتفه الأخبار والقضايا، في السياسة والاقتصاد والرياضة، وربّما يتحدّث في الحلال والحرام مع زملائه ويفتيهم وهو الذي ترك مكان عمله في المكتب وترك النّاس ينتظرون.

مآس وفواجع كثيرة لا حصر لها، حصلت بسبب لامبالاة الموظّفين، ولا مبالاة المسؤولين، بسبب شيوع ثقافة “ما فيها والو.. ازرب لينا خلينا نروحو”؛ حوادث مرور قاتلة أودت بأرواح بريئة، سببها تهاون بعض السائقين في تفقّد سياراتهم قبل الانطلاق، أو سببها استهتار بعض المقاولين وبعض المهندسين وبعض العمّال الذين يعهد إليهم بشقّ وتعبيد الطرقات، وسببها تساهل بعض من أوكلت إليهم مهمّة مراقبة الطّرقات في تطبيق القانون على المتهوّرين والعابثين.

أخي السّائق.. ربّما تتهاون في مراقبة سيارتك في الصّباح قبل الانطلاق، فتسبّب في حادث مرور يؤدّي إلى إزهاق أرواح بريئة في الطّريق.. ربّما تركن سيارتك في مكان لا يحقّ لك أن تركنها فيه، فتتسبّب في حادث مميت.. ربّما ترمي قنينة ماء أو عصير أو بقايا فاكهة أكلتها في الطّريق، فتتسبّب في حادث مرور أو سقوط بريء من خلفك وأنت لا تعلم.. ربّما تتسبّب في انسداد بالوعات المياه عندما ترمي كوب قهوة أو قنينة ماء، فتكون سببا في مأساة من حيث لا تدري..

وأنت أخي رجل الأمن؛ ربّما تتهاون في تطبيق القانون على شابّ متهوّر أو تجامله لأنّ وسيطا اتّصل بك لأجله، فتكون سببا في جريمة يرتكبها ذلك الشابّ بعد أيام أو شهور أو سنوات.

وأنت أخي المهندس أو المراقب، ربّما توقّع على صلاحية مشروع وتَمضي ولا تدري أنّه يتسبّب في مأساة بعد سنوات.. وأنت أخي المقاول، ربّما تنجز مشروعا وتستلم حقوقك كاملة، وتمضي بعد أن تكون قد غششت فيه طولا وعرضا، فيتسبّب في فاجعة بعد سنوات ربّما لا تسمع بها، وربّما لا تجد من يتابعك ويحاسبك عليها، ولكنّ الذي لا تخفى عليه خافية يعلم ولا ينسى.. وأنت أخي الميكانيكيّ. ربّما تصلح لأحدهم سيارته، فتخدعه في قطع الغيار وتتهاون في تفقّد عملك، فيكون تهاونك سببا في وقوع حادث أليم لصاحب السيارة، وأنت لا تعلم، ولكنّ الله يعلم.. وأنت أخي الكهربائيّ أو السبّاك، ربّما تمرّر لأحدهم شبكة كهرباء أو شبكة غاز في بيته، فتتهاون في عملك لأجل أن تنهيه في أقصر وقت وتحصل على المال، وتمرّ الأيام والشّهور، فيندلع حريق بسبب شرارة كهربائية أو بسبب تسرّب للغاز، فتحصل المأساة وتفيض أرواح بريئة إلى بارئها، وتكتب عند الله مجرما وأنت لا تشعر وربّما لا تدري أنّك السّبب بتهاونك.. وأنت أخي الحارس.. ربّما تتهاون في حراسة المؤسّسة التي تعمل فيها، فتكون سببا في مأساة لم تكن تحسب لها حسابا.. وأنت أخي عامل النّظافة، ربّما تتهاون في تنظيف مكان العمل الذي تعمل فيه، فتترك بقعا من الماء، فتتسبب في انزلاق قدم رجل مسنّ فيسقط فتنكسر عظامه، وتكون أنت السّبب وأنت لا تعلم.. وربّما تتهاون في رفع القمامة في الوقت المناسب حتى تتراكم وتؤدّي إلى انتشار الأمراض، وربّما تترك شيئا من الأوساخ، فيأتي طفل صغير فيضعه في فمه، فتكون المأساة.

وأنت أخي الموظّف.. ربّما تردّ مواطنا مسكينا دون أن تقضي له حاجته في الإدارة التي تعمل فيها، وتكشّر في وجهه، فيخرج من عندك مغضبا متألّما، وربّما يسهو أثناء قيادة السيارة أو أثناء عبور الطريق من الهمّ، فيلقى حتفه أو ربّما يتسبّب في وفاة غيره.. فتكون قد تسبّبت في مأساة من حيث لا تدري ومن حيث لا تشعر.. وأنت أخي رجل الحماية.. ربّما تتهاون في رفع سمّاعة الهاتف وإجابة مكالمة مستعجلة، فتتسبّب في وفاة إنسان وأنت لا تدري.
وأنت أخي الطّبيب.. ربّما تكتب شهادة مرضية لموظّف لا يستحقّها، فيتخلّف عن عمله، فيتسبّب في ضياع حقّ مواطن مسكين، يتأخّر قضاء مصلحته في المكان الذي يعمل فيه صاحب العطلة، فتضيع عنه فرصة عمل فتقتله الحسرة فينتحر.. وربّما تنام في وقت المناوبة، وتتأخّر في إسعاف حالة مستعجلة فتتسبّب في وفاة نفس بريئة.. وأنت أخي الممرّض، ربّما تجد لك نفسك الأمّارة بالسّوء مبرّرا لتترك مكان عملك، أو تبقى فيه لكنّك تتملّص من أدائه كما ينبغي، فتتكبّر على المرضى وتكشّر في وجوههم وتعنّفهم، فتردّ صاحب ضرورة يحتاج إلى خدمتك أو تؤخّره، وربّما تكون سببا في ضرر يلحق به من حيث لا تدري، وربّما يرفع أكفّ الضّراعة إلى الله أن ينتقم منك.

وأنت أخي المعلّم أو الأستاذ ربّما تتساهل في مراقبة تلاميذك في القسم وفي تسجيل حضورهم وغيابهم، فيستهينون بالحضور، فيخرج أحدهم إلى بعض الزوايا والأوكار، خلسة عنك وعن والديه، فيرتكب في نفسه أو في حقّ غيره منكرا يصعب إصلاحه.. وأنت أخي المسؤول في مصلحة من المصالح أو في إدارة من الإدارات، ربّما تحابي وتجامل وتتساهل مع موظّف معك في المؤسسة التي تعمل فيها، وتتغاضى عن تهاونه ولامبالاته، فيتسبّب في مأساة من حيث لا تدري، أو على الأقلّ يتسبّب في إرهاق من ينتظرون خدماته.

بل حتى إمام المسجد، ربّما يغيب عن مسجده، فيأتيه سائل حال غيابه فلا يجده، فيخرج فيسأل جاهلا فيفتيه بغير علم فيضله، وربّما يأتي المسجدَ شابّ ضاقت عليه الدّنيا بما رحبت، يبحث عن الإمام ليهدّئ من روعه، فلا يجده، فيزداد حسرة وأسى، وربما تكون تلك آخر طريق له إلى المسجد، فيخرج ليتعاطى السّموم أو ينتحر.. فيكون غياب الإمام هو السّبب.. المؤذّن أيضا ربّما يتأخّر في رفع الأذان الذي اؤتمن على رفعه في وقته، بينما أحد العمّال ينتظر الأذان ليصلي ويلتحق بعمله، يتأخّر المؤذن فيتأخر العامل عن عمله، وربّما يطرد، ويكون المؤذّن هو السّبب من حيث لم يشعر.
يتبع بإذن الله…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • مامون

    هل نحن مسلمون حقا ؟؟؟؟؟؟؟
    نقتل و نحتقر ونظلم وندمر بعضنا بلا رحمة ولا شفقة فهل هذا هو الاسلام اشك في ذلك
    الاسلام اعظم منا جميعا ونحن ابعد منه بكثير بملايين السنين الضوئية ايها السادة صراحة

  • , علي

    هذا شأن العالم الثالث ومن بينها الجزائر. من أجل ذلك لا توجد طائرة ركاب من صنعنا لإن صناعتها لا تحتمل الخطأ البتة

  • مامون

    لقد وضعت أصبعك على الجرح انعدام روح المسؤولية والاستخفاف بشروط العمل واتقانه والتهور والتسيب وانعدام التابعة والعقاب شجع ذوي القلوب النريضة على التمادي والتسبب في الكوارث.