-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الثقافة والنمو الاقتصادي

بشير مصيطفى
  • 255
  • 0
الثقافة والنمو الاقتصادي

يبدو أن مشكلة الأفكار في البيئتين العربية والإسلامية ما زالت مستمرة، وأن المثقف فيهما لا يزال عاجزا عن إنتاج نخبة نشيطة وفعالة، بدليل أن التحوّلات التي شهدتها المنطقة مؤخرا كان دور المثقف في صناعتها أو توجيهها سلبيا بل منعدما. والظاهرة باتت تتعدى هذه المنطقة الى مناطق عالمية ودولية أخرى كنا نظن أنها تجاوزت مشكلة الأفكار بعد نشوء الثورة الفرنسية التي أسست للنظام الجمهوري في بيئة ليبرالية.

دور المثقف

الانتفاضات الشعبية المستقلة عن دور المثقف تدل على تراجع دور النخب لصالح أدوار يقوم بها آخرون سواء تعلق الأمر بالنقابات (المشهد التونسي) أو عموم العمال (المشهد الفرنسي) أو عموم السكان (المشهد الليبي)، وهذا النوع من الانتفاضات هو في حد ذاته سلاحٌ ذو حين، لأنه قد يفضي إلى تغيير جوهري في نمط إدارة شؤون الدول نحو التماسك والإيجاب، وقد يفضي إلى العكس من ذلك إلى تحول فوضوي لا يعرض حلولا أو تصورا أو مخارج أو رؤية لمشكلات الناس.
دور المثقف جد مهم في مرحلة ما قبل التحول الاجتماعي لأنه الوحيد الذي يملك الأداة الثقافية الضرورية المتحكمة في تشكيل الأفكار؛ إذ أن المجتمع نفسه هو المنتج لأفكاره وقيمه ومن غير الممكن أن ينتج مجتمع أفكار غيره أو أن يستنسخ مجتمع ثقافة مجتمع آخر لسبب واضح وهو طبيعة الثقافة في حد ذاتها التي هي منتَج لا مادي يتكون عبر معادلة ذات طابع اجتماعي تتشكل من الإنسان والمادة والزمن. ومن هنا تنشأ القيم الوطنية كأساس ناجع وفعال لنشوء القيم الأخرى واستمرارها وعلى رأسها القيم الاقتصادية.

تجارب دول

وعلى ذكر القيم الاقتصادية تقدِّم لنا تجارب الدول دروسا يجدر الاستفادة منها في نقد نماذج النمو المتبعة لحد الساعة بدءا من نموذج روستوف المعبر عن (نظرية المراحل) إلى نموذج (الدفعة الخارجية) إلى نموذج (محركات النمو) إلى نموذج (التوازن العام) للنظرية التقليدية. وتتلخص هذه الدروس في أن مخططات النمو التي احتوت المتغير الثقافي هي وحدها المتمتعة بأسباب النجاح وأن المخططات التي تتجاوز الاعتبارات الثقافية مصيرها الفشل وأن النمو من خلالها لا يتعدى العتبة في حين يتعدى النمو في الحالة الأولى سقف الـ7 من المائة (النموذج الماليزي والنموذج الصيني).
دولٌ كثيرة تمتعت بهذه النتيجة مثل دول أمريكا الشمالية وبعض دول آسيا، ودول كثيرة لازالت غارقة في مشكلة النمو مثل دول الشرق الأوسط والدول الافريقية والكثير من دول أمريكا اللاتينية، ولا يتعلق الأمر برقم النمو في حد ذاته بل في استدامة النمو وقدرة الحكومات في تحويل هذا الرقم الى تنمية مستديمة ترقي حياة الناس الى مستوى الرفاه من خلال مستوى الدخل الفردي وإطار الحياة الذي يفضي إلى تعليم جيد وسياسة صحِّية متماسكة وعدالة في توزيع خيرات الاقتصاد بين المواطنين بالشكل الذي يجرُّ المواطن إلى حقل المشاركة السياسية الشاملة.

مسؤولية المثقف

للمثقف مسؤولية عظمى في تفسير وتبرير العلاقة بين القيم الثقافية الوطنية من جهة ونتائج التنمية من جهة ثانية في المرحلة الراهنة المتسمة باتساع الأزمات ونشر الدراسات التي تتناول هذه العلاقة كموضوع بحث على غرار الدراسة المرموقة (الثقافة مهمة) لجيفري ساكس، وهي الدراسة التي تشبه دراسة أخرى لغيدو تابليليني عن الأداء الاقتصادي لدول أوربية ملخصها (السمات الثقافية ترتبط بقوة ليس بالتنمية الاقتصادية في أوربا وحدها بل وفي كل دول العالم).
هذه النتائج تظهر بوضوح في النموذج الياباني بعد الحرب العالمية التي حولت هيروشيما الى حقل تجارب للقنبلة النووية حيث يلخص الباحث بوشيهارا كيونو سر تطور اليابان الى العامل الثقافي في مواجهة المنافسة العسكرية العالمية من خلال النمو الاقتصادي: تطور اليابان كان بسبب ثقافته وهناك خمسة عوامل تسببت في هذا التطور وهي: المادة ثم العمل ثم الادخار للمستقبل ثم التعليم ثم القيم الثقافية الوطنية.
حقيقة يجب الاستفادة منها في مرحلة التحول أو مرحلة ما قبل التحول أو مرحلة التفكير في التحول ولا يقدر على ذلك سوى انسان واحد هو الإنسان المثقف.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!