-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجامعة الجزائرية لن تتطوّر بهذه النماذج الرديئة

الجامعة الجزائرية لن تتطوّر بهذه النماذج الرديئة
الأرشيف

يجمع المختصون في الشأن الإداري على أن جهاز الإدارة أشبه ما يكون موقعه من الأمة والدولة والكيان السياسي والاجتماعي بالدماغ والعقل من الإنسان، فهو أشبه ما يكون بالجهاز العصبي المسؤول عن حياة وحركة ونشاط الجسم الإنساني. لأن حياة الإنسان وسائر نشاطاته مرهونة بصحة وسلامة وفاعلية ذاك الجهاز العصبي القادر على التحكُّم الإرادي في مختلف العمليات التي يقوم بها الجسد.

وأودُّ في هذا المقال الكشف عن حقيقة الفساد الإداري المتفشي في أجهزتنا الحكومية عموما، ومنها الجامعة التي عملتُ فيها ثلاثة عقود كاملة بدءًا من أعلى مسؤول فيها ونزولا عند آخر مسؤول فيها أيضا، وسنعرض نماذج عن هذا الفساد الإداري الذي يعاني منه خيرة الأساتذة والباحثين المميزين والمنتجين للمعرفة مما يخبروننا به من خلال شبكتنا التواصلية والعلمية والرسالية والأخلاقية في مختلف جامعات القطر، وما يعانونه من فساد إداري جبان.. أكل وما زال يأكل للأسف الشديد الأخضر واليابس والأبيض والأسود والأحمر، وأحال الفضاء الجامعي قيعة وبلقعا وسرابا خادعا.. وهذه بعض صوره:

1 – مديرون ونواب وبطانات السوء:

أخبرني زميلٌ باحث مميز أن رئيس جامعتهم يتخذ بطانة ونوابا من مجموعة من الأساتذة العاطلين عن البحث العلمي منذ مدة طويلة جدا، وأنه يقيد حركتهم بمنحهم بعض الامتيازات الرخيصة، فيمنح هذا رئيس مسار بحثي تُدر عليه عشرة آلاف دينار زائدة في الأجر، وذاك مسؤول تخصص، وهاذاك مسؤول مادة.. وهم لا علاقة لهم بالعلم أو البحث العلمي أو حتى صيغة ومجال تميز في تلك المواد، فتجد نائبا في علم النفس أو الاجتماع أو الفلسفة أو الأدب مسؤولا عن مسار تخصص بعيد عنه كل البعد.. وهكذا لعبة شراء الذمم واتخاذ بطانات السوء، فضلا عن منحهم بعض الامتيازات الرخيصة ليتحلقوا حوله، ويتباهى بجمعهم وتزلفهم ونفاقهم..    ويروي لي هذا الزميل المحترم الذي درَّس سنين في الخليج العربي أن تعيين مدير جامعة أو عميد كلية أو حتى رئيس قسم يتم لأعلى الدرجات العلمية وأكثر المترشحين تأليفا وإنتاجا علميا، لأن العلم حلية وزينة لصاحبه، ولأن العالم لا يتهاوى بصاحبه أبدا باحثا عن منافع رخيصة يلوث بها سمعته العلمية.. وأن المحيطين به من نوابه هم مثله أو أقل منه بقليل في عالم الكتابة والتأليف.

بل روى لي زميلٌ محترم آخر أن مدير جامعتهم خلوٌ من البحث العلمي ولا يُعرَف حتى بين أهل الاختصاص بتآليفه وكتاباته ومنشوراته العلمية المحلية فضلا عن العالمية، ثم يقول على رؤوس الأشهاد ولمن حوله وفي كل فرصة سانحة: “انظروا أنا أتحكم في رقاب الكتّاب والمؤلفين والباحثين ولم أكتب شيئا!” أهكذا تريدون تطوير الجامعة والنهضة بها بهذا الفئام من الطغام الغُفَّل؟

2 – عمداء بين النيران:

وروى لي زميلٌ آخر معاناته وخسارة جامعته وكلّيته مع نوعية أخرى من العمداء الذين اتصفوا بأسوإ أنواع الرداءة، فهم بين نارين، نار نقابات الأساتذة والتنظيمات الطلابية، ونار لوبيات الفساد من همَّل الأساتذة المدرِّسين المعطوبين علميا والعاطلين فكريا والفقراء بحثيا.. فيظلُّ المسكين خائفا على زوال منصبه الهش، فيصير ألعوبة بين أيدي هؤلاء وأولئك وأولاء.. فهم من أول يوم يتعين فيه يعلنون الحرب عليه، باصطناع المشاكل وافتعال الأزمات اليومية والتافهة، حتى يذعن المسكين خوفا على كرسي العمادة لمطالبهم الرخيصة، فيخضع لهم، ويدع مسار تنمية ونهضة كلّيته ليضمن السلامة لعهدته وما تدرُّ عليه من امتيازات.. فهل ستتطوَّر الجامعة في ظل هذه النوعيات الفاسدة والمُفسدة؟ وهل ستنهض الجامعة بالبحث العلمي إذا كان الجمع الغفير يعرف كيف ولج باب الأستاذية في الجامعة، هذا الباب الذي كان عصيًّا إلا على أصحاب الأقلام والأبحاث والعقول المميزة، وصار اليوم مأهولا بكل شيء إلاّ بالباحثين والكتاب والمنتجين للمعرفة والعلم..

3 – رؤساء أقسام محدودو الأفق:

أجمع كل زملائي المحترمين أن مشاكل الجامعة متعددة الأطراف، وهي نتاج انهيار الأمة والمجتمع الجزائري نحو العالم السفلي والمادي، ولكن الإدارة الفاسدة طرفها وركنها الرئيس، ولذلك وجب الإسراع بها ونجدتها بالمصلحين الحقيقيين، لأن إصدار القوانين لا يكفي لوحده إذا وُكِّلَ الفاسدون بتطبيقها، وقد أخبرني زميل أنه صادف في حياته رؤساء أقسام لم ير مثلهم في إدارة وتسيير شؤون القسم حتى في السجن.. وصديقي هذا تعرض للسجن السياسي في حياته ومساره الدعوي.. وقد روى لي عن هذا الصنف الذي ولد وتعلم وتخرج وعمل في جامعة ولايته، ولم يكن ممن أتيحت لهم فرصة التعلم على يد كبار الأساتذة، ودلف إلى الجامعة من باب العصبية القبلية، فهذا الشخص يترأس قسما على أساتذته الذين درّسوه، ويراسلهم دون أن يحترم قوانين المراسلة الجاري العمل بها في الإدارة الجزائرية، فهو يرسل توجيهاته عبر البريد الإلكتروني من دون أي عبارة احترام أو تقديرأو ذكر لدرجات الأساتذة ومقاماتهم العلمية، في الوقت الذي أخبرني أنه في السجن كان يتلقى احتراما من قبل الحراس وزملائه المساجين أضعاف ما يعامله به هذا الشخص، وأنا أتعجب من صنيعه، وقد أخبرني أنه أرسل إليهم برنامج التدريس وألقى برغباتهم في سلة المهملات وكلفهم بالتدريس ليلة الخميس وطالبهم بتدريسها يوم السبت صباحا، لأنه يحسب أن التدريس مجرد هرف وغرف وسرقة من الشبكة المعلوماتية.. وأنه أفسد نقاط المعدلات حتى يدخلهم في صراع مع الطلبة حتى وقفوا له وأحرجوه أمام الطلبة، وأنه يعينهم في لجان مناقشة رسائل الماستر، ثم يعين غيرهم وتتم المناقشة دون علمهم، حتى أوقفت زميلي هذا عن متابعة مثل هذه الموبقات في حق العلم والقانون والكرامة والأخلاق، ومن أين له ذلك وهو الذي دلف للجامعة من باب العصبية ولا يعرف القانون ولا المقامات؟

أبهذاالصنف الجاهل والفظ الغليظ يمكن أن تسوسوا الباحثين والكتاب ومنتجي العرفة المحترمين؟

4 – لفيف الأساتذة معطوبي الحرب:

وروى لي أستاذٌ وزميل باحث آخر محترم جدا في عالم الرسالية والكتابة والتأليف، أنه يعمل في جامعة خالية من الأساتذة الباحثين أو الكتاب أو من منتجي المعرفة والعلم، سوى التدريس والاقتيات على أبحاث وكتابات ومؤلفات المنتجين في الداخل والخارج، فمن النادر أن تقرأ لواحد منهم مقالا أو حوار أو بحثا أو كتابا أو أي صيغة من صيغ البحث العلمي، اللهم إلا التهارش والتناوش على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الشعبية والسوقية والهزيلة جدا، والتي لا تليق بقدر الكتاب والباحثين المحترمين جدا..

وطلبت من هذا الزميل الباحث بحكم خبرته وكبر سنه وكثرة تآليف وتنوّع تجربته في المشرق والمغرب وبحكم تكوّنه تكوينا واسعا، أن يحلل لي الأسباب الحقيقة لكثرة هذا البغاث المستنسر في جامعتهم فأوجزها لي بعبارتين: “إنها العصبية القبلية يا صديقي المحترم، وتقسيم المناصب في الدكتوراة ومناصب العمل بحسب التواجد القبلي في تلك الجامعة”، وأخبرني أن ثمانين بالمائة من أساتذة جامعته التي يدرِّس فيها من سكان تلك الولاية، فهم ممن أكمل مساره التعليمي من الابتدائي حتى الدكتوراة في تلك المدينة الموحلة المغلقة، فتصوروا كيف سيكون أفُقُه ونظرته ومجاله الفكري والبحثي؟ بل أخبرني أن ثمة كليات بأكملها محسوبة على قبائل بعينها حتى الحراس والفرّاشين والبوّابين.. فما بالك بالأساتذة، ولذا أوجد لي سبب ندرة كتاباتهم وتآليفهم وإنتاجهم العلمي، وطلب مني النظر في مواقع تلك الكليات والجامعات والتعرف على الكم الهزيل جدا من الإنتاج العلمي، الذي لا يعكس قيمة الإنفاق الحكومي المقدر بمئات بَلْهَ بآلاف الملايير!

أبهذا الصنف من الأساتذة يمكن أن ننهض بالجامعة الجزائرية؟ فصارحوا أنفسكم ولو مرة، وقوِّموا مسار البلاد والعباد..

ولكم اغتاظ مني زملائي وأنا أسمع وأشاهد وأسجّل وأقرأ ما كتبوه وقالوه، وأنا أرد عليهم بعبارة (لا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم) أهذا كله يجري عندكم؟ فقالوا لي: وأنت ماذا تقول في جامعتكم؟ فصمتت ولم أقل شيئا غير أن واحدا منهم قال لي: نعم أنت تريد أن تقول ما قاله أحمد شوقي:

نصحت ونحن مختلفون دارا *** ولكن كلنا في الهمّ شرقُ.

أللهم اشهد أني بلغت أناتِ أصحابي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • المهدي غير المنتظر

    أرجو أن تكونوا في مستوى انتقاء الأساتذة الأكفاء خلال المسابقة القادمة التي ستختارون فيها 1400 أستاذ جامعي لتتطور الجامعة.. وليست سياسة الحقرة وابناء الدشرة والعمومة وغيرها من طرق الانتقاء المعهودة في العهد البائد.. هذه والله نصيحتي الخالصة لوجه الله..

  • أبو تمام

    لن تتقدم ولن تعرف التقدم.. اسأل زملاءك الأساتذة ماذا صنعوا في هذه العطلة الصيفية الطويلة وماذا أنتجوا من كتب وابحاث ومعارف ومقالات؟؟!!.. لم ينتجو ا سوى التعاليق والكلام الفارغ على الفايسبوك او ينتظرون كاتبا يكتب ليتسامجوا برذالتهم وكلامهم الجارح والذي كله إثم عند الله..

  • أبو تمام

    وهل تعتقدون أننا سنتقدم أو نتطور بغير جامعة منتجة للعلم والمعارف والتقنيات؟؟ من أعتقد ذلك ما عرف سبب نهضات الأمم..

  • الناصح الأمين

    لن تتطور الجامعة الجزائرية المسكينة ما دامت غالبية الطلبة والأساتذة لا يقرؤون ولا يقتنون الكتب والمجلات والجرائد.. ولا يكتبون حرفا واحدا إلا لمناسبة مادية أو إدارية.. ولا يدخلون المكتبة.. والكتب فيها تعاني من عادات الزمن والغبار والإهمال.. خذوها من ناصح امين..

  • عبد الرجمن

    وأنا أعتقد أنه بالنظر إلى أسلوبك وإنشائك في هذه التدوينة لا نقف بتاتا على مستوى فذ أو مقام علمي راسخ. تريد للغير أن يرتقي مرتقى لم تبلغه وهذه وقاحة فجة. كفاك تزكية للنفس فالمستوى العلمي الجزائري عموما متهاو وهمم المتصدين للتعليم العالي منحطة. ولا يمكن لأحد مهما بلغ أن ينكر على غيره في الجزائر بخصوص المستوى العلمي.

  • عبد الرزاق

    اخي ....ربى ابي رجال كان الاول في حسم المستقبل للعلماء والمثقفين وليس لمن يلف نفسه بلفة اما واما
    الى قبر يعصره فقد باع دنياه بادعائه زهد مخيف وتهلكة وتطرف وعنف ومقاعد للعاجزين المتنغصين من اي شيء واما يلف نفسه ببريق من النزاهة والنفاق الاخلاقي ويضرب بسهام في ظهر زميله ليرده ردا جميل
    اخي دكتور احمد عيساوي
    اخاطب فيك شهامة البشير الذي ينذر ويعذر ويهيم بحقائق ينتناول شاي ونحقق ما كنت تأمل به لكن المشكلة ليست هنا فالكتب التي بين ايدينا جهد وخصم وفعل البطل في زمن انتهى بنا لننتصر للسيارة والاجود من ذلك كله منازل فخمة وحساب بنكي لا ينقص ومتعة في فترة وجيزة ننتكس وتخور قوانا

  • عبد الرزاق

    والله إنه الواقع بكل مرارته، صورته كأنك تعيش وسطه.