-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
من فجر الجمعة إلى فجر السبت

الجزائريون عاشوا أطول وأسعد يوم في العمر

الجزائريون عاشوا أطول وأسعد يوم في العمر
ح.م

لم تكن الجمعة 19 جويلية، عادية بالنسبة للجزائريين، ليس بسبب الفوز على السنغال والتتويج باللقب، وإنما بسبب الحالة المعدة لنفسية غالبية الجزائريين متن آذان فجر يوم الجمعة، إلى غاية نهاية المباراة، فقد نسى الناجحون في شهادة البكالوريا بسرعة تفوقهم في امتحان العمر، ونسى الفاشلون رسوبهم وخيبتهم، وسار على نهجهم أولياؤهم، كما كان الحراك الشعبي الذي حافظ على تواجده بعد صلاة الجمعة، خليط بالحديث القوي عن مباراة السهرة بين الفريق الجزائري والمنتخب السنغالي في نهائي الكأس الإفريقية التي لعبها الخضر مرتين، قبل هذا الموعد فقط في تاريخهم، مرة في نيجيريا خارج الديار في ربيع 1980 وخسروها بثلاثية نظيفة، ومرة في الجزائر العاصمة في ربيع 1990 وتوجوا بها بهدف نظيف، قبل أن يكرروها في القاهرة بنجاح باهر.

الجزائريون عاشوا جمعة هادئة جدا في نهارها وملهبة في سهرتها، فبالرغم من أن الحرارة كانت معتدلة مقارنة بالأيام الماضية، إلا أن الحركة لم تكن كثيفة في النهار، وبالرغم من أن اليوم هو جمعة أي عطلة نهاية الأسبوع وفي قلب الصيف، إلا أن الشواطئ لم تكن مزدحمة بالمصطافين كعادة هذه الأيام، مع أن المباراة تلعب ليلا وليس زوالا، مما يعني أن الجزائريين فضلوا أن يبقوا في بيوتهم في انتظار موعد المباراة أو رفقة أصدقائهم طبقا لعاداتهم في متابعة المباريات الخاصة بالمنتخب الوطني جماعيا في البيوت أو في المقاهي أو في الساحات العمومية حيث صنعت الشاشات العملاقة الحدث الكروي.

الجزائريون الذين وصلوا القاهرة منذ فجر الجمعة، راحوا ينشرون صورهم على صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وصنعوا الحدث من خلال تبادل الأخبار والآراء حول المباراة وحول الأجواء التي صنعها الخضر في مصر، وتحوّل كل من وصل مصر إلى صحافي أعطى نبذة عن حرارة الجو، وعن مطار القاهرة وعن ظروف المناصرين وكيف تم استقبالهم، وتبادل الجزائريون طوال صباح الجمعة عشرات الآلاف من الصور القادمة من القاهرة، بينما فضل آخرون إعادة مشاهدة مباريات الخضر التي كانت تبثها القناة المالكة حصريا لحقوق بث مباريات الكان، وتمتعوا بها لأنها جميعا من دون استثناء انتهت بالأفراح وبانتصار المنتخب الجزائري، وانقلب الوضع رأسا على عقب في المساء بعد التتويج حيث تهاطلت الصور القادمة من القاهرة وأيضا من باريس ولندن ودبي.

خلال صلاة الجمعة، فضل بعض الأئمة والمصلين الدعاء للفريق الجزائري بالفوز الكروي وقرنوه بالدعاء والتضرع لله بتقدم الجزائر والتخلص من التبعية الغذائية، وهو ما قام به القليل من الأئمة من دون أدعية مباشرة على وزن: “اللهم وفق الجزائريين في كل المجالات واجعل الفرح لا يغادرهم أبدا”، وطبعا كان هذا الدعاء متبوعا بكلمة واحدة من المصلين: آمين.

الأعراس على قلتها في يوم الجمعة كانت فيها الأغاني بألحان مباريات الكرة، ومعلوم أن الجزائريين في غالبيتهم منذ أن تم تخصيص يوم الجمعة لمسيرات الحراك الشعبي بعد 22 فيفري، أسقطوا هذا اليوم من رزنامة أعراسهم، أما الذين أقاموا أعراسهم في ليلة الجمعة فأكيد غير موجودين إطلاقا، بالرغم من أن غالبية الجزائريين يبرمجون مواعيد أعراسهم شهران أو أكثر قبل موعدها، ولا نظن بأن أحدا خطر على باله بأن تكون الجمعة 19 جويلية موعدا تاريخيا للمنتخب الجزائري بلعب مباراة نهائي كأس أمم إفريقيا.

الصغار وحدهم من قضوا يومهم ببراءتهم يحتفلون بالأعلام الجزائرية بينما علم الكبار بأن الجمعة 19 جويلية هو حدث فريد من نوعه في تاريخ الجزائر، فعاشوه على أعصابهم ولم يتمكنوا من فعل شيء سوى تسوّف خفيف في صباح الجمعة وأداء صلاة الجمعة، وفي غياب شهية الأكل قضى الجزائريون يومهم بعيدين عن الأكل، ما عدا قاروات الماء التي لم تترك أيادي الكثير من الجزائريين إلى غاية صافرة النهاية وإعلان الفرح.

النساء وكما جرت العادة وبالرغم من أن المباراة لم تتزامن مع يومي الإثنين والخميس، فإن الكثير منهن فضلن الصيام لأجل الإكثار من الدعاء كما قرأن القرآن الكريم آملات وداعيات بالفوز للمنتخب الجزائري أو فريق الساجدين كما تم إطلاق الاسم عليه، بعد عملية السجود الجماعي في وسط الملعب عقب التأهل للنهائي أمام منتخب نيجيريا.

جزائريو المهجر لم يتوقفوا عن الاتصال بأهاليهم لقياس درجة القلق والحيرة بين من يُعرب عن تخوفه وبين مطمئن، وإذا كانت كل المتاجر قد عرفت ركودا خاصة في الفترة المسائية أي بعد صلاة الجمعة، فإن الصيدليات عملت وتركز بيعها على الأدوية المهدئة وحتى التي تبعث متعاطيها في نوم عميق، وبدا الجزائريون خاصة في الفترة المسائية هادئين جدا وكأنهم هم الذين سيلعبون المباراة، وليس أشبال جمال بلماضي، وحاول آخرون أن يعطوا لأنفسهم حبوب مهدئة معنويا بالقول بأن بلوغ النهائي هو في حد ذاته تتويج بينما آخرون قالوا بأن الفرصة قد لا تتكرر لأن الجزائريين انتظروها 29 سنة، لأجل ذلك حلموا بتحقيق الفوز والعودة إلى الجزائر باللقب وهو ما حدث وحوّل الجزائر في لحظة إلى شعلة أفراح قد تكون أكبر من أفراح أم درمان حيث تم التفوق على مصر في مباراة لا تنسى وهذه المرة جاء الانتصار في مصر في مباراة أيضا لا تنسى.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • Yassine

    اسوء يوم في حياتي