الجزائر المُستدَامة أفضل

يَستخدم البعض اليوم، وبإفراط  أحيانا، عبارة “الجزائر الجديدة” غير آبهين في معظم الأحيان بسُنَنِ وقوانين التحوُّل الاجتماعي والسياسي والاقتصادي… وأُفَضِّل استبدالها بعبارة “الجزائر المستدَامة”، لقدرتها على التعبير أحسن عَمَّا نُريده من بلدنا في المستقبل. وذلك لاعتبارات عدة أذكر بعضها في مساحة الأمل هذه:

ـ أولا: ليس كل جديد أفضل بالضرورة من القديم، وليس كل قديم أسوأ  بالضرورة من الجديد.

. ثانيا: التحول هو عملية ديناميكية مستمرة وينبغي أن تكون مُستدامة، وليست قطيعة فجائية تَنقلنا في لحظة معينة من القديم السَّيئ إلى الجديد الحَسن. كما أنه لن يخلو أي جديد من التناقضات كما لم يَخلُ القديم منها.

ـ ثالثا: من غير الممكن عمليا معرفة نقطة التحول من القديم إلى الجديد حتى عند بلوغ ما يُسمَّى بِحَدِّ القَطع (وفق التحليل الجدلي)، أي عندما تبلغ التغيرات الكمِّية حدها الأقصى، باعتبار أن أي نظام هو مُشكَّلٌ من مجموعات كثيرة ذات مصالح متضاربة، ولوبيهات، وإيديولوجيات، وقيم أخلاقية وغير أخلاقية وارتباطات محلية، وجهوية، ووطنية ودولية… تعرف جميعا ديناميكية للتغير سَلبا وإيجابا، لا يُمكن الفصل عمليا بين قديمها وجديدها.

ـ رابعا: لا يمكن اعتبار حدث بعينه أو حتى أحداث كثيرة هي السبب الرئيس في التحول (انتخابات، قوانين، دستور، حكومة، سلطة تنفيذية، تشريعية…)، بل إن دور كل حدث بإمكانه أن يتراوح بين السالب والموجب حسب نوعية أدائه الوظيفي وتوقيته، واستمراريته في الزمن، ودرجة التفاعل معه.

خامسا: توقف الاحتجاجات أو الاضطرابات، لا تعني البتة أننا انتقلنا إلى وضع جديد، بل إلى وضع ستاتيكي غير متحرك، وهو في جوهره نقيض للتبدُّل ولمفهوم التحسين المستمرّ، أي الانتقال من الأفضل إلى الأفضل،  الذي يفترض استمرار  ديناميكية الحركة والتدافع.

لهذه الأسباب وغيرها بدا لي من الأفضل أن يكون شعارُنا اليوم هو”الجزائر المستدامة”، بِما يحمل من دلالات أكثر تعبيرا عمَّا نطمح إليه، ومن بينها:

ـ أولا: أن مشكلتنا في العقود السابقة هي بالأساس، عدم التفكير في مصير الأجيال القادمة، وتفرُّد جيل مُعيَّن بالحرص على ديمومة ذاته، تاريخه، ومصالحه، وحتى اسمه أحيانا… على حساب الأجيال الأخرى. وعليه ينبغي أن تُصبح هذه المسألة أولوية اليوم.

ـ ثانيا: أن الجزائر المستدامة هي اليوم في حاجة إلى تجسيد شروط التنمية المستدَامة وعلى رأسها تحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي للناس، فضلا عن بقيَّة الشروط الأخرى المعروفة لدى خبراء هذا الموضوع، وهي في الواقع صلب المطالب الشعبية: الحفاظ على الموارد الطبيعية وعدم تبديد المال العام، المشاركة الشعبية الفعلية في اتخاذ القرارات، مكافحة الفساد، الاهتمام بالفئات الهشَّة، محاربة الفقر، القضاء العادل، الصحة، التعليم…

. ثالثا: أن فكرة الجزائر المُستدامة تضعنا ضمن أفق المستقبل، المُدرِك لمشكلات الماضي، الساعي إلى تثمين إيجابياته والانطلاق منها بعيدا عن كل احتقار له أو تنكُّر لجميلِ الكثير من رجاله ونسائه في كافة المستويات وليس فقط في المستوى السياسي.

ـ رابعا: أننا، بمثل هذا الشعار، نَستبق إحباطا متوقعا للناس نتيجة غياب إطار واضح يُحدِّد خصائص الجديد القادم، على خلاف الاستدامة التي يتفق العالم اليوم بشأن شروط توفُّرها وكيفية تحقيق ذلك.

ـ خامسا: لعلَّ هذا السبب الأخير هو الذي جعلني أدعو إلى رفع شعار أقدر على ضمان الأمل في غد أفضل من أي شعار آخر، قد يكون سببا في بروز الكثير من التأويلات المتعلقة بمفهوم الجديد الواسع وغير المُحدَّد من حيث الإطار والقاعدة النظرية.