-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الدكتور عبد الرزاق قسـوم رئيس جمعية العلماء المسلمين لـ"الشروق":

الجمعية لم تكن يوما خارج المنهج السلفي الصحيح حتى يُسلَّط عليها أتباعُ المذهب السلفي المزيف

حسن خليفة
  • 2019
  • 1
الجمعية لم تكن يوما خارج المنهج السلفي الصحيح حتى يُسلَّط عليها أتباعُ المذهب السلفي المزيف
ح.م
عبد الرزاق قسوم

الحوار مع الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم ممتع ومفيد، وفيه ما يمكن أن يُشبع نهَم السائل باستمرار؛ فالمعلومة عنده حاضرة، والدليل قائم، والمنطق يحكم حديث الشيخ الرئيس وخطابه عادة. في سياق التواصل مع علماء ودعاة الوطن، الذي سطّرناه في هذه السلسلة من الحوارات، اقتربنا من الشيخ عبد الرزاق قسـوم وحاورناه في عدد من القضايا المهمّة.. فكانت الخلاصة هذه المؤانسة.

لنبدأ من الوضع الحالي، ومواقف الجمعية المتواترة، هل يمكن أن تلخص للقراء الموقف العام الشامل للجمعية في مجريات الأحداث وطنيا؟

يدرك الراصد لسير الأحداث المتواترة، والمكونة للوضع الحالي في الجزائر، مدى الارتباك والحيرة، اللذين يستبدّان بهذا الراصد، أثناء محاولته التعامل مع هذه الأحداث.

إنها أحداث تتسم كلها بأعراض التأزُّم الذي يطبع الساحة الجزائرية، التي تتوزع على مختلف مجالات الحياة، بدءا بالأزمة الصحية، وما تنذر به من مخاطر، وانتهاء بالتأزم الاقتصادي، والاجتماعي والتربوي وانعكاسات ذلك على حياة المواطن العامة.

وفي هذا الخضم من الحيرة والارتباك، تجد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين نفسَها، من موقع مسؤوليتها التاريخية والدينية التي حمّلها الله إياها، في الموقع الطلائعي من الاستجابة للتحديات، فتجند طاقاتها، وتزوِّدها بمختلف الوسائل لاسيما المعنوية منها، لخوض معركة التصدي لمختلف أنواع التحدي.

ومن منطلق الوعي بهذه المسؤولية وجدت الجمعية نفسها، مجنَّدة للاضطلاع بالمسؤوليات في محاولة منها للتخفيف من محنة المعاناة.

وإضافة إلى إثبات الوجود الهيكلي للجمعية من حيث التنظيم، والانتشار على مستوى كامل الوطن، والعناية بالناشئة بتأسيس المدارس والكتاتيب القرآنية لحفظ الناشئة وتحصينهم ضد كل الأوبئة والآفات المادية والمعنوية، هنالك أيضا حملة التوعية والتحسيس للمواطنين للتكفُّل بالذات الحضارية بأبعادها الوطنية، واتخاذ الإجراءات الوقائية للتحصن ضد الوباء الخطير الوافد، الذي أودى بالعديد من خيرة مواطنينا.

وفي هذا السبيل، أبلت الجمعية بلاء حسنا من خلال معظم شُعبها، بالتجند لجمع التبرعات الغذائية وشراء العتاد الطبي، وتلقي الهِبات من داخل وخارج الوطن، لتوزيع ذلك كله على المعوزين، والأطباء، والمرضى في المستشفيات والمراكز الصحية.

وقد انخرط أبناء وبنات شُعب الجمعية من أول يوم ظهرت فيه أعراض جائحة “كوفيد 19” في التعبئة لتحسيس المواطنين، وإسعاف المرضى المعذبين، والوقوف تضامنا إلى جانب الأطباء المعالجين.

على أن انخراط الجمعية في خضم هذا العمل التوعوي التضامني الكبير، لم يُنسها وجوب أداء رسالتها الدعوية الضرورية، وهي الإصلاح بأبعد مدلولاته إصلاح العقل بالعِلم، وإصلاح القلب بالدين، وإصلاح الذوق بالإعلام، وإصلاح الفساد بالدعوة إلى الله بالتي هي أحسن، والتنديد بالمفسدين.

وبهذا الصدد، عملت الجمعية على التصدي لحملات التشويه المغرضة، سواء منها ما تعلق بداخل الوطن بالهجوم على ثوابت الأمة، أم السموم التي هبت علينا من خارج الوطن، حاملة مختلف الأوبئة، كالإساءة إلى الرسول عليه السلام، أم الطعن في الإسلام أم التطاول على السيادة الوطنية، ومحاولة شق الصف الوطني…

وسيشهد التاريخ في هذا المجال على ما قامت به الجمعية من جهاد معنوي، لترسيخ قدم الوطن والوطنية، بالأقوال والأفعال، وأن الجمعية قد خلدت جميل الذكر في صحائف الأيام والتاريخ.

لا يختلف الأمر، في ما يتصل بمواقف الجمعية التي تصدع فيها بالحق.. لا يختلف الشأن الداخلي عن الخارجي. هل يمكن أن توضح للقراء والمتابعين ذلك، وهل يمكن التذكير بأهم مواقف الجمعية؟

أبلت الجمعية –دون مَنٍّ– البلاء الحسن في نصرة القضايا العادلة، والدفاع عنها، كقضية التطبيع مع العدو الصهيوني، وقضية اضطهاد العلماء والزج بهم في السجون، وقضية المعذبين في بورما، من إخواننا الروهينغيا، وعودة الحملة الظالمة الشنيعة المتعلقة بالإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم في أوروبا، ومحاولات التدخل في الشأن الجزائري من جانب برلمان الاتحاد الأوروبي وغير ذلك.

إن هذه القضايا بأكملها، قد وجدت لدى الجمعية المحامي الكفء عن أعدل قضية وقد لقيت هذه المواقف الجريئة من الجمعية، تكالب الذباب الإلكتروني عليها، ومحاولة النيل منها، وهذا دليلٌ على أننا كنا في الخندق الصحيح، وكما يقول المثل: إذا أردت أن تزن الحق، فانظر إلى سهام الباطل إلى أين تتجه. وأما في الشأن الداخلي، فمواقف الجمعية معروفة ملموسة مقدّرة.

وأما الشانئون والمبطلون فيكفي تذكيرهم بقول أبي الطيب المتنبّي:

وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل

خاضت الجمعية مواجهات كثيرة في ما يتصل بالمقومات والثوابت، في التربية، والأسرة والشأن العام. هل يمكن أن تقيموا كرئيس للجمعية كل ذلك وتوضحوه للقراء (النتائج والثمرات) وما ربحته الجمعية وما خسرته؟

نذرت الجمعية نفسها، منذ تأسيسها، للتصدي لكل أنواع التحدي، ذلك أن من خصائص جمعية العلماء، حماية المقومات والثوابت الوطنية، وبالمقابل، التصدي بالمواجهة لكل ما من شأنه أن يمس بهذه الثوابت.

ولئن كانت المعركة ضد الاستعمار الفرنسي الغاشم واضحة المظالم، محددة المعالم، فإما عزة وطنية وإما خيانة وانهزامية، فإن معركة اليوم في جزائرنا المستقلة معقدة الأغوار، متعددة الأشرار مختلفة الأطوار.

لقد انقلبت المفاهيم وتعددت التعاليم، واختلط الزعيم بالزنيم، فامتدت الأقلام إلى المقدسات، والألسن إلى الثوابت والمقومات.

تعددت إذن جبهات المواجهة لتشمل كل أنواع المقاومة، فهناك من يشكك في انتمائنا، ومن يطعن في مبادئ علمائنا، ليضيف الزيت إلى طاحونة أعدائنا.

العدوان امتد ليشمل عقول البراءة فيفسد عليهم قواعد التربية، وأسانيد القراءة وأصبح السم يلقن لأطفالنا في قالب مناهج، وبذهنية العلماني المحاجج.

حُذفت البسملة من الكتاب، في انتظار الوصول إلى أم الكتاب. وقُزّم مُعامِل التربية الإسلامية في انتظار الإجهاز على باقي المواد، كالتاريخ وكل ما يمتُّ بصلة إلى الحضارة الوطنية الإسلامية، وامتدت الأيدي حتى إلى النشيد الوطني الذي كان ولا يزال من عوامل وحدتنا، فحذفت منه الفقرات، وقزمت العبارات، كما مُنع قيام التلاميذ للصلاة، فهل هناك أنكى من هذه التحديات؟

كان على الجمعية إذن أن تتصدى لهذا التوجه الخطير، ممثلا في زرع الانسلاب في عقل الطفل الصغير، ولقد أبلت جمعية العلماء في هذا التصدي البلاء الحسن، بهدم صومعة التَّشويه والتقبيح على ساكنيها، ولم يكن ذلك بالأمر اليسير، فقد ثارت ثائرة المناوئين للثوابت على الجمعية، فوجهوا إليها كل السهام، ونعتوها بأشنع وأقذع أصناف الاتهام، فما زاد الجمعية كل ذلك إلا ثباتا ورسوخا، لأنها مقتنعة بأن ما تقوم به من واجب هو من الإرضاء لله، ومن الوفاء لأحباء الله، من العلماء والشرفاء، والشهداء، وكللت –والحمد لله- جهودنا بالنجاح والفلاح.

على أن المعركة لم تتوقف عند حدود المساس بالبراءة، والقراءة، بل امتدت أيضا إلى الأسرة الجزائرية، بمحاولة التمكين للبغيّ والتشريع للدعيّ، وإسقاط حق الوليّ والارتماء في تحكيم القانون الأجنبيّ، كبديل لدستور الله والنبيّ صلى الله عليه وسلم.

وإن من نتائج جهود جمعية العلماء، الوعيَ بهذه الأزمات وأنواع الخلل، والعمل على إصلاحها. فالمنظومة التربوية، لا تزال قوية رغم الضربات التي وجهت إليها، والخلية الأسرية، لم تتزعزع ولم تتصدع والحمد لله، والانتماء الحضاري للإسلام هو اليوم أقوى من أي وقت مضى، وكل ذلك بفضل ما بذله المخلصون الجزائريون وفي طليعتهم علماء جمعية العلماء.

هذه إذن هي ثمار غرس الجمعية وما ربحت. أما الخسائر فلا وجود لها البتة؛ لأن الجمعية تحظى دوما بثقة شعبنا والتفافه حولها، وما بناء المدارس وتجهيز القوافل التضامنية باسم الجمعية، إلا خير شاهد على ذلك.

هل من الممكن أن نقول إنَّ السلفيين هم ممن يُحتَسبون كخصوم؟ أم إن الجمعية تعتبر نفسها خيمة لجميع الجزائريين والجزائريات، ولا شأن لها بالحزازات، والخصومات المذهبية؟ نرجو توضيح ذلك بدقة.

إن من نكد الدنيا، على المرء في جمعية العلماء أن يصنف من يقدم نفسه كسلفي ضمن خصوم الجمعية، فمـتى كانت الجمعية خارج المنهج السلفي الصحيح، حتى يسلط عليها أتباع المذهب السلفي المزيف؟ إنّنـا هنا نتمثل بقول الشاعر العربي:

وإخوان حسبتهم دروعا فكانوها ولكن للأعادي

وخلتهم سهاما صائبات فكانوها ولكن في فؤادي

هذه المفاهيم الملغومة، هي سبب ما نعانيه في جمعية العلماء من عداء، ومن جفاء، والحال أننا لا نضيق بالاختلاف في الفقه أبدا، فنحن مع التعايش المذهبي، والدليل أن الرئيس الشرفي للجمعية إباضي إصلاحي ضليع في الميدان وهو الأستاذ بلحاج شريفي –حفظه الله- كما أن للجمعية أتباعا من الإباضيين في غرداية وفي غيرها من الولايات.

وثالثا، أن جمعية العلماء تربطها علاقات وطيدة، مع الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، وهو فسيفسائي المذاهب، كما تربطنا علاقات الاحترام والتسامح بالإخوة الشيعة، كل هذا يدل على أن الجمعية، هي الخيمة الكبيرة التي يأوي إليها الجميع، ولا تضيق إلا بالشاذ الذي يدين بالولاء للخارج.

هل أنت راض عن أداء الجمعية على مدار الأعوام الماضية؟ وماذا حققت بتقديرك على وجه الإجمال؟

إن من الإنصاف أن نترك الحكم في هذا الموضوع للمؤرخين المنصفين ليحكموا على أداء الجمعية، فتلك آثارنا تدل علينا، لكن حسبنا أن نشير إلى ما يسلِّم به الجميع، ومن ذلك على سبيل الإجمال لا الحصر:

1-   انتشار الجمعية على مستوى جميع الولايات؛ من حيث الهيكلة والتنظيم.

2-   بناء المدارس والكتاتيب القرآنية في كل الولايات والبلديات.

3-   حضور الجمعية في كل المناسبات الدينية والوطنية، بإقامة الأنشطة المتنوعة النافعة.

4-   مواقف الجمعية من جميع القضايا السياسية والثقافية والاجتماعية؛ سواء داخل الوطن أم خارجه.

5-   إشراك الجمعية على الصعيد الوطني في كل ما يتصل بقضايا الوطن، وعلى الصعيد الدولي في كل ما يمس مصير العالم الإسلامي كالقضايا العادلة، وقضية التطبيع، وقضية التضييق على العلماء إلخ.

6-   تسيير قوافل الإغاثة إلى غزة والروهينغيا والصحراء الغربية وليبيا.

7-   إقامة الجمعية عشرات إن لم نقل مئات من الملتقيات الدولية والوطنية، والندوات، والورشات، والأيام الدراسية على مستوى القطر، في كل عام.

8-   إصدار الجمعية عديد المطبوعات والمجلات الناجحة، ورقية كانت أو إلكترونية.

ما هي الأهداف القريبة والمتوسطة للجمعية في إطار قيادتكم الحالية لها؟

هناك طموحات كثيرة نطمح إلى تحقيقها في المدى القريب، ومنها إحداث المؤسسات النموذجية التي تكون مثالا لتكوين الجيل الصالح، النافع لوطنه ولأمته، وللإنسانية قاطبة، بحيث نطمئن على أن من يتخرج من هذه المؤسسات سيكون مُحَصَّنا ضد كل أوبئة داء فقد المناعة الصحية والعقلية والإيديولوجية.

أما على المدى المتوسط، فنأمل أن تصبح الجمعية هي المرجعية الدينية الحقيقية في الجزائر، بحيث تجمع كل الفئات الفاعلة في الوطن، مع استقلالية كل فئة بتنظيمها وتسييرها.

وبذلك نضمن استقلالية الجزائريين والجزائريات في فتاواهم وتوجيهاتهم الدينية عن أيّ اتباعية.

كلمة أخيرة

إذا كانت لنا من كلمة نختم بها هذا الحوار فهو أن نقول بأنه من العار على الجزائر بعد عشرات السنين من الاستقلال، أن تبقى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في المقر المزري الذي توجد به، الذي ضاق اليوم عن استيعاب أنشطتها، ولم تُجدِ المساعي والاتصالات، والمطالب التي قدمناها لمختلف المسؤولين المتعاقبين، وعلى جميع المستويات.

ونود أن نشرك في هذا أغنياءنا من المحسنين الذين نأمل أن يسهموا هم أيضا في هذا الجهد حتى تكون الجمعية في المقر اللائق بها، فيساعدها ذلك على أداء رسالتها الإسلامية الطموحة على أحسن وجه، والله لا يضيع أجر المحسنين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • حماده

    للأسف الكلام في واد والواقع في واد آخر والجمعية اليوم ليست كالجمعية أمس جمعية ابن باديس والابراهمي والشهيد العربي التبسي و غيرهم من العلماء الدعاة الأفذاذ الذين كانوا يحاربون الشرك والزرد (عبادة الأضرحة) والخرافات والجهل . أما اليوم فالجمعية أشبه بالحزب السياسي منها إلى جمعية دعوية علمية !
    أما إدعاء السلفية لك أو لغيرك أو لي فالعبرة بالعمل وليس القول فكما قال الشاعر:
    وكل يدّعي وصلا بليلى*** وليلى لا تقر لهم بذاك.