-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق العربي" تنقلكم في رحلة صيد بشواطئ "باينام"

الجنون المباح  في مغازلة عمق البحر

صالح عزوز
  • 1523
  • 2

بين من اتخذها حرفة وبين من يراها مجرد هواية، تتلاقى كل يوم الكثير من القوارب في البحر من أجل التمتع بصيد الأسماك، الذي أصبح إدمانا عند الكثير من الأشخاص، فهو يعلم الصبر والانتظار، وكذلك الوقوف على ثروة سمكية هائلة من كل الأنواع، لو لم تفسد الكثير منها يد البشر، مساحات زرقاء صافية لوثتها القمامات التي تنتشر في كل مكان، لكن وبرغم هذا مازال هذا الكنز البحري موجودا في الجزائر، كانت لنا فرصة ملامسة العمق عن قرب، في جولة سياحية لا تباع ولا تشترى بالمال.

للوقوف عن قرب على صيد السمك، كان واجبا علينا التنقل إلى الشواطئ، والحضور رفقة من فتنتهم زينة البحر والجلوس إليهم والذهاب معهم في رحلة اكتشاف لهذا العالم، كانت وجهتنا شاطئ “باينام”، شاطئ ما إن تحط قدميك عليه، أول ما يلفت نظرك تلك القوارب الصغيرة من كل الأحجام وهي مستلقية جنبا إلى جنب، وكأنها تقص لبعضها أنينها وقسوة البحر عليها، تروي أوجاعها في صمت، وآثار المد والجزر يظهر على جوانبها في خطوط طول ودوائر عرض، وكأنها تنزف كحال من يسيل دما جراء ضرب السياط وقوة الجلاد، غير أن حبيبات الرمل مسحتها مع مرور الوقت وما بقي إلا الأثر يظهر عليها، كما يخيل لك وهي في تلك الوضعية، أنها كحال شخص نجا من البحر لتوه من غرق أكيد وهو مستلقي على بطنه، يلتفت بصعوبة إلى البحر من خلفه من شدة تعبه، ربما تمد إليه الأمواج يدها مرة ثانية فتخطفه.

مازحنا “الوناس” قائد هذه الرحلة قائلا: “لا تخفي أو تفتخر بما تناولته في وجبة الغداء، لأنه بعد قليل سوف ينكشف أمرك، خاصة ممن لديه دوار البحر، فحين يتوقف القارب سوف يهزك الدوار بقوة فيخرج كل ما في بطنك عنوة”.

كانت الساعة تشير إلى تمام الثانية والنصف، حين وضعنا القدم الثانية في القارب الصغير ونحن نلبس سترة الإنقاذ للاحتياط، فالبحر صامت وإذا نطق سوف يحرك كل من حوله كما قال “أمالو” المرشد الثاني على القارب، متجهين إلى المجهول، لكن الرفقة التي كانت معنا تعرف جيدا الوجهة وما تحمله من مفاجآت، بدأ الزحف إلى الأمام على وقع صوت محرك صغير بعد ما جهز بالبنزين المطلوب لإتمام هذه الرحلة، يدور بالقوة من أجل التغلب على أمواج صغيرة، إلا أنها ورثت العنف عن الكبيرة منها، تركنا اليابسة وانتقلنا ببطء إلى تضاريس أخرى، تتشابه على مد البصر، وهي عبارة عن مساحة زرقاء تعلو وتنزل مرة أخرى في حركات آلية، وكأنها تشد بعضها البعض من الخصر وتتراقص على أنغام صامتة لا تسمعها إلا هي، أما نحن فبقينا ندعو الله، على أن يجذبنا حبل سرتنا إلى أهلنا سالمين بعد هذه الرحلة.

أول ما يخطر ببالك وأنت فوق هذه المساحة الصغيرة من الخشب، تلك الجماعات من الشباب المساكين، الذين اختاروا هذه الآلة للهروب من واقعهم في الجزائر، والبحث عن حياة أفضل وراء البحر، وتدرك في هذه اللحظة، أن الكرب أعظم حين يرمي الواحد منهم روحه فوق قارب صغير مثل هذا، فدية للثروة وشقراوات أوروبا، ومن يبرر هذا الفعل يجب أن يكون له الحجة البالغة، كيف لا وهو بين أنياب ظلمة الليل وجبروت البحر. كما أنك تستحضر في لحظة قصيرة، كل الأفلام التي شاهدتها عن القرش وكيف يمزق الأجساد والأحشاء، غير أنك تبتسم بداخلك، لأنك في آمان.

غرقنا في هذا التفكير، ولما التفتنا إلى الخلف، أصبحت عمارات ومنازل مدينة “باينام” عبارة عن مجموعة من علب صغيرة من الكارتون لا تكاد تفرق الفاصل بينها.

..وتبدأ عملية التسخين “تسخين البوصت” في قاموس الصيادين

هي عملية تقوم على تحديد المكان الذي يتوفر فيه السمك بمختلف الأنواع، أماكن يحددها أهل الخبرة في هذا المجال عن طريق أدوات من الطبيعة على غرار الصخور أو “الروشيات” تغنيك عن استعمال البوصلة أو آلة تحديد المكان، طريقة عجيبة تعطيك القياس المحدد، فربما تجد الأسماك في مكان أنت فيه، ولو تحركت مترا واحدا يمينا أو شمالا لن تجدها، ثم يقوم الصيادون برمي خيط الصيد الذي يختلف في السمك من 5 أو 20 أو 45 سنتيم، أو شبكة معلقة فيها “الطعم”، الذي يكون في الغالب “سريدين” أو “كروفات”، لكن أغلبهم يفضل الصيد بالسردين الصغير، لأنه ينشر الرائحة أكثر من السمك الآخر، فيكون الحظ أكبر في الصيد وتجمع الأسماك في هذا المكان.

تقنيات الصيد لا يعرفها الإنسان العادي

لا تظن أنك بمجرد رميك لخيط أو شبكة صيد، أنك أصبحت صائدا محترفا للأسماك، فهناك تقنيات وخطوات خاصة ودقيقة يقوم بها المحترفون في هذا المجال، لا يعرفها الإنسان العادي، فترى المختص في هذا المجال، يسترق السمع إلى أصوات ربما تكون على عمق 30 مترا تحت الماء، بل يعرف اللحظة التي أكلت السمكة طعمها أو لمسته فقط، وعند القبض عليها يعرف هذا من خلال الدقات السريعة أو الطرق الخفيف المتواصل وكأن السمكة تقول له لقد أمسكتني، وهو يشدها إلى الأعلى برفق، و أكثر من هذا أنه وقبل خروجها من الماء يكون قد عرف نوعها وحجمها دون حتى النظر إليها.

أروقة الصيد تحدد نوعية السمك

يضم البحر كل أنواع الأسماك وهو ما يعرفه العامة من الناس، غير أن الاختصاصيين في هذه المهنة يعرفون عناوين كل نوع من السمك إذا صح القول، فكل نوع منها يدور في قسم خاص به، وعندما يخرج الصياد للصيد، يختار نوع السمك الذي يريد صيده انطلاقا من هذه التجزئة.

التيارات البحرية وحكايتها مع السمك

تتجاذب التيارات البحرية فيما بينها فيجتمع الشرقي والجنوبي على الغربي والشمالي، وهي من الظواهر التي تؤثر على عملية الصيد، بحيث كلما كانت هذه التيارات قوية كلما نقصت كمية تواجد السمك في هذه الأماكن، وهي من الأمور التي أصبحت معروفة عند الصيادين، فهم يدركون تمام الإدراك أن كل يوم له ميزته في الصيد، أما أيام التيارات البحرية القوية فهي تؤثر بشكل كبير على هذه العملية، والمحظوظ من رزقه الله في هذه الحالات بكنوز البحر.

أنواع الصيد المختلفة بما فيها المحرمة

تصادفنا في هذه الجولة مع الكثير من القوارب التي تتبع الأسماك في الأعماق، غير أن طريقة الصيد تختلف من شخص لآخر، وإن كان البعض منها وسيلة للقضاء على هذه الثروة البحرية الثمينة، وليست وسيلة للصيد في غياب الرقابة عليها، ولعل من بين أنواع الصيد الذي يقضي على الثروة السمكية هي ما يعرف بطريقة السحب أو ما يعرف عند الصيادين بـ”الكركار”، فعندما يقوم بها الشخص في غير مواسمها والإكثار منها، تؤدي إلى تهديم أعشاش السمك، والصخور التي يتربى بينها، تدفعه بذلك للهجرة إلى مناطق أخرى.

 طريقة الشبكة المضيئة

طريقة يستعملها الصيادون لصيد سمك رفيع الثمن وهو ما يعرف بـ”صبادو”، تقوم على نصب الشبكة معاكسة للتيار البحريـ فلو وضعتها مقابله، لجمعت لك ماعدا الأكياس والقمامات، تعلق فيها الأضواء من مختلف الألوان، لجلب هذا النوع من السمك.

طريقة “لا تران”

تستعمل في هذه الطريقة سمكة مضيئة لها صنارة أو أكثر معلقة على جوانبها، تعمر بالطعم وترمى إلى العمق على طول 25 مترا أو أكثر وراء القارب ويسير ببطء، تستعمل خاصة في الليل من أجل اصطياد سمك “كالامار” أو “باراكودا”.

تركنا البحر بعد ما أخذنا الوقت ولم نكد ننتهي إلا وقد حل الظلام، ورجعنا على حكاية الجن والمس في البحر، وما يروى عن ظهور قرش في وقت مضى، وعلى أصوات غريبة تصعد من العمق، وكذلك عن صيد المجوهرات من زينة النساء خلال فصل الصيف، وحين لامسنا اليابسة، بدأت رائحة القمامة تنتشر، في ليلة باردة بدأت تسدل ستارها على البحر، الذي تزين بلون ذهبي من السماء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • kamil

    كلام زائد في السطر 33 لا أساس له من الصحة = يرمي الواحد منهم روحه فوق قارب صغير مثل هذا، فدية للثروة وشقراوات أوروبا
    و من قال أن الحراقة يذهبون لذلك ؛ الحقيقة هي أنهم يذهبون من أجل حياة كريمة هربا من الحقرة و الذل و الإقصاء

  • Bela

    انا البحر في أحشائه الدر كامن ... فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
    قالها حافظ إبراهيم للعربية، وأنا أقولها للمقال المتزن لغويا وللبحر أيضا