-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجوسسة العلمية: رعب في موسكو!

الجوسسة العلمية: رعب في موسكو!
أرشيف

لا يمكن أن ينكر تقدمَ البحث العلمي في روسيا قبل الثورة البلشيفية، وبعدها، وكذا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي إلا جاهل أو جاحد. ومع ذلك، أصدرت وزارة البحث والتعليم العالي الروسية قبل أيام مرسوما يتضمن سلسلة من القيود والمحظورات تتعلق بالاتصالات بين الباحثين الروس وزملائهم في الخارج. وبررت الوزارة قرارها بالرغبة في تقنين وتنظيم نمط التعاون الجامعي بين روسيا والعالم. ويرى الكثير من المتتبعين أن هذا الإجراء أشبه بما كان ساريا في عصر “الستار الحديدي” الذي عرفه المعسكر الاشتراكي في عهد الزعيمين السوفييتيين ستالين وخروتشيف.

مضايقات لا تُطاق

أثار هذا المرسوم الكثير من الجدل داخل روسيا وخارجها. ولعل العنوان الذي جاءت تحته التعليمات وطوله يكفيان لتوضيح رغبة السلطات الروسية في هذا الموضوع. ها هو نص عنوان المرسوم : “حول اعتماد توصيات موجهة للمعاهد والهيئات الواقعة تحت وصاية وزارة البحث والتعليم العالي الروسية، بخصوص العلاقات مع المؤسسات العمومية الأجنبية والمنظمات الدولية والأجنبية، وكذلك بخصوص استقبال الأجانب في رحابها”! والواقع أن المرسوم تم توقيعه في فيفري 2019، وبعد ذلك صدر في شكل مذكرة موجهة للمؤسسات الجامعية في جويلية الماضي، والآن تم بثّه على نطاق واسع.
يقضي المرسوم بأن يقوم الباحثون الروس بإبلاغ المصالح الإدارية في معاهدهم بأي اجتماعات بين الأكاديميين الروس وزملائهم الأجانب، وذلك قبل 5 أيام على الأقل من اللقاءات المزمع عقدها. وفضلا عن ذلك يتعيّن أن يكون في كل اجتماع من هذا القبيل باحثان روسيان اثنان على الأقل… تماما كما كان الحال في عهد “الستار الحديدي”!

وليس هذا فحسب، بل يلزم المرسومُ المعنيين بأن تصل الوزارة قائمة بجميع أسماء المشاركين في مثل هذه اللقاءات. وتذهب التعليمات إلى أبعد من ذلك حيث تطلب الحصول على إذن خاص من إدارة الجامعة لأي مواعيد غير رسمية مبرمجة بين الباحثين الروس والأجانب خارج أوقات العمل. وإثر تلك الاجتماعات، لا بد أن تُقدم تقارير حول ما جرى في اللقاءات مرفقة بصور لجوازات سفر الباحثين الحاضرين! ويعقّب بعض المتهكمين الروس بالقول أنه -وفق هذه التعليمات- إذا أراد أحد الباحثين الروس تناول الشاي مع زائر أجنبي فلا بد أن يطلب الإذن من مدير المعهد، وأن يكتب تقريرا بعد تناوله ذلك الشاي يصف فيه كيف تم ذلك!
يمنع أيضا هذا المرسوم الزوار الجامعيين العاملين في الخارج -سواء كانوا يحملون الجنسية الروسية أو غيرها من الجنسيات- استخدام الأجهزة الإلكترونية لنسخ أو تسجيل المعلومات داخل معاهد البحث… باستثناء ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها روسيا. كما طالب بتكثيف الرقابة على الزوار الأجانب والحدّ من تواجدهم داخل مباني معاهد البحث. وتأمر هذه الوثيقة إدارات المؤسسات الجامعية في روسيا بتطبيق هذه التعليمات وأن تعتبرها من قوانينها الداخلية.
ويوصي المرسوم بأن تعطى فترة أطول لمصالح مراقبة الأجانب حينما يريدون دخول المعاهد. فحتى الساعات تعتبر من التجهيزات الإلكترونية التي ينبغي مراقبتها. وهذا ما دفع باحثين روس إلى التنديد كتابيا بهذا الوضع معتبرين أنه أفضى إلى وضع عبثي وغير واقعي متسائلين : ما العمل إذا ما أقيم في جامعة من الجامعات مؤتمر كثر فيه الأجانب؟ هل ينبغي حجز هواتف وساعات جميع هؤلاء؟ ولهذا هناك حركة احتجاجية وسط الباحثين الروس تطالب بالعدول عن هذه المضايقات.

تبرير السلطات

ولذا نجد الباحثين الروس في حيرة من أمرهم، وكثير منهم ينددون بهذه الإجراءات معتبرين أنه سينشأ عنها جو من العزلة سيعاني منها البحث العلمي والتكنولوجي في البلاد، وسيتضرر جراء ذلك إنتاجهم العلمي. بل هناك من يرى أن الوضع سيؤدي، إن طال مداه، إلى كارثة تلحق الضرر بمكانة روسيا في مجال البحث العلمي.
وفي هذا السياق يشير نائب رئيس أكاديمية العلوم الروسية، ألكسي خوخلوف، إلى أن هذه التوصيات تتعارض مع الأهداف الإستراتيجية التي سطرتها السلطات والتي تدعو إلى جلب المزيد من الطلبة الأجانب نحو الجامعات الروسية وإلى العمل على تسهيل توظيفهم في روسيا.
أما المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بوسكوف، فقد عقّب عن هذه الإجراءات في منتصف شهر أوت أمام الصحفيين بالتأكيد على أن أعمال الباحثين ورجال العلم في روسيا هي تحت عين الجوسسة العلمية والصناعية الأجنبية المكثفة على مدار الساعة (مؤكدا قوله بالعبارة : “24 على 24 و 7 على 7”)، ومضيفا أن هذه الجوسسة الخطيرة تستهدف العلماء الروس، ولا سيما الشباب.
وواصل المتحدث باسم الرئيس بوتين أن هذا ما يُلزم روسيا أن تكون يقظة إذ أن مصالح الجوسسة الأجنبية في حالة استنفار إزاء البلاد. لكن بعض الباحثين داخل روسيا يلاحظون أن أنماط المراقبة القديمة البالية بدأت شيئا فشيئا تطغى في المؤسسات الأكاديمية منذ سنوات، وليست وليدة اليوم… وربما هذا ما يبرر الحكم على عديد الباحثين في روسيا بالخيانة العظمى وبالجوسسة خلال السنوات الأخيرة في قضايا غير واضحة المعالم.

ما سبب هذا الرعب؟

يربط البعض هذا التوجس لدى السلطات الروسية ببعض الكوارث التي وقعت خلال هذا الصيف بوجه خاص. ولعل أبرزها ما حدث في فاتح جويلية حين انفجرت غواصة عسكرية تعمل في مجال البحث العلمي وراح ضحيتها 14 غواصا، يقال إنهم من العلماء الباحثين. وقد تكتم الروس عن أسباب الكارثة مبررين ذلك بأن هذا الموضوع ليس موضوعا عاما بل يندرج في صنف أسرار الدولة.
كما وقع انفجار آخر في قاعدة عسكرية شمال روسيا يوم 8 أوت الماضي، والقاعدة تأوي في الحقيقة مركز أبحاث نووية. وتسبب الانفجار في مقتل 5 باحثين على الأقل. هذا ما صرحت به السلطات الروسية معتبرة هنا أيضا بأن الأمر يتعلق بأسرار عسكرية لا يجوز الإدلاء بها.
ومن جهة أخرى، هناك موضوع بحث مكثف في روسيا منذ مدة يستنفر القوى العظمى الغربية، وهو صناعة صاروخ نووي الدفع الذي يعتبره المختصون بمثابة اختراع “محرك أبدي” على درجة كبيرة من الخطورة. ويعتقد بعض المتتبعين الغربيين أن البحوث والتجارب الروسية حول هذا المحرك قد بلغت منتهاها، مما يثير قلقا كبيرا عند الغرب.
فما الذي يجعل القيادة الروسية تتخذ هذه الإجراءات الغريبة في مجال مراقبة الباحثين في البلاد وتضييق الخناق -عليهم وعلى ضيوفهم الأجانب- بشكل يعيق أعمالهم ونشاطاتهم وتعاونهم؟ لا شك أن الأيام المقبلة ستكشف هذا السر!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • HOCINE HECHAICHI

    لابد أن هذه الإجراءات تخص، في المقام الأول ،الباحثين من "العالم الثالث" مثل الهند والصين وخاصة العالم الإسلامي (إيران مثلا) ( العرب غير معنيين لأن همهم عندما يسافر ون إلى روسيا هو الفودكا وديافوشكات) أما بالنسبة "لجوسسة الغرب" وخاصة إسرائيل فهذه الإجراءات لن تغير من الأمر شيئا لأن الأسرار العلمية والتكنولوجية بل وفي كامل المجالات في يد اليهود الروس اي انها تنقل من المصدر مباشرة

  • dzvivadz

    À bord de la Station spatiale internationale, le robot Fedor a publié un tweet avec une vidéo de ses manipulations avec une perceuse et une serviette, filmées par ses propres caméras. Les séquences sont accompagnées d’une légende rédigée par cet androïde.

  • صالح بوقدير

    ربما اجراء أملته الضرورة لأن الانظمة الديكتاتورية شعوبها غير محصنة من الاختراقات وهي لذلك تحاول كبح الاختراق بواسطة القبضة الحديدية فلماذا لاتخشى الانظمة الديموقراطية اختراق شعوبها؟ لان شعوبها محصنة لانهاهي التي تمارس الحكم والثقة تامة بين الحاكم والمحكوم وهي الغائبة في الانظمة الديكتاتورية اذن فالديكتاتورية شؤم على الحاكم والمحكوم وعلى البلد

  • algerien

    En lisant l'article, j'ai constaté que l'auteur a choisit son camp (en faveur de la communauté scientifique), alors que peut etre il n'a pas toutes les données du pourquoi d'une telle décision (surtout qu'elle émane de la presidence de la Russie). On a tendances toujours à diaboliser les russes mais ils sont les seuls qui tiennent toujours tete aux américains.

  • مروان مثانة

    أشكر الفيلسوف المفكر الفذّ كريم مازوني على مساهمته العلميّة آلقيّمة و تحليله البديع في إطار تعقيبه على مقال الأستاذ سعد الله و ندعو له بمزيد من النجاحات و مزيد من المجد. هذا هو الفكر و لا بطلنا!!! و يدّعي المغرضون أن التعليم فاشل في الخزائر و الرئيس بوتفليقة شفاه الله كذا و كذا!!!

  • كريم مازوني

    الغرب والروس والصينيين واليابان وكوريا تفننوا في العلم والتكنولوجيا وتقدموا وتطوروا
    والعرب والاعراب والعربان تفننوا في القتل والتدمير والتكفير والرقص والخمر والجنس والمجون