-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجيش والشعب.. هل من مزيد؟

الجيش والشعب.. هل من مزيد؟
ح.م

لا يختلف اثنان على أنّ تناغم الحراك الشعبي في الجزائر مع الإرادة الظاهرة للمؤسسة العسكريّة في تحقيق مطالب الجزائريين، قد أمّن حتى الآن مسار الاحتجاجات المتواصلة منذ 12 أسبوعًا، وعجّل بسقوط رؤوس العصابة والفساد، بعدما أجهض مخطّطات العهدة الخامسة والتمديد تحت غطاء التأجيل، كما جنّب البلاد جحيم الفوضى التي هندستها القوى غير الدستوريّة، وبذلك صار تلاحم الشعب مع الجيش تحت شعار “خاوة خاوة”، من أهمّ المكاسب الاستراتيجيّة التي وجب تعزيزها والبناء عليها، من خلال تقوية التصوّرات المشترَكة وتقليص مساحات الاختلاف إلى أقصى حدّ ممكن، لأنها الضمانة الوحيدة في تأمين المستقبل، أمّا محاولات فرض الرأي من أيّ طرف، بمنطق التعنّت والمغالبة، فإنّها ستؤدي حتمًا إلى حالةٍ من التصادم المادّي أو المعنوي على الأقلّ، لن تخدم مصلحة الوطن، ولا نشكّ لحظة في حرص الجميع على تفاديها.

أيامٌ قليلة تفصلنا عن نهاية الآجال المقرّرة لإيداع ملفّات الترشح للاستحقاق الرئاسي المزمع في الرابع جويلية القادم، في وقت تؤشّر كل المعطيات أنّ إجراء الانتخابات في الموعد المحدّد سيكون مهمّة شبه مستحيلة، ما يعني أنّ الجزائر مقبلة على الفراغ الدستوري الإجباري بانقضاء مدّة 90 يومًا الممنوحة لرئيس الدولة في تسيير شؤون البلاد، بكلّ ما ينجرُّ عن ذلك من مخاطر داخليّة وتهديدات إقليميّة ودوليّة، ستجد فرصتها السانحة في هشاشة الوضع الانتقالي، لا قدّر الله، للابتزاز في ثروات البلد وموارده وحتّى سيادة قراره ومواقفه الخارجيّة، وتصفية حساباتها التاريخيّة.

لم يُعد هناك إذن من مخرج أمام تعقيدات الوضع الراهن سوى التقارب بين مؤسسة الجيش والشعب حول الحلول المتبقية في الوقت بدل الضائع الآن، بما يطمئن الجزائريين على تجسيد إرادتهم الانتخابية بكل شفافيّة، تمنحهم حقّ الاختيار بكل سيادة لرئيسهم الجديد، مع الحفاظ قدر المستطاع على الأشكال الدستوريّة.

يجب الاتفاق أوّلا على أن الإشكالية الأساسيّة في جوهرها، لا تتعلّق بذهاب الأشخاص من عدمه، إلّا بقدر علاقتهم برسم مستقبلنا وتأثيرهم فيه عمليّا، وفي حال توفّرت ضمانات فعليّة لتأمين الانتخابات، فإنّ ذلك سيكون مقدّمة ضروريّة للخروج من المأزق، ليُصبح في تقديرنا التركيز عليها من علامات الوعي السياسي والبراغماتيّة في إدارة التدافع الثوري، بدل استنزاف الجهد والوقت في الدوران حول حلقة مفرغة، قد يفضي إلى وأد الحراك في منتصف الطريق.

ومع العدّ التنازلي للمحطّة الرئاسيّة التي لم يتبقّ عنها سوى 50 يومًا، فإنّ ميلاد تلك اللجنة العليا التي ستخوّل بتنظيم الانتخابات النزيهة أضحى غير متوقّع تمامًا، لأنّ ملامحها التركيبيّة والقانونيّة والتنظيمية لم تظهر حتّى الآن، والأمر مرهون بحوار وطني جامع، لم نتمكّن بعدُ من تهيئة الأرضيّة المناسبة للشروع في جولاته، ما يضعنا قريبًا، وبشكل إلزامي، أمام زحزحة تاريخ الاستحقاق الانتخابي إلى إشعار آخر.

إنّ الخطوة المطلوبة آنيًّا من السلطة الفعليّة والمتأخّرة منذ استقالة الرئيس بوتفليقة، هي إبعاد الوزير الأوّل الحالي وتعيين شخصيّة توافقيّة مع بعض الوزراء الثقاة في الدوائر الحكوميّة المتّصلة بعمليّة الاقتراع، كعربون طمأنة فقط للشارع، وقطع الطريق أمام المشكّكين في النيّات، بهدف كسب المزيد من الثقة في جدوى الانتخابات كآليّة وحيدة لأجل التغيير السلس، رغم قناعتنا الراسخة أنّ الرهان الفعلي يتعلّق بصدق الإرادة العُليا في تكريس الانتقال الديمقراطي مهما اختلفت الإجراءات وتعدّدت التدابير.

نحن نعيش الأيّام الأخيرة والحاسمة، وإذا لم نصل إلى تنازلات متبادلة، فإنّنا نضع البلد على كفّ عفريت، ولن يجدي وقتها رمي المسؤوليّة على طرف دون آخر، لأنّ عبء المحنة سنتقاسمه معا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!