-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحاضر والمغيَّب في برنامج الحكومة

حبيب راشدين
  • 1096
  • 1
الحاضر والمغيَّب في برنامج الحكومة
ح.م

حكومة السيد جراد اجتازت أمس الأول اختبار الثقة أمام غرفة النواب، حتى وإن كان مستبعَدا حصول معارضة تذكر من أحزاب الأغلبية سابقا، وبقي لها انتزاعُ ثقة مالك السلطة الأصلي في المائة يوم القادمة، ليس بـ”الحركة من أجل الحركة” كما يعدنا رئيس الحكومة بخرجات ميدانية مكلفة للخزينة، ولا حتى بظهور أولى النتائج لبرنامج وصفه بعض النواب بـ”الطَّموح”، بل قد يكفينا منه تنوير الرأي العام بخطاب منهجي مبسط، وبلسان عربي مبين: كيف سيحرك المحركات الثلاثة التي اعتمدها لإخراج الاقتصاد من دائرة الأزمة والتبعية لعوائد المحروقات؟ ثم يصارحنا بالكلفة الحقيقية التي سوف ندفعها كثمن للإصلاحات التي يحتاجها الاقتصاد الجديد.

العنوان العريض الموجز لبرنامج الحكومة، لخَّصه السيد جراد في ثلاث جمل: تطوير الثروة البشرية بإصلاح التعليم في جميع أطواره، وبعث اقتصاد المعرفة، وإنجاز الانتقال الطاقوي نحو الطاقات البديلة، فصلت أمام النُّواب بلغةٍ، وصفها بعض النواب بـ”اللغة الإنشائية”، إذ تحاشت الخوض في التفاصيل والجواب على أسئلة: كيف؟ متى؟ وبأي تمويل لا يعيد إنتاج دائرة الاستدانة؟

ما كان معلوما للمختصِّين وحتى للعامة، أنه لم يكن لهذه الحكومة أن تخرج عن أحد الخيارين: البناء على ما هو قائم مع إصلاح العيوب ومَواطن الخلل والقصور، أو التعويل على رؤية جديدة، ومنعطف ثوري في الأهداف والغايات، كما في المنهجية والأدوات، التي تحتاج إلى انجاز ثورة في سلوك قادة الاقتصاد الجديد، كما في سلوك المجتمع ومقدار تقبُّله للتغيير وتحمُّل كلفه.

السيد جراد وكمنفِّذ للبرنامج الذي انتخِب عليه الرئيس، اختار الخيار الثاني الذي يحتاج أكثر من الإصلاح والترميم، إلى توفير شرطين مسبقين: توافق وطني واسع بين أغلب النخب على الخطوط العريضة للخيار، وتأمينه دستوريا من تقلبات التداول المستقبلي على مواقع صناعة القرار، والاستقرار السياسي الاجتماعي والأمني المطلوب على امتداد عقدين في الحد الأدنى.

من جهة التوافق، يكون رئيس الجمهورية قد وضعنا أمام “عقد إذعان” ليس من جهة اعتماد مسار البناء الجديد بدل الإصلاح والترميم، ولكن من جهة اختيار المحرِّكات الثلاثة لهذا الاقتصاد الجديد، التي تجاهلت إكراهات الاقتصاد القائم، ولم تتوقف عند معوقات التقسيم العالمي للعمل، وإلا ما كان برنامج الحكومة يراهن على “اقتصاد المعرفة” الذي لا نملك أدواته حتى ننجز ثورة المعرفة في المنظومة التعليمية، وننشئ له بنية اقتصادية حاضنة لهذه القفزة النوعية.

وعلى مستوى آخر يكون رئيس الحكومة قد وقع في سوء فهم لمصطلح “محرك الاقتصاد” الذي يراد به تركيز الموارد البشرية والمالية لقطاع أو أكثر يُعوِّل عليها لقطر مروحة واسعة من أنشطة الإنتاج والخدمات من المنبع إلى المصب، تستفيد من القاطرة وتخدمها، وتتقاسم معها فائض القيمة المسوق. وفي الجملة، فإن القاطرة التي ليس عليه خلاف في ما ورد في برنامج الحكومة هي قاطرة “الانتقال الطاقوي” نحو الطاقات المتجددة، على رأسها الطاقة الشمسية، التي تحتاج بالضرورة إلى قائمة واسعة من الصناعات والخدمات والإنشاءات القاعدية، تحيط بالمحرك من المنبع وحتى المصب، مع توجيه البوصلة في الحالة الجزائرية نحو الاستثمار في “الطاقة الحرارية” للطاقة الشمسية، كانت ولا تزال مغيَّبة في مشروع “ديزر تيك” الذي تستعدّ الحكومة لإحيائه، مع افتقاره في صيغته الأولى لفرص تحريك صناعات وخدمات توطَّن في الجزائر.

بقي أن نتوقف بقدر من الحيرة أمام استبعاد برنامج الحكومة لقطاع الفلاحة كمحرك قاعدي مُنتج وقاطر لصناعات وخدمات بلا حدود، تمتلك له البلد المساحة الكافية، وجودة التربة، وخزان ماء يعادل خمسين ألف مرة سد بني هرون، يمكن اللجوء إليه وبكثافة في مرحلةٍ انتقالية لتخليق طاقة إنتاجية تفوق في حدودها الدنيا عشر مرات “جنة كاليفورنيا” التي تصدِّر اليوم أكثر من 700 مليار دولار، وبرصد آفاق يزاوج فيها بين المحركات الثلاثة: الطاقة الشمسية الحرارية، ومنظومة صناعية واسعة لتحلية مياه البحر، تحوِّل الصحراء الكبرى إلى سلة غذائية لعالم لا كساد فيه للمنتج الغذائي، كما لا حدود فيه لتصدير منتج الطاقات البديلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • Salah

    كفيت ووفيت