-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحبل على الغارب!

الحبل على الغارب!
ح.م

تعامل الجزائريين مع فيروس كورونا في الفترة الأخيرة، يؤكد بأننا نعاني أزمة وعي أكثر من الأزمات الأخرى الصحية والاقتصادية، فالمواطن يفتي لنفسه في شؤونه الصحية من دون أي تردد، فيجازيها فردوسا من كل الطيِّبات، تارة، ويجلدها من دون أن تأخذه بها رأفة، تارة أخرى، فكما قرّر منذ عقود مُظلمة علاج أمراض مستعصية بالرقية والشعوذة وصار يقتني الأدوية بنفسه من دون استشارة الطبيب ولا الأخذ بنصيحة الصيدلي، ويرتوي إلى حدّ الثمالة من كل الخلطات، نجده الآن يخرق نصائح وإرشادات منظمات الصحة العالمية والمحلية والدوائر الطبية في كل مكان، بالانقلاب على الإجراءات الوقائية من تباعد اجتماعي ووضع الكمامة، واعتبار أيِّ إجراء تخفيفي من السلطة أو أرقام تنازلية في عدد الإصابات بفيروس كورونا، هو إعلانٌ عن نهاية الوباء، بالرغم من أن الفيروس مازال موجودا ومهدِّدا لحياة الناس في كل مكان، إصابة وموتا وتدميرا لكل شيء.

عودة الناس إلى المساجد والشواطئ والساحات العامة، هو ليس حفلة أو عودة مشتاق إلى قرّة عينه لممارسة ما لذَّ لقلبه وطاب من دون شروط صحية، وإنما تحدّي حضاري يتطلب يقظةً ووعيا، إما أن ننجح فيها كما فعلت الكثير من الدول التي فكّت قيود الفيروس المتشابكة، أو نبقى ندور في ذات الحلقة التي تجعلنا سجناء أرقام كورونا التي رفضت النزول، ولا نقول الانهيار.

تمضي الآن خمسة أشهر عجاف على دول العالم قضاها الناس في تتبع بورصة الموتى والمصابين وانهيار المعنويات والماديات، ومن حسن حظ الجزائر أن الخزينة برغم عقدين من الاختلاس والنهب بقي فيها ما يضمّد الجرح المالي العميق، وصار الخروج من الأزمة بقليل من الأضرار، مسألة حياة، ويجب على الجزائريين أن لا يحوّلوا عودتهم إلى المساجد لإقامة صلاة الجماعة ودعم ركن الإسلام، أو إلى الشواطئ لتطبيب خواطر أطفالهم وشحن معنوياتهم، مصيبة وبائية كما حدث مع أواخر رمضان ويومي عيد الفطر المبارك، عندما ساهموا في بعث موجة ثانية من الوباء كان ضحاياها بالمئات من الأهل والخلان.

كل المؤشرات توحي بأن فيروس كورونا فقد شراسته الشتوية التي قتل فيها وبها عشرات الآلاف في أوروبا، وبأنَّ موعد اللقاح أو الدواء صار قريبا، وكل المعطيات تشير إلى أن زمن كورونا بدأ يدخل كتب التاريخ، ويخرج من حاضر الناس، وهذا يكفي لأن يركّز الجزائريون بأكثر حيطة مثل متسابق المسافات المتوسطة، الذي يجد نفسه الأول في السباق، فيتشبَّث في “الفينيش” الأخير بمركزه الريادي ويزداد قوة وإرادة، حتى ينال مراده، ولا يكون مثل الذي يستسلم لليأس فيتوقف أو يُنهي سباقه بسرعة السلحفاة.

أقسى ما في الحروب أن نموت وهي على وشك أن تضع أوزارها، وأصعب ما في الجائحات أن يكون لها ضحايا، واللقاح على مرمى أيام معدودات أو عندما يحمل الفيروس حقائبه إلى حيث لا يعود.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • جبريل اللمعي

    على السلطة المخوَّلَة أن تدرس أسباب هذا العِناد الشعبي الذي يميل إلى "الغباء الجَمْعيّ" لأنه مسألةُ أمنٍ وطنيّ. أريد أن أُلفِت النظر إلى واحد من الأسباب الخَفيّة: المَهارة الحسابية (numeracy). قرأتُ يوما مقالا عِلميا يقول: كلما زادت مهارات التفكير الرياضي، زاد حُسن تقييم الفرد للمخاطر، وزاد انضباطُه بقوانين المُرور. أعتقد أنّ هذا لا يقتصر على قوانين المرور. إذا صدَقَ ظنّي، فواحِدٌ من الأسباب هو "الأمّيّة الرّياضيّة" التي تُشكّل بُعدا آخرَ لفَشَل التعليم عندنا. (لا نَنْسَ أنّنا نعني هنا متوسِّطَ المهارة عند الشعب كله، لا مهارةَ كلّ فردٍ على حِدَةٍ.)

  • سامي

    نحن نعاني من كرونا التعالم أكثر مما نعاني من الفيروس ذاته فكرونا التعالم يصيب العقول والأفكار فيشلها عن التفكير السليم الأمر الذي يؤدي الى قتل المجتمع بينما الفيروس يصيب الجسم وقد يقتل فرد أو عدة أفراد.فكرونا الأفكار أشد خطرا.