-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحجم الحقيقي للانتخابات القادمة

الحجم الحقيقي للانتخابات القادمة
ح.م

يتصور البعض أن الانتخابات الرئاسية القادمة هي نهاية مطاف، بل حتى نهاية التاريخ، في حين إنها ليست سوى محطة بإمكاننا أن نُعطيها القيمة التي نريد. وقيمتها اليوم ليست سوى في ما تمنعه عنا من العودة إلى الوراء أو الدخول في سيناريوهات لا أحد يستطيع التنبؤ بمآلاتها.

ويُخطئ مَن يعتقد أنها غير ذلك، كما يخطئ من يعتقد أنها ستكون كارثة الكوارث أكثر ممَّا كانت الانتخابات السابقة، وأن بعدها ستكون الفوضى العارمة أو يعمّ الطوفان…

لن يحدث لا هذا ولا ذاك في تقديري؛ ذلك أننا لم نصل بعد في بلادنا، إلى مرحلة تَحكُم الانتخابات فيها مسار الدولة إِنْ بالإيجاب أو السلب، بل قليلة هي الدول في العالم، إن لم تكن نادرة، تلك التي وصلت إلى مرحلة من التطور أصبحت الانتخابات فيها هي التي تَحكُم سياساتها الكلية وخياراتها الاستراتيجية.

الدول الليبرالية الكبرى تتحكم في مسارها المُركَّبات الضخمة المالية والعسكرية والإعلامية والدينية… وهي التي تتحكم في مسار الانتخابات، وليست الانتخابات في حد ذاتها (الولايات المتحدة خير نموذج)، والدول الصغرى المتقدمة تتحكم في الانتخابات فيها المؤسساتُ المجتمعية نتيجة غياب المركبات الضخمة وغياب هيمنة لمصالح الخارجية، وهي الأفضل على الإطلاق، فهناك يختار الشعب ضمن حدود واسعة حقيقة مَن يحكُمه (البلاد الإسكندنافية خير نموذج لذلك). أما بقية العالم وبدرجات مختلفة مرتبطة بطبيعة كل دولة، فإن الانتخابات وحدها لا تُغيِّر حُكْما بها أو تُؤسِّسُ لنظام جديد، بل غالبا ما كانت إما صورية بلا معنى لإضفاء الشرعية القانونية على مسار قائم، أو سببا في صراع دموي حول السلطة إن أرادت كسر ميزان القوة بين الشعب واللوبيات المالية والإيديولوجية القائمة (نموذج تسعينيات الجزائر أو مصر ما بعد 2011)…

لذلك علينا أن ننظر إلى الانتخابات القادمة في بلادنا من زاوية طرح السؤال الرئيسي والكبير: ما مدى قدرتنا على أن نجعل منها أداة لإصلاح الأوضاع نحو الأحسن؟ وما مدى قدرتنا على منعها من أن تتحول إلى ذِهان شعبي “بسيكوز” يعتقد الناس من خلاله أن ما بعدها ستكون الكارثة أو الخير العميم؟ أي أن ندفع باتجاه النظر إليها بصفتها محطة من محطات التطور الحاصل في المجتمع بإيجابياتها وسلبياتها، وبأنها محكومة بطبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد وبالتوازنات الاجتماعية- الاقتصادية التي تعرفها، وكذا بالتوازنات والصراعات الإقليمية والدولية المحيطة بالبلاد، أي أن نخرج من النظرة التبسيطية التي تجعل ما بعدها خيرا كلَّه أو شرا كلَّه، إلى النظرة الواقعية التي تجعل منها أداة مؤقتة كغيرها من الأدوات علينا أن نسعى للزيادة قدر الإمكان في إيجابياتها والتقليل من سلبياتها، من خلال التفكير المُعمَّق في أساليب تطوير المجتمع بغضِّ النظر عن ما سَتُسفر عنه من نتائج.

إننا بالفعل في حاجة إلى إعطائها حجمها الحقيقي من منظور الواقع الذي نعيش، بعيدا عن كل تهويل أو تهوين، وحجمها الحقيقي هي في أن نُمكّن أنفسنا من خلالها من اختيار رئيس تكون لديه القدرة على إدارة عهدة انتقالية يتم فيها التأسيسُ لقواعد عمل فعَّالة بإمكانها أن تسمح لنا بإقامة دولة الحق والعدل المأمولة التي تُمكِّننا من العيش في أمن وسلام بعيدا عن كل السيناريوهات غير الملائمة وأحيانا الكارثية التي يسعى أن يوقعنا فيها البعض عن جهل في كثير من الأحيان بطبيعة الانتخابات، وبطبيعة دورها في التغيير، وبطبيعة علاقتها بمختلف المؤسسات واللوبيات المحلية والدولية، وقبل ذلك بطبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • الشعب

    الانتخابات النظيفة عند النصارى و ليس عند المسلمين ..ويكفي من بيع الأوهام في عصر الفيسبوك.

  • مامون

    مرحلة وتمر كغيرها المهم اغتنامها لبناء دولة جزائرية لا يتحكم فيها هوى الحاكم ولكن من خلال اليات لتوجيه سياسته ان كانت غير سوية.

  • نمام

    وجوه تذكرنا فساد وتغول السلطة وان اقيل بعضهم الا انهم كانوا ينتظرون رنةهاتف وجوه ساهمت في ارساء النظام البوتفليقي ولا نظن بان السلطة بهذا الكرم و الغباء لتسلم السلطة الى من يهدد مصلحتها من اجل عيون الحراك وان يراهنون علىفشله كما في معظم الدول العربية من تحقيق ديمقرطية وحداثة وعدالة وانزلق بعضها نحو حروب اهليةليبيا اليمن سوريا نشتم منها كيد السياسة العالمية و الجهوية سوريا مثلا القضاء على الهلال الشيعي والعودة الى اصلاح بدون مشروع وذا ما تطمح له السلطة السياسية والثروة بادخال راس مال المرجح اسلامي الاسلام السياسي في تماثل بينهم بقشرة مدنية والهدف السطو على السلطة وتجنب الصدام وتضيع الفرص

  • محمد عربي

    كل الانتخابات الرئاسية مناسبة ( و فرصة ) لإعادة تشكيل الحياة السياسية من جديد. قد يصل الأمر الى حد تشكيل حزب على مقاس الرئيس الجديد. لنتذكر في هذا الشأن ما حدث في فرنسا بعد انتخاب ماكرون. و سيحدث نفس الشيء في تونس بعد انتخاب قيس سعيد. و لذلك أرى أن الانتخابات القادمة في بلدنا ستفضي إلى إحداث نوع من القطيعة مع الممارسات السائدة. فلا أظن صراحة أن رجلا مثل عبد المجيد تبون لو وصل إلى الرئاسة سيبقي على السلوكات التي طبعت أولا حزبه ثم الطبقة السياسية بصفة عامة و التي كان هو شخصيا ضحية لها بشكل من الأشكال. و لا أتحدث عن الجانب الاقتصادي. و كذلك الأمر بالنسبة للمترشحين الآخرين ( باستثناء ميهوبي)

  • alilao

    الى الوراء سر. يبدو لي أنك لم تقتنع بالمرشحين فأصبحت تقلل من أهمية الإنتخابات القادمة بعدما دعوت اليها وانتقدت معارضيها. هذا الموقفالمخالف لأرادة الشعب يحسب عيك .