-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحراك الشعبي.. رهانُ التمثيل ومغبة التدويل

الحراك الشعبي.. رهانُ التمثيل ومغبة التدويل
ح.م

إن تمثيل الحراك الشعبي رهانٌ لا محيص عنه، وخاصة بعد ميلاد ما يسمى “مجلس الثورة السلمية الجزائرية”Le Conseil de la révolution Pacifique Algérienne (CRPA) في بروكسل في الثلاثين من شهر أفريل 2019، المجلس الذي يدّعي مؤسسوه أنهم مدفوعون إليه بدافع الوطنية من أجل إنفاذ وإنقاذ مطالب الحراك في ظل استمرار ما يطلقون عليه “تعنت النظام وضبابية الأفق وغياب الحل”. إن تمثيل الحراك الشعبي في هذا الظرف رهانٌ لا محيص عنه، وهو – في اعتقادي – الحل الأسلم لحماية مطالب ومكاسب الحراك ضد دعاة التطبيل والتدويل الذين يختطفون الحراك من حيث يزعمون أنهم يهيِّئون له مسالك ومخارج آمنة.

ينبغي أن يتم تمثيلُ الحراك في إطار شعبي توافقي يتوَّج بتزكية شخصية أو شخصيات وطنية توافقية تحظى بالقبول الشعبي، وتمتلك الكفاءة وقوة الإرادة والمبادرة، ما يؤهِّلها لأن تكون طرفا في الحوار الوطني الذي لا بديل عنه، والذي يجب أن يجمع كل القوى الوطنية المؤمنة بنظرية التغيير وغير المتورطة في المؤامرة على الشعب والدولة الجزائرية. إن الحوار الوطني يعني جمع الجزائريين على كلمة سواء، ولا يعني – كما ذهب إلى ذلك بعض المخرفين من الإعلاميين والمحللين السياسيين – الالتفاف على مطالب الحراك أو القبول بمبدأ التنازل الذي قد يضيّع ويميّع هذه المطالب أو ينسفها أو يحوّر الحراك أو يحوّله عن وجهته وسيرته الأولى منذ الجمعة الأولى.

وينبغي أن لا يكون التمثيلُ وفق قواعد العشيرة الحزبية والسياسية ومعايير القبيلة الإيديولوجية، لأن هذه القواعد والمعايير هي التي وضعت الأمور في غير نصابها وهي التي ولَّدت الغضب الجزائري العام في صورة الحراك الشعبي العارم “حراك الجزائر العميقة ضد سياسة الدولة العميقة”.

كما ينبغي أن لا يخضع تمثيل الحراك لطموحات بعض المتعطشين للزعامة ممن يصرُّون على الظهور في القنوات الفضائية من غير تفويض شعبي، وخاصة أولئك الذين سكتوا دهرا ولبثوا في كهفهم عشرين سنة وازدادوا تسعا، ثم خرجوا علينا في صورة المُنقذين والمخلصين للشعب الجزائري.

ويجب أن لا يستثنى من التمثيل من ينظرون إلى الحراك بمنطق المغالبة لا بمنطق المواطنة أو من يتعاملون مع الآخرين حتى من داخل الحراك بعنترية مرفوضة مرحّلة من العصر الجاهلي ولا تعترف للمحالفين والمخالفين بحق التعبير وقيادة مسيرة التغيير.

وينبغي أن يستثنى من تمثيل الحراك من يمارسون الوشاية والنميمة ومن يفسدون الرابطة الوطنية أو يفرِّقون بين الجبهة الشعبية والمؤسسة العسكرية، أو من يستهويهم ركوبُ موجة التهويل والتضليل والتهليل لكل من يعادي الثوابت الدينية والوطنية أو من يسوقون ويسوغون الأفكار الانفصالية في جزائر الوحدة.

ويجب أن يستثنى من تمثيل الحراك من يقدّمون الولاء للحزب على الولاء للوطن أو من يرفعون شعار التغيير والرحيل وهم أولى -قبل غيرهم- بالتغيير والرحيل، أو من يمارسون النفاق السياسي ويتظاهرون بخدمة الوطن من شاكلة من اجتمعوا في “بروكسل” بحثا عن حل لأزمة جزائرية في أرض غريبة.

وينبغي أن يستثنى من تمثيل الحراك من يسعون لتدويل الحراك في صورة ثورة سلمية ملفوفة بتطلعات غير بريئة لنسجها على منوال النموذج العراقي أو النموذج الليبي، وليس أدلّ على ذلك من تسمية المجلس الذي أسسوه “مجلس الثورة السلمية الجزائرية”. إن هذا المجلس في نظري مجلسُ ضِرار يشكل خطرا على الحراك الشعبي وعلى المجتمع الجزائري بصفة عامة، لأنه غير نابع من وسط الحراك ولا يعبر عن إرادة الجموع التي خرجت في كل الربوع تحدوها إرادة تغيير النظام وليس إسقاط رمزية وهيبة ومؤسسات الدولة الجزائرية.

إن سعي ما يسمى “مجلس الثورة السلمية الجزائرية” لتدويل الحراك عملية غير بريئة قد تستغلها جهاتٌ عميلة ومعادية لتنفيذ مخطط التقسيم الذي يتبناه “برنار ليفي” ويباركه “فرحات مهني” تحت غطاء حماية الأمة من سطوة الدولة وحماية الشعب من سطوة الجيش. إن مجلس “بروكسل” يُراد منه زعزعة الرابطة الوطنية القوية بين الشعب الجزائري وجيشه، وبين الشعب الجزائري ومؤسساته.

إن سعي ما يسمى “مجلس الثورة السلمية الجزائرية” لتدويل الحراك الشعبي قياسا على تدويل القضية الجزائرية في زمن الاحتلال الفرنسي هو قياسٌ باطل، لأنه مؤسَّس على مقاربات خاطئة، وما أسِّس على باطل فهو باطل؛ فتدويل القضية الجزائرية في زمن الاحتلال الفرنسي كان الهدف منه تحرير الشعب الجزائري والإقليم الجزائري من براثن الاستعمار و”إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة في إطار المبادئ الإسلامية”. إن وضع الجزائر في زمن الاستعمار يختلف عن وضعها في زمن الاستقلال، فلسنا في زمن الاستقلال تحت حكم طغمة عسكرية حتى يأتي “مجلس بروكسل” ليحررنا منها ومن ممارساتها التعسفية، إن العالم كله والإعلام العربي والغربي يشهد بحالة التناغم والتلاحم بين الشعب والجيش في صورة بديعة رائعة تمثل الاستثناء الجزائري بامتياز مقارنة بما حدث في بلدان أخرى.

إن المجتمعين في “مجلس الثورة السلمية الجزائرية” لا يعرفون الحراك ولا يعرفهم الحراك ولم يفوِّضهم للحديث باسمه، ففي الحراك نخبةٌ واعية تتبع ما يمليه عليها الضميرُ الوطني ولا تتبع ما يُملى عليها أو يحرر ويقرر باسمها في “بروكسل” وغيرها، وهي تعدُّ كل من يدول حراكها جماعة من الرعاع تسعى لتقنين الفوضى وتكريس الضياع.

***********

ينبغي أن يتم تمثيلُ الحراك في إطار شعبي توافقي يتوَّج بتزكية شخصية أو شخصيات وطنية توافقية تحظى بالقبول الشعبي، وتمتلك الكفاءة وقوة الإرادة والمبادرة، ما يؤهِّلها لأن تكون طرفا في الحوار الوطني الذي لا بديل عنه، والذي يجب أن يجمع كل القوى الوطنية المؤمنة بنظرية التغيير وغير المتورطة في المؤامرة على الشعب والدولة الجزائرية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!