-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحرب لم تنته بعد

الحرب لم تنته بعد
ح.م

يعيش العالم منذ منتصف شهر جانفي، رعبا غير مسبوق، مرتبطا بالأرقام القياسية للإصابة وللموت بسبب فيروس كورونا، وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تسير بسرعة نحو رقم نصف مليون قتيل بالفيروس الغريب، فإن القوى الكبرى لم تتخلّف عن سباق الموت ومنها من أعلنت عجزها عن استقبال الحالات المستعجلة والمعقدة، كما زادت الدراسات الطبية التي صدرت في اليومين الأخيرين في العديد من المجلات العلمية عن مخاطر السلالة الثالثة وكيفية تدميرها للعديد من المنظومات النسيجية في جسم الإنسان من هضم ونسل وتفكير، ضاعفت من مخاوف الإنسانية من اقتراب موعد فنائها، وعلمت بأن ما أوتيت من علم وتكنولوجيا ومعارف على مدار قرون ما كان في حقيقته إلا قليلا.

المؤسف أن مظاهر عدم الالتزام بشروط الوقاية عادت بقوة في الجزائر منذ أن تراجعت الأرقام خلال أيام السنة الجديدة، والذي يتجول في أي مدينة جزائرية يجزم بأن الفيروس القاتل صار من الماضي في أذهان الناس، فلا المواطن التزم بالحيطة وهو يستمع ويقرأ يوميا عن المصيبة الوبائية التي أدخلت دولا بما فيها بلاد الجيران في حداد بعد أن خسرت الأرواح والاقتصاد، وانهارت منظومتها الصحية، ولا السلطة واصلت صرامتها، بالرغم من أن أشد الأطباء تفاؤلا لا يُسقط احتمال وصول الموجة الثالثة من فيروس كورونا بتحوراته المعقدة إلى الجزائر.

قدّم فيروس كورونا دروسا علمية وأخلاقية بليغة للإنسان، فمن الناحية الصحية عرف الناس بأن الصحة تصان بالوقاية وليس بالعلاج، وكل إنسان بإمكانه أن يكون طبيب نفسه ليس بتعاطي العقاقير، وإنما بتفادي المرض، وبأقل تكاليف، بل بدون أي تكاليف من التزام التباعد الاجتماعي وغسل الأيدي بالماء والصابون، وتراجع الحالات ليس نصرا بيّنا، وإنما هي استراحة المحارب الوبائي الذي ضرب كل المعاقل ولم يترك بناية صحية مشيّدة في العالم إلا ودمّرها.

لقد لُدغ الجزائريون من جُحر الوباء مرتين، وفي كل مرة يضيّعون مزيدا من آبائهم وأبنائهم، وفي نهاية كل مرة يأمنون للدغات، وتعود بأكثر شراسة، ولا يجب نسيان التوابيت والنعوش المنقولة إلى القبور من دون حضور المشيعين، وقد يكون الالتزام هذه المرة مصحوبا معنويا بوصول اللقاح والبدء في زرع أمل القضاء على الفيروس المرعب الذي عمّر طويلا ونقل رقم الوفيات من عشرات الآلاف إلى مئات الآلاف إلى الملايين، ورفع رقم الخسائر المادية إلى ما لا يستوعبه العقل البشري ولا أجهزته الإلكترونية.

لم يخطئ الذين سمّوا مقاومة فيروس كورونا بالحرب الضروس طويلة المدى، فقد كانت فعلا مليئة بالمعارك، ولم تختلف خسائرها المادية والمعنوية عن خسائر الحربين الكونيتين، وكان أكثر الخاسرين فيها من أمنوا للطرف الثاني، كما كان حال المحاربين دائما الذين يسارعون لجمع الغنائم قبل أن تعلن الحرب عن نهايتها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • زارا

    كورونا جاء ليرفع ظلمكم وطغيانكم وجبروتكم وكبريائكم واحتقاركم لغيركم يا بشر فهل من متعظ
    قال ربنا عز وجل في محكم التنزيل : "
    وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا الكهف 59
    كورونا لن يزول حتي يينتهي ظلمكم واستبدادكم

  • محمد

    بينت جائحة كرونا في بلدنا كباقي بلدان العالم أن مجتمعات العصر الحالي تستهتر بقواعد الصحة الأساسية فاغترت بما يحدثه الوباء من خسائر في الأرواح وما أنجزته الحضارة الإنسانية إلى اليوم في الميادين الاقتصادية والاجتماعية وحتى الفكرية.في بلدنا مثلا عوض الحرص والحرص على احترام القواعد الوقائية فضلت السلطات للحفاظ على السلم المدني إغلاق المتاجر والمؤسسات التعليمية أو تخفيض ساعات العمل دون اعتبار لما ينجر عن ذلك من خسائر اقتصادية واجتماعية وعدم النظر إلى المعوزين غير المهيكلين وانعكاس ذلك على انخفاض المستوى التعليمي وغيره.ما دامت الخزينة العمومية تسد الطلب فتقاليد الاشتغال تفقد أهميتها في نظر المواطن.

  • لزهر

    شبح المدن الكبيرة يهدد البشر و المسؤولين
    في المتوسطه كنت أدرس في وسط المدينة
    لا تخلوا من الحركة
    لا رصيف و لا إشرات مرور و لا...
    إلا أحد اللافتات المعلقة محكمة بحبلين لفتت إنتباهي كتب عليها
    نظافة المدينة تعود على مواطينها
    فطرحت السؤال على أستاذ التاريخ و الجغرافيا ماذا يحدث في هذه المدينة
    وهذه اللافتة. فقال
    كيف تربى المدينة المواطن
    و ليس العكس
    المدن التي لا تصون أبناءها صغارا و كباراً و لو بأشارات المرور و المعابر تصقط في إمتحان صعب و صعب جدا في يوم من الأيام.
    نحن كثيرون في المدن و أصبحنا عاجزين عن توفير مستلزمات الحياة للسكان و هذا ما يحدث في كبار مدن العالم.