-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“الحرقة” إلى إثيوبيا!

“الحرقة” إلى إثيوبيا!
ح.م

إلى زمن غير بعيد، كان بعض الجزائريين إذا أرادوا التنكيت ذكروا اسم “إثيوبيا” في حديثهم عن المجاعة، التي اعتصرت بلاد الحبشة منذ ثلاثين سنة، حتى صار أهلُها وسلطة البلاد، يرفضون استقبال بواخر الدواء التي تصل موانئهم، لأنّ الوصفة الطبية تطلب تعاطيه قبل الأكل أو بعده، والبلد لا يمتلك لا رغيفا ولا حساءً، كما تقول هذه النكت التي ما أضحكت أحدا في العالم، إلا الكثير منا.

وعلى مشارف زمن قد لا يكون بعيدا، ستصبح إثيوبيا كما صارت قبلها جنوب إفريقيا وتركيا وأندونيسيا، بلادا أخرى تحجُّ إليها قوافل “الحراقة” الجزائريين، بحثا عن العمل والأمان وبطاقة الإقامة والدواء، وحتى الأكل الذي كان مصدرا لصناعة الضحك عندنا.

كل التقارير الاقتصادية والاجتماعية العالمية، تؤشر على مدى تطور ونمو هذا البلد الإفريقي الكبير بتاريخه وشعبه، والذي صار نموذجا ومثالا تسير على آثاره الكثير من الدول الإفريقية، مثل بورندي والغابون وموريتانيا وتونس والمغرب… فالبلاد لا تصبح إلا على فكرة أو فتحٍ اقتصادي كبير، يقود فيه رئيس الوزراء الشاب “آبي أحمد علي” ما لا يقلُّ من مائة مليون نسمة من كل الأعراق والديانات والطوائف بما فيها عبدة الحجارة، إلى ثورة صامتة تمنح للأفارقة الحرية، التي بحثوا عنها طيلة قرون في الإبحار إلى قارات العالم الأربع، فما وجدوها.

إلى غاية بداية الألفية الجديدة، كانت التقارير الاقتصادية العالمية، تتساءل وتنذر: كيف لأبناء الحبشة أن يموتوا جوعا، ويبحروا عبر زوارق الموت إلى بلاد العالم، والأرض التي مساحتها، دون نصف مساحة الجزائر، بإمكانها أن تُنبت حبّا وقِضبا وزيتونا ونخلا، والبلاد تمتلك ثروة الإنسان التي وحدها من تخلق الثروة؟ وكانت أحرف التقارير وسهام الانتقاد تُشعل أهل البلاد وتستفزّهم إيجابيا، لأن يقوموا بثورتهم على طريقة الثورات التي اندلعت في ماليزيا وأندونيسيا والهند، وحتى في الصين واليابان، فوضعت أسس القانون فوق الجميع، وطبَّقته بصرامة، ومنحت المواطنَ حريةَ التفكير والاجتهاد والعمل والربح، ولم تمرّ إلا بضع سنوات حتى حدث “الديكليك”، وتفتَّحت شهية الإثيوبيين للتطور وللحياة، وصارت البلاد لا تقبل بأقل من الخروج نهائيا من جُحر العالم الثالث المظلم، من دون الالتفات إلى بعض بلدان الغرب التي لا تريد للشمس مشرقا غير بلادها، وطبعا من دون النظر إلى الذين جلسوا القرفصاء، يتبادلون النكت، عن الشعب الذي لا يمكن الزج بمواطنيه في السجن، لأنهم يتسللون بسبب هزالهم بين القضبان، كما تقول النكتة التي أضحكت أناسا هنا، وولّدت الهمّة هناك.

يقول المثل الفرنسي: “الضاحك الحقيقي هو من يضحك في الأخير”، ويقول المثل الصيني: “السخرية من الناس هي برقُ النميمة”، ويقول الفلكي الأمريكي كارل ساغان: “كل عباقرة العالم كانوا موضعا للسخرية في زمن ما”، ويقول الكاتب المسرحي والطبيب الروسي أنطوان تشيخوف: “إياك والسخرية من كرامة الناس”، ويقول المتنبي: “إذا رأيت نيوب الليث بارزة

فلا تظننّ أن الليث يبتسم”.

ويقول تعالى في سورة الحجرات: “لا يسخر قومٌ من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم”.

فماذا نقول نحن الآن عن إثيوبيا؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • gharbi mouloud

    قد يكون قدر الجزائريين ان يبلغوا ما بلغه اهل الحبشه من هزال ومضرب كل النكت لكي يغير الله وضعنا كما غير وضعهم.

  • محمد عربي

    طبعا، هذه الملاحظات لا يجب أن تنقص من انجازات الاقتصاد الأثيوبي التي أشاد به صندوق النقد الدولي و لا تنقص من قيمة العامل الأثيوبي الذي يتميز بالصبر و العمل و الإتقان بخلاف ما هو ملاحظ عندنا للأسف، حيث لا تستحي نقابات التربية عندنا من شن الإضرابات تلو الأخرى على الرغم من المردود المتواضع و على الرغم من علمها بالإوضاع الاقتصادية المتردية للبلد.

  • محمد عربي

    الأمر الثالث: رئيس الحكومة الأثيوبي ماض في تطبيق سياسة مصالحة شاملة في بلده. و هذا أمر جيد لأنه يمكن من إشاعة الاستقرار الضروري لتحريك عجلة الاقتصاد. و لكن هذا لم يمنع الحكومة الإثيوبية من قمع كل المظاهرات التي نظمت مؤخرا حتى وصل عدد الضحايا إلى أكثر من 400 قتيل. طبعا لا يمكن قبول هذا في الجزائر حيث يدخل الحراك شهره التاسع بدون تسجيل و لا ضحية مباشرة واحدة. و أخيرا، هناك أمر وجب الانتباه له وأنا أعلم أنه لن يعجب بعض القراء: إثيوبيا و بعض الدول الأخرى مثل المغرب تحضى برضا إسرائيل و رعاية الاتحاد الأوروبي الذي فتح لها أسواقه بسهولة. و هذا لن يحدث أبدا للجزائر الا اذا غيرت مواقفها.

  • محمد عربي

    تابع: الأمر الثاني: هذه الديناميكية في الاستثمار العمومي و المرفوقة بقوانين استثمار جريئة موجهة للأجانب مكنت من جلب العديد منهم و لكن على حساب القدرة الشرائية لمعظم الأثيوبيين ( الأجر لا يتجاوز في بعض الأحيان 30 يورو بينما في الجزائر لا ينزل عند الشركات الأجنبية تحت 150 يورو) و رغم ذلك ما زالت البطالة في اثيوبيا في حدود 20 % بينما في الجزائر هي تتراوح حاليا بين 11 و 12 %). الملفت للانتباه في الجزائر أنه كلما تقدمت الحكومة باقتراح قانون استثمار جديد لجلب المستثمرين، كلما قامت النقابات و المعارضة بعرقلته بحجة أنه يرهن مستقبل الشعب و قوته. تذكروا قانون المحروقات الذي اسأل كثيرا من الحبر.

  • محمد عربي

    مقال ممتع مع اعتراضي على أبيات المتنبي فلا مجال لها هنا في اعتقادي. ما أعجبني في مقالك هو اشارتك لهذا العقلية المقيتة السائدة في أوساطنا: عقلية الاكتفاء التي تجعلنا نحس أننا الأحسن على وجه الأرض و دائمي السخرية من الآخرين. و لكن وجب الإشارة إلى أمور مهمة حتى لا نخطئ مرة أخرى في التشخيص: أولا. إثيوبيا اعتمدت على الاستثمار العمومي و الاستدانة بقوة رغم تحذيرات بعض الخبراء. هذا الاستثمار مكن من إطلاق مشاريع عمومية ضخمة و لكنها لا تصل إلى ربع ما أنجزته بلادنا في العشرية الماضية. و أتذكر هنا أنني قرأت لبعض الصحفيين الأجانب كلاما مشابها عن بلادنا في العهدة الثانية بوتفليقة . و النتيجة ما نعيش حاليا.

  • Faty

    السلام عليكم و الله مقالكم ممتع يا سيدي.و الله اعرف اناسا هنا في الغربة من إثيوبيا و الله ماشاء الله خاصة المسلمين منهم.وفقهم الله .