-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحلقة الأخيرة من المسلسل التركي السعودي

صالح عوض
  • 6854
  • 5
الحلقة الأخيرة من المسلسل التركي السعودي

كلنا نتطلع إلى الحلقة الاخيرة في مسلسل فظيع يحمل في ثناياه حقيقة العلاقات بين الدول وحقيقة ممارسة الدولة ضد معارضيها.. ومن هنا أصبح المسلسل طبعة جديدة مثيرة ولكنها مقرفة ومؤلمة للضمير الإنساني.
نشرت صحيفة تركية لقاءً مع سائق تركي أقلَّ فريق الاغتيال من المطار إلى القنصلية وبعد اتمام العملية أقلَّ جزءا آخر من الفريق إلى المطار فيما كان القتلة يشربون الخمر على وقع أغاني ماجنة..
وهكذا نحن نقف إزاء تفصيلات تنشرها الأجهزة الأمنية التركية تباعا وبأدق التفصيلات التي لن تصعب فيما بعد على كاتب من مستوى متوسط لسردها في رواية محبكة مثيرة.. وبالتأكيد هناك أسباب أكثر عمقا، إنها ذات علاقة بتطوّر المفاوضات السرية بين تركيا والسعودية في ظل تطور المواقف الدولية إزاء الجريمة البشعة.
بالتأكيد لم تعد المسألة متعلقة فقط بالموقف التركي السعودي، فلقد أصبح الموقف الأوربي والأمريكي في حالة من التوتر والتفعيل بمعدلات متسارعة ومواقف تسير نحو حسم الموقف في غضون الأيام القليلة القادمة، الأمر الذي يراعيه الحاكم التركي ويوليه أهمية قصوى في ضرورة التسلح بموقف دولي في مواجهة السعودية، إلا أن السعوديين حتى اللحظة يقعون في سلسلة من التناقضات وتعارضِ الروايات وارتباك غير مسبوق؛ فمن التجاهل المطلق في بداية العملية والنفي الذي جاء على لسان أعلى الهرم السياسي إلى الاعتراف بالعملية البشعة..
بالتأكيد ليس أردوغان من تستهويه كلمات مديح من ولي العهد السعودي فيلجأ إلى تغيير الرواية والتستر عن الجريمة.. فالمسألة عن الرئيس التركي لها علاقة برسم خريطة سياسية في المنطقة ولها علاقة بموقع تركيا في المنطقة والعالم كما أن لها علاقة جوهرية بما بين البلدين من صراع تاريخي تفاقم في السنين الاخيرة إذ اعتبر ولي العهد السعودي أن تركيا هي أحد عناصر محور الشر في مواجهة المملكة.
أردوغان يتكلم بأشد موقف ولكن بأسهل لغة.. فلقد وصل الأمر به إلى المطالبة بإرجاع القتلة إلى اسطمبول للتحقيق معهم إن تعذر أخذ معلومات منهم في الرياض.. في السعودية أعلنوا أن 15 هم الذين فعلوا الفعلة بالإضافة إلى ثلاثة أشخاص أصبحوا رهنا للاعتقال والتحقيق في السعودية ولكن الأجهزة الأمنية التركية فاجأتهم اليوم بذكر شخص آخر هو همزة الوصل بين المملكة والقنصلية فلقد كان أحمد المزيني حسب رواية الجانب التركي هو صاحب الدور الرئيسي في العملية..
من الملاحظ أن الأتراك يسيرون في شد الخناق على عنق الموقف السعودي ويضطروه إلى التراجع شيئا فشيئا والكشف عمّا تم شيئا فشيئا.. الأمر الذي أوقع سمعة المملكة ومصداقيتها في الحضيض بعد أن بات الجميع على المستوى الإقليمي والدولي في غير وارد التصديق لما يتم سرده من قبل الاجهزة السعودية..
لقد أخطأ ولي العهد عندما ظن أنه يمكن شراء الموقف الأوربي والأمريكي، فلقد منحه هذا الإحساس تهورا كبيرا، إذ أصبح يتصدى للكبار مثل كندا الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية واتخذ من القرارات الاقليمية ما يعني بوضوح انه لا يخشى أحدا.. لم يكن يعرف أن الغرب يدفعه إلى تلك التهورات لكي يُحكِم عليه القبضة ويبتزه إلى النهاية وقد يكون هناك من الاهداف الغربية ما هو أكثر إيلاما للملكة ووحدتها وثرواتها.. وفجأة وفي لحظة صاعقة يكتشف ولي العهد أن إعلام الدول الغربية كلها يضعه في عين التصويب والاستهداف، ويتطور الموقف إلى أن يصرخ الكونجرس الامريكي بضرورة المعاقبة والمحاسبة الشديدة وتنتظر اوربا بفارغ الصبر نتيجة تبلور الموقف الأمريكي لكي تكون هي أيضا فك الكماشة الآخر حول عنق السعودية.. وعمليا بدأ التلويح بوقف تصدير السلاح وإجراءات أخرى عديدة.
الملفت للانتباه موقف الأمم المتحدة الذي كان واضحا أكثر من المتوقع وذلك بإعلانها الاستعداد لجلب المتورطين ومحاكمتهم في محكمة الجنايات الدولية إذا طلبت تركيا ذلك.
هناك ملفاتٌ عميقة معقدة بين تركيا والسعودية منها ما تذكره الأخبار ومنها ما تجهله كثيرٌ من مؤسسات البث الإعلامي.. فالنظام التركي سليل النورسية والمتحالف مع الإخوان المسلمين والأمين على عهدة العثمانيين الطامح لاستعادة أمجادهم ورمزية مرجعيتهم السياسية للمحيط الإسلامي.. وهو في كل ذلك يجد ترحيبا من حركات إسلامية منتشرة ومن شعوب محيطة فيما يعرف بالكومنويلث العثماني.. هذه هي الحالة النفسية للنظام التركي مزوّدا بمشاريع اقتصادية كبيرة تشهد تطوّرا في معدلات النمو.. في مواجهة هذا النظام تقف المملكة السعودية باستنادها إلى الثقافة الوهابية المتجمدة المُحاربة للنورسية والإخوان والمقاتِلة باستبسال لحوز المرجعية الإسلامية، ورغم أنها قد استخدمت في حروب أمريكا ضد السوفيت كما صرح ولي العهد إلا أنها فرخت تيارات عديدة في بلاد العرب والمسلمين زادت التعقيد في المنطقة وفجرت الصراعات عنيفة ودامية.. ولقد سبق للعثمانيين أن وجهوا قواتهم إلى نجد لتأديبها وقلع شوكتها اكثر من مرة الأمر الذي يحمل في داخله عداء مستحكما بين الطرفين.
هنا نقف على نهايات دراماتيكية لعلاقة بين تيارين سياسيين داخل الأمة، ومن الواضح أن تركيا قد عززت وجودها في المحيط العربي بتحالفها العميق مع الحركات الإسلامية التي ذهبت المملكة إلى استعدائها مجانا وبدون أي دراسة أو فائدة، فقط قد يكون ذلك بتوجيه من ولي عهد أبو ظبي..
أردوغان سيأخذ كل ما يريد من المملكة وشروطه ستُنفذ جميعا، ولكني أعتقد ان له أهدافا أخرى غير التي يصرح بها.. أنه يتطلع إلى الحرمين الشريفين والحجاز وضرورة إخراجهما من سيطرة آل سعود، ولقد سبق له أن صرح بذلك عندما طالب أن تكون مؤسسة الحج مؤسسة إسلامية بحتة لا علاقة لها بنظام معين.. وأن تكون البقاع المقدسة تحت إشرافها، وقد جلب لموقفه تأييدا من بعض الدول الإسلامية كماليزيا وإندونيسيا وإيران.
من المؤكد أن السعوديين وقعوا في الملعب التركي الذي يجيد اللعب ويعرف كيف يسدد ضرباته بدقة وبقدرة فائقة على التلون والتفلت والتهديف في الوقت المناسب.. كما أن الغربيين وجدوها فرصة لحلب الممكلة إلى أبعد مدى ..
فما هي الحلقة الأخيرة في المسلسل التركي السعودي الغربي.. نسأل الله العافية للمسلمين والسلام للعالمين.

أردوغان سيأخذ كل ما يريد من المملكة وشروطه ستُنفذ جميعا، ولكني أعتقد أن له أهدافا أخرى غير التي يصرح بها.. أنه يتطلع إلى الحرمين الشريفين والحجاز وضرورة إخراجهما من سيطرة آل سعود، ولقد سبق له أن صرح بذلك عندما طالب أن تكون مؤسسة الحج مؤسسة إسلامية بحتة لا علاقة لها بنظام معين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • مراقب جزائري

    أخي صالح/ نرجو أن يتحقق ما تراه في تحليلك حتى تتخلص هذه الأمة الإسلامية المبتلاة بنخب سياسية وفكرية متسلطة من أمثال بن سلمان وبن زايد والسيسي وذويلهم... ثم بشار ومشغليه الروس والإيرانيين... وأرى كتاباتك في الآونة الأخيرة أفضل من مقالاتك التي كتبتها سابقا في مدح جيش بشار وطغمته

  • صالح العلي

    اتباعكم للهوى في تفسير الوقائع لن يفيد المسلمين بشيء بل يزيد الطين بلة فهل انتم متعظون

  • جزائري

    ليس هكذا الأمر. أردوغان يلعب فقط في المساحة التي اتاحتها له أمريكا للعب فيها. عندما تأتيه الإشارة للتوقف فإنه سيتوقف. ما يغيب عن كل المحللين أن اية حالة استقطاب بين بلدين مسلمين كبيرين مثل تركيا والسعودية وايران ومصر تصب حتما في مصلحة أمريكا وأمن إسرائيل وليس في مصلحة اي من هذه البلدان. إسرائيل لم تكن لتنفذ كل مشاريعها بأريحية لولا حالة الاستقطاب بين السعودية وإيران.

  • صحفي وافتخر

    نتمنى ذلك ، بأن الحرمين الشريفين تكون تحت راية الأمة الإسلامية المباركة ،، لأنه بصراحة ، من يمثلون المملكة العربية السعودية اليوم يستخدمون أموال الحج والعمرة في غير محلها ،،، فمن الضروري اللجوء للقوة الجبرية ، والعسكرية لانتزاع الحرمين من حكومة ال سعود الظالمة .

  • سعودي

    ياأخي صالح انا وأعوذ بالله من كلمه انا شرهان عليك لان قدمت تركيا علي المملكه العربيه السعوديه عندما قلت التركيه السعوديه الم تقرأ التاريخ الاسلامي القديم ودور شبه الجزيره العربيه في نشر الاسلام نحن نشرنا الخير وكلام الله الي العالم حتي وصل الي الصين وبلاد السند الم تحترم التاريخ ياأخي