-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحوارُ الوطني وحُمَّى الأسماء والقوائم

الحوارُ الوطني وحُمَّى الأسماء والقوائم
ح.م

لا يملك أي جزائري غيور على وطنه إلا مباركة الدعوة إلى الحوار من أي وعاء خرجت طالما أنها تروم تعزيز الرابطة الوطنية ولا يهمه أن يكون في ذلك رأسا أو ذنبا، قائدا أو مقودا، فالعبرة بأداء الدور الحواري بنزاهة لأن المنخرطين في الحوار يشكلون في النهاية حلقة متصلة متماسكة يشدّ بعضها بعضا، وما أغفله فريقٌ يتداركه فريق آخر، والمكاسب المحققة بعد ذلك تصب في المصلحة العامة ولا تنسب لفلان أو علان أو جماعة باسمها.

لقد هالني كثرة الأسماء والقوائم المتعلقة بشخصيات الحوار ولهذه الأسماء والقوائم إيجابية واحدة، وهي اتفاقها على الشخصيات الوطنية الوازنة التي يمكنها أن تعطي للحوار بُعدا وطعما خاصا، ولكن هذه الأمنية تلاشت قليلا بعد الأخبار غير السارة التي تفيد برفض هذه الشخصيات قيادة الحوار ولا حتى مجرد العضوية فيه، ومع أن هذا الموقف يعدّ اختيارا شخصيا يجب احترامه، إلا أنه يشكل بالنسبة للوطن خسارة كبيرة؛ لأن رفضهم سيوجد ثغورا غائرة وعميقة لا أظن أن بعض المتحمسين والمتلهفين للعضوية في لجان الحوار من الوزن الخفيف يمتلك القدرة على سدها.

لقد هالني كثرة الأسماء والقوائم التي يعلنها هذا الفريق أو ذاك، ومما هالني أكثر أن بعضها غير متناغم حتى لا أقول إنها متناقضة ومتشاكسة لأنني لا أريد أن أقضي على ما بقي من شعاع الأمل في نفوس الجزائريين ورغبتهم في تجاوز هذه المرحلة التي لا نُحسد عليها.

هناك واقع ليس له دافع بدأت ملامحه تتشكل منذ مدة وهو ما اصطلحت على تسميته بحمى الأسماء والقوائم التي تزداد مع تعاقب الليل والنهار، قوائم ترشح هذا وتعدّه مثالا للوسطية والوطنية وقوائم أخرى تُبعده عن المشهد كلية ولا تعدّه في ميزان الوسطية والوطنية شيئا مذكورا.

لقد خرجت علينا بعض الجهات بأسماء وقوائم عريضة تضمّ مغمورين من شاكلة من وجد نفسه بضربة حظ أو بدعم من رجال الظل في مقدمة القاطرة مع أنه كان قبل الحراك بقليل لا تسمع له ركزا، لقد صدق من قال إن الحراك الشعبي قد حرر الجميع، ولكن هذا الحراك أيضا كان فرصة ذهبية لبعض المغمورين والمغامرين السياسيين للتسلق والظهور بمظهر المخلّص.

إن كثرة الأسماء والقوائم ليست ظاهرة صحِّية بالمطلق لأنها قد تؤجِّل الحوار الوطني أو تعجِّل بفشله لا قدَّر الله بسبب حرص كل فريق على تقديم ممثليه ولو كانوا لا يمثلون في ميزان الكفاءة والقيادة شيئا. إن النفوس مجبولة على حب الذات وإننا رغم بُعد العهد بيننا وبين الجاهلية لا نزال نحتفظ بشيء من هذه الجاهلية، وكل ما في الأمر أننا استبدلنا أصناما حجرية بأصنام بشرية.

إن كثرة الأسماء والقوائم التي تخرج تارة من عباءة نقابية وتارة أخرى من عباءة سياسية أو دينية غير معلنة في الغالب الأعم جهدٌ غبين لا طائل من ورائه وأنها ستطيل عمر الأزمة لأن بعضنا ينظر إلى لجان الحوار على أنها فرصته لرسم معالم الوطن والوطنية بالصبغة التي يريد من غير اكتراث بما يريده الوطن.

هناك عملٌ ضروري ينبغي أن نهتم به جميعا وأن نلتف حوله جميعا وهو أن نعجل بعقد ندوة وطنية بقيادة لجنة الوساطة والحوار التي تشكلت مؤخرا أو بقيادة لجنة بديلة، على أن تكون هذه الندوة جامعة وممثلة لكل المكونات الاجتماعية التي تخرج في النهاية بوثيقة إجماع تحدد قائمة الشخصيات الوطنية في شكل شخصية وطنية توافقية أو في شكل قيادة جماعية من أجل إدارة المرحلة وإعادتنا إلى السكة.

إننا بحاجة إلى صنفين من الشخصيات الوطنية، شخصيات وطنية لإدارة الحوار الوطني، وشخصيات وطنية لإدارة المرحلة، وكلا الصنفين ينبغي أن تتوفر فيه جملة من الشروط، فالشخصيات الوطنية المعنية بإدارة الحوار ينبغي أن لا تكون من فئة “الممرِّنين” السياسيين الذين برزوا في اللحظات الأخيرة وهم لا يملكون في رصيدهم النضالي السياسي إلا ما يملكه كل ممرِّن خالي الوفاض يتحين الفرص لتحقيق حلم الريادة والقيادة الذي راوده منذ نعومة أظفاره، وأما الشخصيات الوطنية المعنية بقيادة المرحلة فينبغي أن تتحقق فيها مواصفاتٌ عالية، منها أن تكون ذات خبرة سياسية وزخم تاريخي وأن تكون من المرجعيات الوطنية التي لا يختلف حولها اثنان، وهذه الشخصيات من الصنفين موجودة وتنتظر اليد الممدودة حتى تقدِّم عصارة تجربتها من أجل إنقاذنا من حالة الضبابية السياسية والاجتماعية التي نعيشها منذ مدة.

إن لجان الحوار الوطني ينبغي أن لا تتحول إلى جمعية خيرية ينضم إليها من يصلح ومن لا يصلح، ينضم إليها السياسي المحنك وغير المحنك، وينضم إليها من ارتقى بفكره ومن وجد نفسه بقدرة قادر وبضربة حظ في القمة، فشتان بين من يجتهد للوصول إلى القمة وبين من يجد نفسه في القمة من غير جهد.

نؤمن نحن الجزائريين بالجزائر العميقة، وفي هذه الجزائر العميقة كفاءاتٌ متوارية عن المشهد السياسي والاجتماعي طوعا أو كرها ينبغي الوصول إليها والاستفادة من خبراتها، أما الاكتفاء بتسليط الأضواء على بعض الأسماء واللجوء في بعض الأحيان إلى النفخ في بعضها لتبدو في غير حجمها الحقيقي، فهذا هو منتهى العبث الذي سيباعد بيننا وبين الحوار الوطني، لأنّ الحوار الذي تديره الأسماء المصنوعة يشبه إلى حد كبير العجل الذهبي الذي صنعه السامري للإسرائيليين من حليّهم والذي لم يزدهم إلا ضلالا وبُعدا عن الشريعة الصحيحة.

عاش بنو إسرائيل كما تذكر المصادر اليهودية مرحلة حرجة من حياتهم وهي مرحلة ما بين العهدين والتي اتسمت بالتعبير القانوني بمرحلة الفراغ التشريعي فقام القضاة بدور حاسم في عملية التوجيه الديني، وأقول قياسا على ذلك مع اعتبار الفارق إن المرحلة الحرجة التي نمرُّ بها تحتاج إلى شخصيات متميزة وهذا ما ينبغي أن نعمل على تحقيقه على عجل، فالشخصيات العاقلة والوازنة، بتعبير بعض الإعلاميين، هي القادرة وحدها على رسم معالم الطريق، وأما ما عداها من الأسماء التي تُزيَّن بها بعض القوائم فعبء نسعى إليه بملكنا لأن أصحابها لا يملكون القدرة على إنقاذ أنفسهم فضلا عن إنقاذ غيرهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • شخص

    للأسف، تغللت عقلية (اندير رايي و إلاّ نخسّــر)