-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحَراك.. مبادرات بالجملة وحلول مؤجلة

الحَراك.. مبادرات بالجملة وحلول مؤجلة
ح.م

تغيير النظام هو المطلب الأول للحَراك الشعبي منذ جمعته الأولى وهو مطلبنا جميعا، ولكننا لا نزال إلى حد الآن نتعامل مع فكرة تغيير النظام تعاملا نظريا تميِّزه العواطف والمواقف الانفعالية والارتدادية عديمة الفاعلية ولم نستطع تحويله إلى واقع معيش، وضعية لا نُحسد عليها ويتحملها الكل في السلطة والمعارضة والنخبة والمجتمع المدني على السواء.

خلال أربعة أشهر كاملة من الحَراك، شهدنا مبادرات بالجملة، يراهن بعضها على الحل السياسي كمخرج آمن من الوضعية الحالية وذلك بإعلان مرحلة انتقالية قصيرة نسبيا تشرف عليها هيئة رئاسية وتقودها شخصية وطنية توافقية وبتشكيل حكومة كفاءات وطنية، ويراهن بعضُها الآخر على الحل الدستوري واستبعاد أي حلول أخرى غير مأمونة العواقب والتي قد تفضي إلى الفراغ الدستوري، ويراهن بعضها الآخر على الجمع بين الحل السياسي والحل الدستوري بالنظر إلى أن الحالة التي نعيشها تميزها ثنائية سياسية ودستورية وبالتالي فإن الحل لا يكون إلا بمراعاة هذه الثنائية، ويراهن البعض الآخر وخاصة من النخب الفكرية على أن تغيير النظام السياسي يجب أن يسبقه بالضرورة تغيير الفكر السياسي الذي أسِّس عليه هذا النظام السياسي، وهي عملية معقدة وطويلة المدى لا تتحقق بين عشية أو ضحاها لأن ثقافة التغيير وإعادة التشكيل تتطلب تأسيس ثقافة نخبوية متميزة لم تتهيأ بيئتها وشروطها بعد ، أقول ثقافة نخبوية لأن التغيير المدروس والمؤسس لا يتأتى إلا بثقافة نخبوية مدروسة ومؤسَّسة يدرك أصحابُها طبيعة وأبعاد الأزمة ويحسنون التعامل معها.

إن الحَراك الشعبي متواصلٌ بنفس الحدة وبنفس الوتيرة وبنفس الحضارية والسلمية وروح المواطنة التي بدأ بها، وقد رافقته منذ البداية مبادراتٌ بالجملة يحمل جلّها في الظاهر رؤيةً سياسية متزنة ولكنها في المقابل مبادرات انفرادية وغارقة في التنظير، مبادرات ظلت تُراوح مكانها ولم تُسفر عن حل يُنهي حالة الانسداد التي نعيشها أو يواكب على الأقل حملة محاربة الفساد التي تقودها المؤسسة القضائية.

من المهم إطلاق المبادرات وتقديم المقترحات، وأهمّ من ذلك وضع هذه المبادرات والمقترحات موضع التنفيذ، ولكن الأهم على الإطلاق أن تلتقي هذه المبادرات والمقترحات وتتجسَّد في وثيقةٍ جماعية مجتمعية تصلح أن تكون خارطة طريق من شأنها إيجاد مخرج سياسي توافقي لا يتبناه فصيلٌ سياسي بعينه بل يكون خلاصة مشاورات مشترَكة.

لقد أكمل الحَراك الشعبي شهره الرابع ورغم ذلك لا يزال الأفقُ السياسي غير واضح المعالم ونجد أن عامل الوقت يضغط علينا بوتيرة غير مسبوقة ويحتم علينا أن ننتقل بالمبادرات من مستوى التوصيف إلى مستوى التوظيف ومن مستوى التنظير إلى مستوى الحل المنتظر الذي يُخرج بلادنا من هذه الوضعية السياسية الاستثنائية التي تشكلت بعد إلغاء العهدة الخامسة وكذا إلغاء الانتخابات الرئاسية المقررة، الأولى والثانية.

إن المبادرات التي تتم داخل القواعد الحزبية والنقابية ولا تلتقي في مبادرة واحدة موحدة، تكون بيقين عديمة الجدوى لأنها ترسم صورة غير مكتملة للموقف الوطني الذي لا يتحقق إلا بحوار وطني جامع يشارك فيه الكل ويرفض فكرة الإلغاء والاستثناء والإقصاء التي يكرسها بعض السياسيين.

إن فكرة الإلغاء والاستثناء والإقصاء فكرة غير صالحة وغير صائبة في عملية التغيير السياسي ولا يمكنها أن تؤسس لمرحلة انتقالية حقيقية بل ستعمل على إذكاء الخلافات وتعميق الاصطفافات السياسية وتأجيل الحلول إلى أجل غير معلوم.

إن حلحلة الراهن السياسي لا تتحقق إلا بحوار وطني شامل ولا شيء غير الحوار، فقد أثبت الحوار نجاعته عبر التاريخ الإنساني وأفضى في النهاية إلى إعادة بناء اللحمة القومية بعد أن مزّقتها الخلافات المذهبية والسياسية وتفرّق الشركاء السياسيون شذر مذر، فكيف نعرض نحن عن الحوار وهو قدرنا شئنا أم أبينا، فقد جربته كثيرٌ من الدول فاستطاعت إرساء ديمقراطية تشاركية أثمرت استقرارا سياسيا ورخاء اقتصاديا وأمنا اجتماعيا عزز هيبة الدولة ومكانتها في المجتمع الدولي.

إن رهان التغيير السياسي لا يتحقق إلا بحوار وطني تُحدَّد آلياتُه ومآلاته وموضوعاته ومجالاته بطريقةٍ توافقية بعيدا عن الإملاءات والحلول المفروضة. إن إسقاط هذه الفكرة على الراهن السياسي الجزائري في ظل الحَراك الشعبي يتم بمراعاة الإطار المرجعي التوافقي لهذا الحوار من تفعيل سلطة الشعب وقبول مبدأ رحيل النظام بكافة رموزه ومنع إعادة تشكّله أو تجدّده مرة أخرى لأن النظام الذي كان سببا في المشكلة لا يمكن أن يكون جزءا من الحل.

هناك من الشركاء السياسيين من انحاز إلى فكرة الشخصية الوطنية التوافقية، وأقول من السهل نظريا الحديث عن شخصية وطنية توافقية تُعهد إليها قيادة المرحلة الانتقالية ولكن من الصعب عمليا -على الأقل في ظل التنافر والتدابر والتنابز السياسي القائم- إيجاد هذه الشخصية التي تتحقق فيها المواصفات المطلوبة إلا في حالة واحدة ووحيدة وهي تحرر الطبقة السياسية من تأثير الإيديولوجيا الحزبية ومن ثقافة المعارضة من أجل المعارضة، ومن السهل نظريا أيضا الحديث عن حكومة كفاءات ولكن من الصعب عمليا تحقيق ذلك في ظل إعراض كثير من الكفاءات عن العمل السياسي أو عدم الالتفات إليها أو الاستغناء عن خدماتها وإسهاماتها والاستمرار في تقديم الحزبي على الفكري في بلورة مشروع التغيير السياسي.

إن تشكيل حكومة كفاءات وطنية يتطلب إعادة تشكيل المنظومة السياسية على أسس الكفاءة المستحقة وليس على أسس الولاء الحزبي والسياسي، كما أن حكومة كفاءات تعني في أدقِّ استعمالاتها توظيف رأس المال الفكري – إن صح التعبير- في تسيير الشأن السياسي. إن الظرف الحساس الذي نمر به يحتم على الطبقة السياسية والفكرية التعجيل بحل توافقي يحظى بالإجماع الوطني ويحافظ على استقرار الدولة وتكريس الشرعية الدستورية.

إن مبادرات الحل السياسي في ظل الحراك الشعبي يجب أن تراعي أمرا أساسيا وهو التعامل مع المؤسسة القضائية بمبدأ الثقة المتبادلة والكف عن المزايدات التي وصل بعضُها إلى حد وصف العدالة بـ”العدالة الانتقائية” أو “الانتقامية” رغم أن كل المؤشرات تدل بما لا ينكره إلا مكابرٌ أنها على السكة الصحيحة وتمارس مهامَّها بكل احترافية وحيادية واضعة المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار. إن التشكيك في العدالة يعني تكريس الفوضى التي إن استشرت في المجتمع فلا أرضا قطعت ولا ظهرا أبقت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • دوادي

    السلام : من خلال ما تفضلتم به فإنكم طرحتم العلاقة بين الفكري و السياسي أو اولوية المفكر على السياسي و طالبت بالثقة في العدالة و هذا و ان كان مطلوب فإن تغيير نظرة المواطن لهذا الجهاز يتطلب وقت و على العدالة ان تستعيد ثقة المواطن بتجسيد استقلاليتها .
    كما ان الحلول التي اقترحتها و حتى تلك التي اقترحتها و مبادرات اخرى تصطدم بالآليات في ظل غياب الثقة و كذا معظلة تمثيل الحراك ,, تحياتي

  • المحلل السياسي

    الحل سهل جدا
    انتخاب رجل توافق نزيه(مقبول شعبيا) لعهدة كاملة--يؤسس لدولة ديمقراطية ثم لا يترشح لعهدة ثانية
    يقوم بتعديل الدستور--انتخابات برلمانية--انتخابات بلدية--تحرير العدالة--تحرير الصحافة--مكافحة الفساد--اصلاح
    الاخطاء الاقتصادية....الخ ----ثم يترك المجال للاحزاب-------يجب ان نوافق لصالح الجزائر