-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحَراك والجزائر.. إلى أين؟

الحَراك والجزائر.. إلى أين؟
ح.م

يتوجّه حَراكُ الجزائريين نحو الجمعة السابعة عشرة، وبقدر ما يعكس ذلك إصرارهم على تحقيق التغيير الفعلي، باسترجاع الإرادة الشعبيّة الحرّة، كمصدر وحيد للسلطة السياسيّة، بقدر ما يثير مخاوف العقلاء حول الآفاق التي بات يكتنفها الغموض، نتيجة وضع المراوحة المقلق، لأنّ مرور الوقت دون تقدّم لم يكن أبدا في صالح الأوطان ولا الثورات السلميّة، بل يخدم أعداءها في الداخل والخارج، سانحًا الفرصة للمناورة والابتزاز واللعب على أوتار الفرقة في الرأي والموقف.

صورة المشهد اليوم يختزلها تقدير الجيش برفض المرحلة الانتقالية، مقابل تشبُّث عموم الحراك بها، عبر المطالبة بتنحّي عبد القادر بن صالح، قبل الحديث عن أي استحقاق آخر، وعلينا تصديق المؤسسة العسكريّة في تخوفاتها من عواقب الفراغ المؤسساتي، لكن يجب كذلك تفهّم مخاوف الشعب من السطو على ثورته، باستنساخ تجارب الماضي القريب.

لا سبيل لتبديد الخوف المتبادل إلا عبر خطوات عاجلة، تعبّر عن حسن النيّات، لتغرس الطمأنينة لدى جميع الأطراف، والمبادرة هنا تقع أساسًا على السلطة، وإذا كان مفهومًا تردّدها في تقديم تنازلات دون ضمانات بوقف سقف المطالب التعجيزيّة، من منظورها، فإنّ المسؤوليّة السياسيّة والأخلاقيّة تلزمها بالتفاعل الإيجابي مع إرادة الشعب.

المشكل القائم الآن أنّ جزءا من الحراك يتجاهل تمامًا منطق السياسة التفاوضي، وفق قاعدة فنّ الممكن، والتعاطي مع تفاصيلها بواقعيّة، مُصرّا على مسار جذري غير مأمون النتائج، زيادة على تعامل سلطة شكليّة مع الأحداث بإرادةٍ فوقيّة منفردة، مُنكرة أنها عديمة الشرعيّة، وأن وجودها الدستوري يخوّلها فقط تسيير شؤون الدولة في حدّها الأدنى، ولا حقّ لها في تقرير مصير مستقبل لا شأن لها به.

بشيء من التفصيل، فإنّ إحداثيات المعادلة العالقة تتكون من أربعة “مجاهيل” هي: بقاء عبد القادر بن صالح من عدمه، ذهاب الوزير الأول، تنصيب لجنة مستقلّة للانتخابات، وحوار وطني لترتيب المرحلة القادمة.

الأصل أن نبدأ تفكيك المشكلة من الجزئيات الأبسط، مع تأجيل الخلافات الجوهريّة إلى الحلّ النهائي، وعليه، نرى أنّ أول عربون على طريق الحلّ، هو الالتزام مبدئيّا من السلطة بإسقاط حكومة بدوي، واستبدالها بأخرى تحوز رضا الشعب، مع الإعلان عن انتداب شخصيات وطنيّة، أو فعاليات مجتمعيّة، لإدارة حوار جامع، تكون رئاسة الدولة وقيادة الجيش طرفًا فيه، إلى جانب الطبقة السياسيّة ورموز الحراك المستقلّين، يُناط به التداول في التشكيلة الوزاريّة المفترضة لخلافة فريق بدوي، أو على الأقلّ رأسها الكبير، مع تفويضه باختيار مساعديه بالتشاور الواسع، وكذلك الحسم في سلطات اللجنة الانتخابية وتركيبتها.

بقي وضع بن صالح على رأس الدولة بعد التاسع من جويليّة، واعتقادنا أن تجسيد الخطوات الاستباقيّة السالفة سيحدّد مصيره بسهولة، لأنّ تنفيذها بجديّة سيزيل الشكوك الموضوعيّة في التدافع السياسي حول آفاق الانتقال الديمقراطي، فإن تقرّر ترحيله بالتوافق، ستكون البلادُ في مأمن من الضغوط الدوليّة بفعل التحصين الداخلي، وإن ظلّ في موقعه بالتراضي، فلن يكون له تأثيرٌ سلبي ضد الإرادة الجماعيّة.

على الحَراك أن يوقن بأنّ الأزمات الشائكة تدار بالعقلانيّة، وفي تجارب الآخرين عِظة وعبرة، وإن اقتضى الحال تقديم التنازلات المتبادلة، كما على السلطة الإدراك بأنّ محاولة ربح الوقت أو فرض الأمر الواقع تحت مسمّى الخيارات الدستوريّة، قد يعرّض البلاد لمخاطر نحن في غنى عنها، فضلاً عن إثارة الهواجس المشروعة في نيّاتها المبيّتة.

لقد صنع الجزائريون ثورة شعبيّة عارمة، بعد عقود من النضال والتضحيات، ولم يعُد من الممكن اليوم، في عالم العولمة بكل تجلياتها، المراهنة على تعبهم ورجوعهم عن آمالهم الحضاريّة في ميلاد جزائر جديدة، بل سيكون من الشرف التاريخي للقيادة الوطنيّة مرافقتهم بصدق في بلوغ مرامهم، لأنّ كل تخلّف عن ذلك من الجميع، يعدل التولّي يوم الزحف عن نصرة وطن يحلم بالحريّة والكرامة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!