-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحُلم اللبناني… والانجاز الإيراني!

الحُلم اللبناني… والانجاز الإيراني!
ح.م

مصطفى جزار أستاذ للرياضيات في الجامعة اللبنانية ما فتئ يسعى مع رفيق دربه المرحوم أحمد الصوفي (1960-2016) إلى تطوير العلوم في المنطقة العربية، شرقًا وغربًا، وبصفة خاصة في مجال الرياضيات. والأستاذان مصطفى وأحمد لبنانيان، الأول مقيم في لبنان والثاني كان يدرّس الرياضيات في جامعة تور الفرنسية… وكانا ينسقان أعمالهما التي تخدم البيئة العلمية العربية.

الحُلم اللبناني

وما يؤكد ارتباط أحمد الصوفي بأرضه رغم غربته أنه توفي بفرنسا يوم 29 ديسمبر 2016 ودُفن في مسقط رأسه بلبنان يوم 10 جانفي 2017. ويتذكّر الزملاء الجزائريون أن هذا الرجل كان دائما يبادر بتقديم خدماته لتطوير البحث في الرياضيات عندنا بحكم مسؤولياته في المركز الدولي للرياضيات البحتة والتطبيقية وعلاقاته مع كبار الباحثين عبر العالم. وعرفانًا بجميله تجاه بلدنا سُمِّي المخيم الخامس للرياضيات الذي نُظم في وهران من 18 إلى 26 من الشهر الماضي باسم أحمد الصوفي.
وقد اهتدى مصطفى جزار خلال السنوات الأخيرة إلى إنشاء جمعية تقدم المساعدة المتعددة الأشكال للمتميزين من الطلبة العرب من لبنان وغيره ليتألقوا ويرفعوا راية العلم في البلاد العربية مستقبلا.
وفي هذا السياق، كتب مصطفى منذ بضعة أيام رسالة إلى بعض الزملاء من المغرب والجزائر وتونس يقول فيها إن “حلمه الذي يسعى إلى تحقيقه هو أن يفوز أحد العلماء العرب الشباب بميدالية فيلدز خلال الـ 15 سنة القادمة”! وميدالية فيلدز هي أعلى وسام يمنح في الرياضيات، ولذلك يسميه البعض “جائزة نوبل الرياضيات”. ومن بين شروط الفوز بهذه الميدالية ألا تمنح لمن تجاوز عمره 40 سنة، وعلى المترشح أن يقدم عملا خارقا قبل بلوغه هذا العمر لتكون الميدالية في آن واحد تتويجًا لجهده الاستثنائي وتشجيعا له لمواصلة بذل الجهد.
وحُلم الأستاذ مصطفى جزار في موضوع تمكين العرب من الوصول إلى هذا المستوى جعله يبدع في مجال المبادرات سعيا لتحقيق مراده. فقد اقترح مثلا على زملائه المغاربيين مشروعا رائدا لإنشاء قطب (أو أقطاب) تميّز يستقطب اللامعين العرب في الرياضيات يوفّر لهم الإمكانيات المادية والبشرية حتى يصلوا إلى أرقى المراتب. والجميل أن اقتراحه وجد أذنا صاغية لدى الزملاء سيما في المغرب.
وإذا كان أصحاب المشروع يسعون بهذه الطريقة إلى تحقيق ما ينشدونه من أهداف فلأنهم لاحظوا غيابا شبه كلي في العالم العربي لهذا النوع من المبادرات على المستوى الرسمي إذا استثنينا بعض البلدان مثل السعودية والمغرب الأقصى.

الانجاز الإيراني

ذلك ما يحدث في منطقتنا من محاولات حثيثة ومبادرات شخصية لا تحمل أي طابع رسمي لأي حكومة عربية. أما في محيط العالم العربي فنجد إيران قد رسمت طريقًا سالكًا لتحقيق حلم مصطفى جزار في بلاد فارس!
شاركت إيران منذ 1985، وبدون انقطاع (باستثناء عام 1986)، في المنافسات الأولمبية العالمية وكانت من بين الـ10 الأوائل خلال 18 دورة… بل فازت بالمرتبة الأولى عام 1998. أما المشاركون العرب فأفضل “المقاومين” في هذه المنافسات “الشرسة” هي السعودية وسوريا!
وخلال الثلاثين سنة الماضية تحصلت إيران في هذه المنافسات على 44 ميدالية ذهبية و95 فضية و40 برونزية. وهذا مؤشر، من بين مؤشرات أخرى، يدل على السعي الجاد لهذا البلد نحو التألق في المجال العلمي والمثابرة على تحقيق الهدف الذي يسعى إليه الأستاذ مصطفى جزار.
وما يدل على أن إيران بدأت تقطف ثمار جهودها في هذا المجال أن في عام 2014 برزت عالمة الرياضيات الإيرانية مريم ميرزخاني (1977-2017) وتحصلت على ميدالية فيلدز، وأكثر من ذلك أنها كانت أول امرأة فازت بهذا الاستحقاق في العالم… وكانت من ضمن المشاركين عامي 1994 و 1995 في المنافسات الأولمبية العالمية، ونالت ميداليتين ذهبيتين… وشاءت الأقدار أن تغادر مريم ميرزخاني الحياة في منتصف جويلية 2017.
وكما هو الشأن في كأس العالم لكرة القدم، فإن المؤتمر الدولي للرياضيات الذي تمنح خلاله ميدالية فيلدز يُعقد مرة واحدة كل 4 سنوات (منذ نهاية القرن التاسع عشر) في دولة من دول العالم المتقدمة في المجال العلمي، ويجتمع فيه آلاف المشاركين في كل دورة. ومن ثمّ فإن هذا المؤتمر يُعقد منذ الفاتح أوت الجاري، ولمدة 9 أيام، بمدينة ريو دي جانيرو البرازيلية.
والمفاجأة أن في هذه السنة أيضا تحصل على ميدالية فيلدز عالم إيراني، هو كوجر بيركار! وبذلك يكون نصيب إيران من هذا الاستحقاق فائزان من بين الـ 56 فائزا بالميدالية منذ نشأة هذه الجائزة. وقد نال منها حصة الأسد الولايات المتحدة (13 فائزا)، فرنسا (12)، روسيا (8)، بريطانيا (7)، اليابان (3). بمعنى أن إيران أصبحت تحتل الآن المرتبة السادسة في قائمة الدول التي فازت بهذه الميدالية… علما أن حتى عام 2013 لم تكن إيران شيئا يذكر في هذا التألق الاستثنائي!
لا بد أن نشير إلى أن الفائزة مريم كانت مستقرة في الولايات المتحدة والفائز كوجر يُقيم منذ بداية القرن في انكلترا ويشتغل أستاذا بجامعة كمبردج. بل إن كوجر بيركار انتقل إلى بريطانيا كلاجئ السياسي فارا من “اضطهاد النظام”… وهو ابن فلاح من أكراد إيران.
وبهذا الصدد، يتعمد الإعلام الغربي منذ الإعلان عن فوز كوجر بالتركيز على أنه كردي بدل التأكيد على أنه إيراني زاول مراحل التعليم في إيران وأنه خريج جامعة طهران قبل الالتحاق بالغرب! وذلك كان أيضا مسار المرحومة مريم ميرزخاني لكنها لم تطلب اللجوء السياسي. وبخصوص التشويه الإعلامي، نتساءل : هل يُذكر من نال هذه الميدالية من فرنسا (وهم 12 فائزا) أن هذا ألزاسي وذاك كورسيكي… بدل الاكتفاء بالقول بأنه فرنسي من جامعة كذا؟ وبطبيعة الحال، فمن حق، بل من واجب، الأكراد أن يحتفوا ويفخروا ويتباهوا بما بلغه ابنهم كوجر بيركار من تألق عالمي، ولا شك أن الإيرانيين جميعا سعداء بهذا المكسب العلمي لبلدهم!
دعونا نأمل، مع مصطفى جزار، في أن نرى مؤسسات جادة في بلادنا تُعنى -كما هو الشأن في إيران- بالشباب الطموح إلى التألق في المجال العلمي… فهو الذي سيرفع شأن البلاد عاليا بعزمه ووعيه إذا ما فتّحت له الأبواب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • الجيولوجيا

    شكرا يا استاذ على هذه القصة الرائعة وانا ارى فيها شقين:
    الاول هو محاولة بعض باحثين دول العالم الثالث الناجحين في الخارج برد الجميل لبلدهم الاصلي، عبر فتح قنوات تواصل من تكوين طلبة وتعاون مع جامعات محلية
    الثاني هو نجاح هذان الباحثان الايرانيان خارج بلدهم الاصلي!!
    ما هي العلاقة بين الشقين؟
    استقطاب اكبر عدد من الناجحين في الدول النامية او المتخلفة الى الدول المتقدمة بمنحهم امتيازات لا يحلمون بها في بلدهم الاصلي، مما يسمح للدول المستقبلة تموين متواصل بالادمغة ومعرفة كل ما يدور داخل الجامعات المحلية.
    لا يمكن لمحمد او فاطمة الحصول على اي جائزة عالمية مرموقة مادام في بلده.

  • الجيولوجيا

    شكرا يا استاذ على هذه القصة الرائعة وانا ارى فيها شقين:
    الاول هو محاولة بعض باحثين دول العالم الثالث الناجحين في الخارج برد الجميل لبلدهم الاصلي، عبر فتح قنوات تواصل من تكوين طلبة وتعاون مع جامعات محلية.
    الثاني هو نجاح هذان الباحثان الايرانيان خارج بلدهم الاصلي!!
    ما هي العلاقة بين الشقين؟
    استقطاب اكبر عدد من الناجحين في الدول النامية او المتخلفة الى الدول المتقدمة بمنحهم امتيازات لا يحلمون بها في بلدهم الاصلي، مما يسمح للدول المستقبلة تموين متواصل بالادمغة ومعرفة كل ما يدور داخل الجامعات المحلية.
    لا يمكن لمحمد او فاطمة الحصول على اي جائزة عالمية مرموقة مادام في بلده.

  • أبو يونس

    يا أستاذ الأربعة رياضياتيون الذين ذكرتهم ثلاثة منهم تألقوا خارج بلدانهم وهذا دليل آخر على سوء التسيير والتخطيط في البلاد العربية وبلاد فارس. أما عندنا في الجزائر فكل المؤشارات تدل على أنه من شبه المستحيلات أن يتألق رياضياتي وهو داخل الوطن وحتى وإن تألق فإنه لبا يلقى الإهتمام والإشادة الازمتين.
    فيما يخص مخيم الرياضيات الخامس أود معرفة المستويات العلمية المطلوبة للمشاركة وكيفية اختيار المشاركين فيه؟

  • رياضياتي

    في الوقت الذي يشترط فيه على الباحث في الرياضيات كل أشكال العراقيل ومن بينها النشر في thomson و scopus بحجة التميز ويعطى زميله في التخصصات الاخرى كل أنواع التسهيلات فيناقش دكتوراه بأي مقالة كانت ويرقى بها الى بروفيسور في مدة أقصر فإنني لا أرى لصاحب الرياضيات حظا ولا أرانا نستطيع تشجيع تلاميذ نا وطلابنا على اختيار هذا التخصص.