-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الدرس‭ ‬التونسي

بشير مصيطفى
  • 3920
  • 6
الدرس‭ ‬التونسي

قالت بعثة الاتحاد الأوربي لمراقبة انتخابات المجلس التأسيسي في تونس، أول أمس الثلاثاء، إن لا شيء يشوب السير الحسن لأول استحقاق شعبي في هذا البلد بعد سقوط نظام بن علي. وبهذه الشهادة تكون حركة النهضة – التي تحصلت على أغلبية مقاعد المجلس – قد ضمنت الشرعية الدولية بعد أن حققت شرعية دستورية واسعة المدى، وهي بذلك تضيف إلى شرعيتها النضالية نقاطا مهمّة أخرى ستضعها وجها لوجه أمام تحديات تونس المستقبل. فهل في رصيد حركة النهضة ما يسمح لها بفتح الثغرة المطلوبة في طريق الربيع العربي الذي يحلو لعديد المراقبين أن يصفه بالطريق‭ ‬المسدود؟‭ ‬وماهي‭ ‬الدروس‭ ‬المستفادة‭ ‬من‭ ‬أولى‭ ‬خطوات‭ ‬التحول‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬أشعل‭ ‬الثورات‭ ‬العربية‭ ‬المعاصرة‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬صغيرة‭ ‬اسمها‭ ‬‮”‬سيدي‭ ‬بوزيد‮”. ‬

  • فكرة‭ ‬الديمقراطية
    في العام 2006 كتبنا في الشروق اليومي مقالنا “الدرس الموريتاني”، تعليقا على حدث تخلي الرئيس العسكري في نواقشوط عن منصبه لصالح التغيير الديمقراطي السلمي، وقلنا يومها إن موريتانيا التي قال عنها أحد المفكرين المسلمين “يكثر خيرها أنها عايشة” تسوق الآن للديمقراطية في ليل الديكتاتورية العربية. وقبلها، أي في العام 1991، كتبنا في يومية “السلام” الجزائرية المحلّة، “في الغرب تسيّس الدين فهل تتديّن في الشرق السياسة” وذلك بمناسبة إقحام الكنيسة المسيحية في الأحزاب وتحول رجال الدين في أمريكا الى أحجار على رقعة شطرنج السياسة. وبين المشهدين الموريتاني والأمريكي خيط رفيع وهو أن الشعوب تفعل ما تريد وعلى الحكام الأذكياء استباق النتائج الاجتماعية بضبط السياسات وأساليب الحكم على الوجه الذي يمجد الثقافة ويحترم التاريخ ويطبق اختيارات المجتمع التي لا تكون بالضرورة معبرا عنها في وضعيات‭ ‬الاستبداد‭ ‬والظلم‮. ‬
    وهاهي نتائج الاستحقاق التونسي تؤكد ما توقعنا. فبمجرد أن جرت الانتخابات في ضوء حرية الاختيار ونزاهة الادارة برز صوت المجتمع ليختار التاريخ، الثقافة، الهوية ومن ظل يعبر عن أوسع شريحة مجتمعية، وليس في ذلك أيّ انتقاص لشرعية التيارات الأخرى النضالية. الكل في تونس وخارجها يشهد للمرزوقي وحساسيته بالنضال الصافي، والكل أيضا يكبر إسهامات التيار اليساري التونسي في تعبئة الشعب لصالح الثورة. ولكن المؤتمر الوطني من أجل الديمقراطية ظل حزبا نخبويا، أما تيار اليسار فقد اصطدم بمذهبية وعقيدة يستحيل القفز فوقها، وضاع التيار العلماني وسط رموز “الزيتونة” و”القيروان”، وفي كلتا الحالتين خسارة عند التنافس الانتخابي أمام طيف سياسي تمكن من شد انتباه الشارع بغض النظر عن برنامجه الانتخابي الذي نجد قيمته تتراجع في رأي الناخب أمام المبادئ العامة من جهة وطبيعة القيادة من جهة ثانية. نتيجة تنسحب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬دول‭ ‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬تاريخية‮ ‬لها‮ ‬تتسم‭ ‬باختبارات‮ ‬بسيطة،‮ ‬تقليدية‭ ‬وناشئة‭ ‬للديمقراطية‮. ‬
     
    تونس‭ ‬المستقبل
     سقطت “فزاعة” الإسلام السياسي في تونس لصالح التعايش بين كافة تيارات المجتمع. ورغب الشعب التونسي في تيار النهضة ليس لصبغته الدينية ولكن لأنه تيار متجذّر في أنا المجتمع الثقافي والتاريخي من خلال مبادئه العامة ومذهبيته ورجاله وخطابه. ولو امتنعت النهضة عن المشاركة في انتخابات المجلس التأسيسي لفشلت العملية السياسية برمّتها، ولو حشدت النهضة اعتباراتها الدينية البحتة لكانت النتيجة لصالحها أقوى وأكبر، ولكن هذا الحزب – الذي يضمّ في صفوفه نساء دون حجاب ورجالا دون لحى، والذي ألهم حزب “أردوغان” في تركيا بعض أفكاره مثل حدث مع “مالك بن نبي” وهو يلهم رائد النهضة الصناعية الحديثة في ماليزيا “محمد مهاتير” بعض استراتيجيته في النمو – وضع مستقبل تونس في كفّة وخطابه الممزوج بالنكهة الدينية في كفة أخرى حتى رجحت كفة تونس المستقبل المنخرطة في الأفق الديمقراطي العام والذي يستوعب جميع‭ ‬حساسيات‭ ‬المجتمع‭ ‬وخياراتها‭ ‬مثلما‭ ‬صرح‭ ‬به‭ ‬‮”‬راشد‭ ‬الغنوشي‮”‬‭ ‬عشية‭ ‬الانتخابات‭ ‬وأكده‭ ‬غداتها‮. ‬
      حقيقة… مشكلات تونس أكبر من إمكانات حزب اسمه “حركة النهضة” وربما أكبر من إمكانات الأحزاب التونسية مجتمعة. فالنمو الاقتصادي في البلد تراجع إلى الصفر، والبطالة تقترب يوميا من مستوى الخطر، وما كسبته الشركات التونسية الناشئة من أسواق خارجية تبخر في لحظات أي عندما توقفت برامج الدعم والتأهيل الحكومي وتراجع حجم السيولة البنكية. وفي الجانب الآخر، تعاني الأسواق التقليدية للمنتوج التونسي في أوربا من ركود، لأن المنتوج التونسي ظل يستهدف الطبقات المتوسطة التي تعاني حاليا من تراجع الطلب. وأمام تونس أسئلة الشارع الملحة في إسعاف الطبقات الاجتماعية الهشة وتحسين ظروف الحياة في الريف وتحقيق العدالة في التنمية وتوفير المال اللازم لتنفيذ ميزانية محترمة للدولة ولمحاصرة الفقر الزاحف نحو المدن. وبالتالي فإن حركة النهضة مطالبة قبل غيرها بالرد على تلك الأسئلة وسيكون الرد فيصلا في تأكيد أو نفي قدرتها على قيادة الدولة وفي تحديد وضعها المستقبلي. وفي نفس الوقت ستجد الأحزاب اليسارية والعلمانية في تونس في نتائج “النهضة” الباهرة فرصة لها كي تختبر أداءها السياسي والتشريعي بعد أن تأكدت من أدائها الديني والشرعي والذي كان له أثر واضح في تزكيتها‭ ‬للمرحلة‭ ‬الانتقالية‮. ‬فهل‭ ‬ينجح‭ ‬‮”‬راشد‭ ‬الغنوشي‮”‬،‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬منفيا‭ ‬في‭ ‬‮”‬لندن‮”‬‭ ‬لعشرات‭ ‬السنين‭ ‬في‭ ‬لمّ‭ ‬الشأن‭ ‬التونسي‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬يضمّ‭ ‬الجميع‭ ‬دون‭ ‬إقصاء‭ ‬ويخدم‭ ‬الجميع‭ ‬دون‭ ‬تحيّز؟
    Messaitfa‭.‬bachir@gmail‭.‬com
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • Algérien

    التغيير مطلوب و هو امر حتمي ولكن التغيير لا يكون دوما بالفوضى و التخريب و العنف.

  • houssi

    brao

  • islamia

    لمادا واصل الاخوان النضال في مصر في ظل النظام المتعسف وبقي الاسلاميين في تونس على نهجهم بالرغم من سياسة بن علي الغربية واتباعه في تهميش الاسلام ولكن فشلت حماس في الجزائر بعد وفاة الشيخ محفوظ نحناح في الدعوة والاصلاح بل حتي اطارات الحركة تغيروا وانشاء الله ربي يرزقنا نحناح اخر

  • محمد

    كم من دروس مرت ، لكن مازلنا أغبياء .
    أما صاحبة التعليق الأول فأقول لها : إذاكان صاحب البيت للدف ض

  • anis

    choukran ya oustadh

  • mima yuki

    السلام عليكم
    الدرس التونسي الدرس الموريطاني الدرس الأميريكي
    كثرت الدروس لكم هل من معتبر؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    أستاذي المحترم، ما يهمني أنا كشابة جزائرية عاشقة للجزائر
    هو أن لا تمر الجزائر بما مرت به شقيقاتها
    أنت، أنا، آخرين وأخريات علينا الاتحاد لخدمة البلاد
    بالعمل بالطبع ونطفئ الفتن ونقف في وجه كل من يحاول زعزعةأمن الجزائر والجزائريين