-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الرئيس راوولت والدكتور ترامب

جمال لعبيدي
  • 936
  • 4
الرئيس راوولت والدكتور ترامب

نعتقد أن وباء كورونا هو سبب مشاكل العالم الحالية والمستقبلية، غير أنه في الحقيقة كاشف لها تماماً، كزلزال يكشف هشاشة مبنى.

لقد كشف كورونا استنفاذ نموذج الحضارة والاستهلاك الذي لا يحترم الطبيعة، بل انعدام مستقبل له. كما كشف التناقضات التي تلغم الاتحاد الأوروبي وتدينه في نهاية المطاف. وكشف أيضاً الجانب الخفي للولايات المتحدة الأمريكية الذي يستهدف هلاك الفقراء لأنهم شيوخ، وهلاك الشيوخ لأنهم فقراء.

لقد كشف أيضاً العلاقة الوثيقة بين التمييز الاجتماعي والمشاكل الصحية في كل دول العالم. إنه يكشف أيضاً ديمغرافيا العالم الجديدة، التي تقوم على تمديد متوسط العمر المتوقع والآفاق التي تصنعها والمشكلات الجديدة التي تطرحها صحية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية.

الأقنعة والاختبارات

من المنظور الصحي، مكافحة الوباء تختصر في أمرين: الأقنعة والاختبارات، أقنعة للخروج من الحجر واختبارات، لأنها الوحيدة التي تمنح المعلومة الصحيحة المتعلقة بالشخص المريض أو المصاب الظاهرة في النظام الصحي عند قدومه للعلاج. لذلك من الضروري معرفة وفحص أولئك الذين نقلوا إليه العدوى والذين نقل إليهم العدوى وعزلهم من أجل وقف سلسلة العدوى، كما يبدو أنه قد تم بنجاح في الصين وفي كوريا الجنوبية. لذلك من الضروري إجراء التحقيقات بصفة منتظمة، والاستعانة في ذلك بالوسائل التكنولوجية من خلال تطبيقات التتبع الرقمية، فالاختبارات التي نجريها على عينات تمثيلية من فئات المجتمع : حاملي الفيروس دون أعراض والأصحاء وبالتالي تحسين تقييم معدل العدوى في المجتمع.

المسألة كما نعرضها الآن تبدو واضحة وبسيطة، فلماذا يظهر الأمر معقدًا للغاية، خاصةً من خلال هذا الجدل المستمر، هذا التعقيد تغذيه أسباب متعددة منها سياسية وأيديولوجية.

كل الأوبئة العظيمة التي أصابت البشرية كشفت عن سياقات ورهانات وأيديولوجيات ومصالح وموازين القوة المتحكمة وقتها.

الجدل المستمر حول العلاج الذي اقترحه البروفيسور راوولت ومواقفه هو مثال جيد على ذلك، تستحق جذب المزيد من الاهتمام، لأنه اتخذ بعدًا دوليا مع الرئيس ترامب الذي أعلن أن “البروفيسور راوولت كان عبقريا”، والدفاع عن هذه الطريقة في العلاج من قبل الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية والمغرب العربي.

تبدو المشكلة بسيطة في البداية: العلاج يمكن أن يكون شافياً أو غير شافٍ هناك وسائل موضوعية للتحقق من ذلك: مجموعتان متطابقتان في تكوينهما (من حيث: العمر والجنس والمعايير الطبية، وما إلى ذلك) إحداهما تتلقى العلاج والأخرى لا تتلقاه ثم نقارن نتائجهما، لكن الأمور ستصبح معقدة للغاية. بالنسبة إلى أولئك الذين سوف ينتقدونه لعدم احترام هذه المقاربة، يجيب البروفيسور راوولت بأنه يقوم بالمعالجة، وليس هناك وقت كاف للتجربة، نظراً إلى خطورة الوضع. سفسطة وبديل غير مقنع، لأن السؤال هو بالضبط معرفة ما إذا كان الدواء شاف أم لا. نقاش آخر غير معلن يثور وهو: النهج العلاجي ضد المنهج التجريبي وهو الطبيب المعالج ضد الباحث، وهو نقاش فلسفي أو يكاد يكون روحيا بين النهج الإنساني والنهج الجامد لرجل المخبر، وبالتالي، فإن كلمة المخبر ستأخذ دلالة واسعة النطاق، لتلك المخابر الصيدلانية المشتبه في أنها مدفوعة فقط بدوافع تجارية، شيئا فشيئا نقاشات أخرى أثيرت من قبل البروفيسور راوولت: من خلال تفسير الانتشار المنخفض ـ حتى الآن لكورونا ـ في جنوب الكوكب بأنه “فعالية أكبر للدول الفقيرة على الدول الغنية” ، مفعِّلاً عنصرًا أيديولوجيا.

عندما تشكك إحدى الدراسات الأمريكية في نتائجه، فإن نظرية المؤامرة ونظرية مناهضة أمريكا تؤججان الجدل في الشبكات الاجتماعية.

عندما تكون السلطات الصحية الفرنسية هي التي تنتقد نهجه، فإن التفكير الضاد للسلطة سيظهر بطريقة أو بأخرى وسيظهر البروفيسور كرجل مناهض للنظام في قطاعه، وبالتالي، يستفيد الحكم الإيجابي المسبق على الشبكات الاجتماعية، لأن هذه تطورت كبديل للنظام الإعلامي السياسي وفي مواجهة للسلطات القائمة.

“إنفلونزا موسمية”

سيقوم البروفيسور راوولت أيضًا بالتنبؤ: حيث يعلن أن كوفيد 19 هو إنفلونزا موسمية ، مثل غيرها، وبالتالي سيينحصر. الحجة في الحقيقة غير قابلة للتتبع، وبالتالي يمكن تقديمها بلا خطر. محاصرة الوباء والتخفيف من حدته مفهوم مرن قابل للبسط وأسبابه متعددة، كما هي الحال أيضًا مع نتائج علاجه، التي كانت أيضًا غير قابلة للتتبع، نظرًا إلى كون الأغلبية الساحقة من المرضى (98 ٪) قد تعافوا أيضًا دون هذا العلاج. بالنسبة إلى الحالات الشديدة أو غير القابلة للشفاء، سيكون لدى البروفيسور راوولت حجة جميلة: يجب بدء العلاج في البداية، قبل تقدم المرض، يمكننا بالفعل رؤية كل الاهتمام الذي يمكن أن يجده السياسيون في مثل هذا النهج: الحصول على علاج، وأخيرًا تقديم شيء ما للمجتمع، والحصول على فائدة سياسية معينة منه، نظرًا إلى وجود الشفاء المؤكد للجميع تقريبًا ، بصرف النظر عن دراما الأشخاص الذين أضعفهم العمر أو أنهكتهم الأمراض المزمنة.

 سنشهد ظاهرة مضحكة: يخشى العديد من الأطباء وحتى العلماء التعبير عن انتقاداتهم لمقاربة البروفيسور راوولت، خوفًا، “ربما، أليس كذلك؟”، إنه مع ذلك يحصل على نتائج. بديل زائف آخر: كما لو كانت هناك نتائج خارج المنهج العلمي. وكأن الحصول على النتائج يمكن أن يسمح بتجاهل الدفاع عن العقلانية والروح العلمية.

الرهان في الواقع هو المنهج العلمي، إذا كان الجدل حادا جدا، فذلك لأن القضية خرجت عن مجال العلم ودخلت مجال الأيديولوجيات والمعتقدات.

فيروس كورونا يثير المخاوف القديمة غير المنطقية، سنجد أنفسنا قد عدنا إلى ما قبل الروح العلمية، التي تم نقلها إلى ما قبل كوبرنيكوس وغاليلي، وإلى ما قبل المنهج التجريبي والحاجة إلى إثبات الادعاءات بالوقائع.

الملف المخفي

يقول الرئيس ترامب عن البروفيسور راوولت “إنه عبقري”. لماذا؟ رغم ما يبدو من تباين بين الرجلين كما يقول باشلارد: “ليس هناك حقيقة إلا وكانت مخفية”… فما هو الملف المخفي هنا؟

يبدو واضحا أن الرئيس ترامب يفضل الحل الاقتصادي على حساب المقتضيات الصحية، مثله في ذلك مثل الكثير، لكنهم لا يعبرون بصراحة كما عبر، إنه ضد الحجر. وكل ما يقلل من الشعور بخطورة الوباء، كالقول بانحصاره تدريجيا، أو من خلال التأكيد على أن العلاج الطبي موجود بالفعل، كل ذلك يؤيد موقفه.

هنا وصلنا إلى قلب الأدوار. الرئيس راؤول يؤدي دوراً سياسيا، فهو يعظم دول جنوب الكوكب، ويندد بـ “المأسسة”، وينتقد طريقة الطب ويمارس الدكتور ترامب الطب حين يصف “الكلوروكين”، ويقترح حتى حَقن المطهرات واستخدام الأشعة فوق البنفسجية لتطهير الجسم من الفيروس.

بإعمال منظور الرئيس ترامب وآخرين، نخشى الانزلاق إلى مفهوم يقبل “التكلفة البشرية” من كبار السن والضعفاء من أجل تجنب “الكارثة الاقتصادية”.

من خلال هذه الجائحة، يمكننا أن نشهد ابنعاث الطريقة المالتوسية (نسبة إلى توماس مالتوي) التي ترى ميزة اقتصادية إيجابية في الحروب والأوبئة إذ تعتبرها كنوع من الضبط الطبيعي، ألم يحن الوقت ـ يهمس المالتوسيون الجدد ـ لترك الطبيعة تقوم بالتنظيف لإزالة كل هذه الأفواه غير المفيدة التي تزداد مع زيادة متوسط العمر؟ الهمجية ليست بعيدة.

من خلال تهديد حياة كبار السن المركزة بشكل خاص وعلى نطاق واسع عند الغرب في مؤسسات المتقاعدين، يأتي الوباء لانتقاد رؤية أنانية وفردية معينة للعلاقات الإنسانية التي اعتبرت حداثة حتى الآن. وفي الوقت نفسه، يعيد الحداثة الجديدة إلى القيم التقليدية للمساعدة المتبادلة والتضامن، واحترام المسنين، هذه القيم التي أصبحت بنفسها أسلحة لمكافحة الوباء. والتي تكشف في الوقت نفسه عن النقاط القوية لبعض المجتمعات التي عرفت كيف تحافظ على هذه القيم، إن التقدم الذي أحرزته دول معينة في توليفة بين قيم التضامن الاجتماعي والحداثة رسمت صورة جديدة للعالم الحالي والمستقبلي.

يمكن للمرء أن يتساءل إذا لم يكن هناك تصادم بين اتجاهين ـ ولو بطريقة غير مباشرة ـ أحدهما يُخضع المسألة الاقتصادية للمسألة الإنسانية والآخر يعطي الأولوية لـلمسألة الاقتصادية، إنهما يترجمان التحديات المستقبلية لما بعد كورونا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • قل الحق

    من دبروا حادثة بيرل هاربر و بعدها بعقود احداث 11 سبتمبر مستعدين ان يفنوا شعوبهم و شعوب الكرة الارضية من اجل مصالحهم هم وحدهم، انهم شياطين القرن.

  • نحن هنا

    بعني كرونا لتنظيف المجتمع من الشيوخ والعجزة والمحتاجين لإعادة التوازن بين الخيرات الاقتصاديةوالتزايد السكاني
    كرونا فعل بشري بامتياز يتبر الخفاش منها كما تبرأ الذئب من دم ابن يعقوب يتحمل وزرها كبار قادة العالم وسدنتهم في مختلف دول العالم

  • رضوان

    مقال رائع، انه اعلان عن عودة الفلسفة وتوليد المعنى الى الصحافة بعدما دنسها طويلا الدخلاء وثقافة الاستهلاك ومجتمع السوق

  • جزائري

    اخطر شيىء على الانسانية من وباء كورونا هو تسييسه . بسبب تسييس كورونا قد تدفع الانسانية ثمنا اكبر من ثمن حرب نووية عالمية . نحن في بداية تسييس الملف وكانها الحرب نعرف بدايتها لكن لا احد يعرف نهايتها ولا ثمنها ولا كيفية انهاءها . قد تكون نهايتها مع يوم القيامة . عندما يصف ترامب كورونا بانه فيروس صيني فليس لانه يريد ان يتوقف عند هذا الحد بل ليبدا ماساة يعتقد انها ستكون في صالحه .