-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الردة و.. الرداءة

حسان زهار
  • 387
  • 1
الردة و.. الرداءة
ح.م

فيما عدا أعمال قليلة جدا، فإن الرداءة غير المسبوقة التي حملتها الدراما الرمضانية هذا العام في الجزائر والوطن العربي كله، مع محاربة أي محاولة جادة للإبداع الحقيقي، ليست في الحقيقة إلا انعكاس لطغيان “الرداءة الشامل” في كل مناحي الحياة الأخرى، تكريسا لحالة مقابلة أخطر هي حالة “الردة الجماعية” عن الثوابت والقيم والتاريخ وعن المقدسات وفي مقدمتها القدس الشريف.

الرداءة إذن هي الوجه الآخر للردة التي نعيشها.. ففي الوقت الذي نشهد فيه اكتمال ما يسمى بـ”صفقة القرن” لتصفية القضية الفلسطينية وبيع القدس، نشهد بالتوازي هذا الازدهار في العفن، وهذا الانحطاط الثقافي والإعلامي والسياسي، وظهور كائنات بشرية فارغة، لكنها تتصدر الأخبار والاهتمام، على الرغم من كونها تمتلك موهبة كبيرة في تلويث الأجواء الصافية وتعكير الذوق العام.

ولا أعتقد أن هذا الانحلال والتفسخ على فداحته، قد جاء صدفة من دون تخطيط وتدبير كبيرين لجهات لا أقول تسيطر على مقدرات الأمة وفقط، بل وتسيطر على العالم بأسره، وهي التي تملي شروطها وخططها الشيطانية، بغرض تحويل الشعوب المقهورة إلى مجموعات من القطعان الشاردة لا تحمل في قلبها قضية ولا تسعى وراء هدف معين.

وإلا ما معنى أن يتم تغييب رموز الأمة وعلماءها في مقابل فسح المجال أمام الراقصات والعاهرات لتقديم المواعظ الدينية؟ هل كانت الراقصة “سما المصري” مثلا لتتحول إلى شيخة في هذا رمضان وتقدم برنامجا دينيا في تلفزيون مصر، لولا هذا البهتان الكبير الذي نعيشه؟ هل كان يمكن أن تتحول أرض الحرمين إلى مراقص وملاه ليلية ومنصات للقمار الحلال تحت إشراف أئمة ملتحين لولا هذه الردة؟ وكيف تسنى لبعض العباقرة في الجزائر مثلا أن يحولوا برامج الكاميرا الخفية السخيفة في معظمها إلى “بروفات” في كيفية ضرب الزوجة لزوجها، والترويج للدياثة و”الطحين” لولا هذا التوجه العام نحو انتزاع هرمونات الرجولة من الأمة وتحويلها إلى “كائنات مخنثة” لا تقدر، بل ولا تفكر أصلا في تحرير الانسان والأوطان، ولا في صيانة العرض والأرض.

إن اقتحام مغني الكباريهات للبيوت المطمئنة، واحتقار اللغة العربية والقيم الدينية، وتحويل المُلحة أو الطُرفة إلى “زعاقة وتبهليل”، في ظل غياب شبه تام للمستوى الفني والإبداعي، لم يعد يقتصر اليوم للأسف على بلد عربي دون غيره، وهذه الرداءة التي تحاصرنا في التلفزيون، تحاصرنا أيضا في المدرسة بانهيار منظومة التربية والتعليم، وفي المسجد بانهيار منظومة الخطاب المسجدي، وفي الأسرة بالقوانين التي صدرت لتفتيتها وتخنيثها، وفي الملعب، حيث جماهير العنف و”التحربيش”، وفي السياسة حيث الانهيار الأكبر، من خلال “الكوميديا السوداء” التي تمارسها ليل نهار الشخصيات الرسمية ورؤساء الأحزاب والنقابات وبقية الشلة

إن هذه الرداءة الطاغية في التفكير والممارسة هي التي أسست للردة الشاملة أن تمر مرور الكرام بحيث لا يتم الانتباه إليها حتى، وكيف ينتبه لضياع القدس من كانت وردة شارليمونتي مثاله الأعلى؟ وكيف ينتبه للمؤامرة الحاصلة على لغة القرآن من يكتب في “الماسنجر” الدارجة بالحروف اللاتينية؟

إن صفقة القرن التي تم طبخها بإتقان، ما بين واشنطن والرياض وتل أبيب، بمشاركة فاعلة من صهاينة العرب المعروفين، لم تكن فيها القدس وحدها هي الضحية، ولا كانت الضحية فقط هي وحدة الشعوب العربية وتطلعها نحو الحرية، بل الضحية الأكبر كان العقل العربي، هذا الذي تم اغتياله بالتفاهات والشهوات، ومُنع عنه نور العلم والتفكير.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • Samira

    ممتاز ..صدقت و لاكن اين هم علاماء وكتاب هذه الامة من ينبه الشعوب العربية الى هذا الدمار الشامل للعقل العربي؟؟؟