-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
حينما يسبق الإعلام وظيفة القضاء في محاربة الفساد

“الرسائل المجهولة” في الصحافة… حتى لا تتحوّل الحرية إلى انفلات!

إيمان كيموش
  • 639
  • 0
“الرسائل المجهولة” في الصحافة… حتى لا تتحوّل الحرية إلى انفلات!

مع دخول الجزائر معركة الحرب على الفساد المالي، عقب سقوط النظام السابق إثر حَراك 22 فبراير2019، تفجرت قضايا رجال الأعمال وكبار المسؤولين على منصات الصحافة الوطنية بكل أشكالها، إذ لعبت الأخيرة دورا فاعلا في الدفاع عن المال العامّ وفضح الممارسات المخالفة للتشريع الوطني في مجال التسيير.

لكن بمرور الوقت، أصبح دور الإعلام أحيانا متقدما على وظيفة القضاء في إدانة الأشخاص، بعنوان “المعركة ضد الفساد”، بل واتهامهم قبل فصل العدالة المخوَّلة وحدها للبتّ في مثل هذه القضايا وفقا للقانون، الأمر الذي فتح المجال لأشخاص آخرين لاستغلال الفرصة في تصفية حسابات خاصّة مع مسؤولين في مستويات مختلفة، لتبرز ظاهرة الرسائل المجهولة التي تتهاطل على قاعات التحرير قبل أن تصل مكاتب عليّة القوم.

وإذا كان الصحفيُّ المحترف، ومثله المواطن الواعي، يتعامل بحذر مع تلك الاتهامات الطائلة التي تحملها رسائل غير معلومة المصدر، فإنّ كثيرين يقعون من خلالها في أعراض المسؤولين من دون وجه حق، ويعمدون إلى تشويه عائلات وتلطيخ سمعتها بلا دليل على صحة ادّعاءاتهم.

القانون الجزائري لا يعترف بالرسالة المجهولة

‘الرسالة المجهولة لا تحمل أي قيمة في التشريعات الجزائرية”، و”كل من يعتمد عليها يكون محل اتهام ومساءلة قانونية لاحقا”، هو ما يجمع عليه قانونيون وخبراء دستوريون في الجزائر.

ويعتبر القاضي السابق والمحامي خميسي عثامنية أن الصحفي مطالب دائما قبل توجيه الاتهام إلى إطار معيّن مهما كان منصبه، بتحديد مصدر هذا الاتهام، سواء كان صحيحا أو خاطئا.

 وتظل الرسالة المجهولة، حسبه، “دون مصدر”، وبالتالي “لا تقدّم أي حماية للصحفي”، خاصة وأنه لا وجود لأي مادة قانونية في كافة التشريعات الجزائرية تتطرق إلى موضوع الرسائل المجهولة، التي قال إنها “تساوي صفرًا في القانون”.

ويذهب المحامي عثامنية أبعد من ذلك ليقول إن النيابة العامّة اليوم مطالبة، بأمر من رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بعدم التحرك ضد المتهم انطلاقا من رسالة مجهولة. وبناءً على ذلك، فإنه من المنظور القانوني لا يمكن للصحفي نشرُ الرسائل المجهولة، لأنه سيتحمل مسؤولية أكبر منه، وقد يوجّه ادعاءاتٍ كاذبة ضد أشخاص وإطارات، يشكونه لاحقا للقضاء، بتهمة الوشاية الكاذبة، خاصة وأن قرينة البراءة أقوى بكثير من الرسائل المجهولة في القانون.

وأضاف عثامنية أنّ قانون العقوبات الجزائري يمنع الوشاية الكاذبة عبر المادة 300 التي تؤكد أنّ “كل من أبلغ بأيِّ طريقة كانت رجال الضبط القضائي أو الشرطة الإدارية أو القضائية بوشاية كاذبة ضد فرد أو أكثر أو أبلغها إلى سلطات مخول لها أن تتابعها أو أن تقدمها إلى السلطة المختصة أو إلى رؤساء الموشى به أو إلى مخدوميه طبقا للتدرج الوظيفي أو إلى مستخدِميه يعاقَب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 500 إلى 15.000 دينار”.

من جهته، يؤكد العميد السابق لكلية علوم الإعلام والاتصال جامعة الجزائر 3، الدكتور أحمد حمدي، أن الرسائل المجهولة غير معترف بها في كافة قوانين الإعلام التي شهدتها الجزائر المستقلة، مشددا على أن الصحفي من المفترض أن يتعامل مع الأخبار حسب ما هو متعارف عليه في فنيات التحرير، عبر الإجابة على الأسئلة الستة: “من ومتى وماذا وكم وكيف ولماذا” ويلتزم بها، مبتعدا عن التعليق الذي يظل خارج نطاق عمله، مع الخضوع لما ينصُّ عليه قانون الإعلام والقواعد العلمية لكتابة الخبر، إذ يكون المصدر معلوما بالنسبة للصحفي، بل ومتعدّدا ويسعى إلى مطابقة المعلومة التي يتحصل عليها من 3 مصادر على الأقل.

ويضيف حمدي في تصريح لـ”الشروق”: “أما بخصوص الرسائل الطائشة والتلفيق والكلام غير المسؤول، فهذا غالبا ما يستهوي صحافة الإثارة، والمفترض تجنّب الخوض فيها، لكن للأسف الكثير من الصحف في الجزائر تنجذب إلى هذه الأخبار”، وطالب المتحدث الصحفيين بـ”الابتعاد عن الشعبوية والإثارة” و”عدم التضحية بالحقيقة؛ أي نقل الخبر بكل حيادية ومن عدة مصادر”.

كتاباتٌ منتحلة تكبح توقيعات المسؤولين

ومثل تلك الانحرافات الخطيرة، وفق أخلاقيات المهنة، لم يتوقف أثرُها السلبيُّ فقط عند انتهاك قواعد العمل الصحفي المسؤول، بل تعداه إلى المساهمة سلبا في فرملة الاقتصاد الوطني، حين أدى إلى عزوف المسؤول عن توقيع أي وثيقة أو صفقة أو قرار يُحتمل أن يكون مثار وقوع تحت طائلة قانون مكافحة الفساد، وكل ذلك بسبب موجة التحريض والتجنّي ضدّ المسؤولين، والتي غذّتها في الأوساط الاجتماعية كتاباتٌ طائشة منتحِلة لمهنة الإعلام وقد تكون بدفع مبرمج من جهات لها مآربها.

وبهذا الصدد، يؤكد الخبيرُ الاقتصادي عبد الرحمن هادف أن تجريم المسيّرين يقف اليوم وراء تعطل ملفات القروض بالبنوك وتجميد توزيع العقار على مستوى الولايات وكبح المشاريع الجديدة التي لا تزال تنتظر موافقة المسؤول، إذ تظل أوراقها حبيسة أدراج مكاتب الوزارات والمؤسسات العمومية والهيئات والسلطات المملوكة للدولة، فالكل خائف من المخاطرة بقرار قد يجد نفسه في أعقابه وخلال بضعة أشهر خلف أسوار السجن بحكم نهائي نافذ لسنوات، ومستقبل مدمّر، بل يمتد الأمر أيضا إلى تشويه سمعة عائلته في الإعلام وأمام الرأي العام.

لكن بالمقابل، يتفاءل الخبيرُ بالقرارات الأخيرة التي تحدّث عنها رئيس الجمهورية، مشددا “نحن اليوم متجهون إلى إعادة تنظيم مهنة الصحافة، وإلى أخلقة العمل الصحفي، فملفات الفساد تفرض تحرياتٍ قبل النشر، والصحفيُّ يجب أن يتأكد من صحة المعلومات، وتقديم عمل محترف بدل الاكتفاء بالإنصات إلى الإشاعات”، وأضاف قائلا: “رئيس الجمهورية طلب من أصحاب ملفات الفساد التوجُّه إلى وسائل الإعلام عدة مرات، وحتى أحصى عددها، ولكن هذه الملفّات يجب أن تكون مؤسَّسة وذات مصداقية، وهنا تبرز مهنية الصحفي في التمييز بين أفعال سوء التسيير وممارسات الفساد التي يمكن كشفها عبر الإعلام”.

ولحسن الحظ، فإن ردّ فعل السلطات العليا لم يتأخر في احتواء الوضع المنحرف، إذ تدخَّل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون مباشرة، بتعليمات منع اعتماد الرسائل المجهولة في إدانة الأشخاص، إلا في حال ثبوت وقائع مادية ملموسة لها صلة مؤكدة بممارسات الفساد، مشددا على ضرورة تمييزها عن أخطاء التسيير، كما أمر بمراجعة القانون وعدم مبادرة الجهات القضائية والأمنية بأي متابعات قضائية ضد المسؤولين المحليين من دون الأخذ برأي وزير الداخلية والجماعات المحلية، بهدف تفعيل المشاريع التنموية المعطلة على خلفية هواجس الملاحقات القضائية.

التسعينيات.. بداية الوشاية الكاذبة ضد الإطارات

ويستحضر القاضي السابق والخبير في القانون الدستوري خميسي عثامنية نماذجَ من ملفات الفساد وقطاعاته منذ التسعينيات، والتي استفاد أصحابُها في النهاية من البراءة، لكن التهم ظلّت تلاحقهم معنويا وتفسد عليهم حياتهم الخاصّة، ويقول إن هنالك إطارات تُوفيت في السجن، وشهّر بها وتم المساسُ بسمعتها وشرفها، لتصدر في حقها في النهاية أحكامٌ بالبراءة.

وأضاف عثامنية: “حينما كنتُ قاضيا، تلقيت مئات الرسائل المجهولة التي كان هدف معظمها تدمير الإطارات والانتقام”، مؤكّدا أن الادِّعاء بواقعة صحيحة مشروعٌ من الناحية القانونية، إلا أن الوشاية الكاذبة قد تحطّم أسرة بأكملها، وحملة “الأيادي النظيفة” التي شهدتها المؤسسات العمومية سنوات التسعينيات أطاحت بعدد كبير من ضحايا الرسائل المجهولة، الذين ثبُتت براءتُهم بعد ذلك، ولكن بعد التشهير، متسائلا “من يعوِّض عن الضرر الذي مسَّ الإدارات العمومية والمسيِّرين”؟.

ويعترف عثامنية بوجود جرائم ارتُكبت في التسيير مست المال العامّ، والمؤسسات العمومية آنذاك لاسيما بالبنوك والشركات الصناعية ومركّب الحجار للحديد والصلب بعنابة، الذي شهد آنذاك نسبة عالية من الاعتقالات، لكن كان هنالك أشخاصٌ تم اتهامهم ـ حسبه ـ وهم لا علاقة لهم بتلك التجاوزات والانتهاكات، ليذهب البريء ضحية المجرم، نتيجة عدم التمييز بين التسيير والجريمة؛ فالأول يحمل مجازفة ومخاطرة، ويحتمل هامش خطأ معيّن، أما الجريمة فأركانها واضحة، مضيفا “إدخال هؤلاء السجن والكتابة ضدهم في الإعلام، فرض تجميد الاستثمار والقروض وتكبيل أيدي المسؤولين وطغيان مخاوف المخاطرة، جعلت الإطارات والمسؤولين اليوم يكتفون بتقاضي رواتبهم والمكوث بمكاتبهم في دور المتفرّج دون توقيع الملفات، في حين أن الاقتصاد يحتاج إلى المخاطرة”.

ويعتبر القاضي السابق أن سبب كل تلك الفوضى هو الرسائل المجهولة التي شهدت انتشارا واسعا آنذاك، مطالِبا الصحفي اليوم، بالتعامل معها بذكاء وتحمّل مسؤوليته، فإذا كان مصدر المعلومة القضاء فلا خوف من نشر مضمونها، ولكن إذا كانت مجرّد تسريبات أو ملفات تمس بسرِّية التحقيق فلا يمكن له الخوض فيها، ولا يحق للصحفي إتهام إطارات دون مصدر واضح.

هفواتٌ في الموجة الجديدة لمكافحة الفساد

 ولا يختلف اثنان على أن الموجة الجديدة من الحرب على الفساد بداية من سنة 2019، شهدت انخراطا قويا للإعلام، لكن رافقته بعض الممارسات المنحرفة مؤخرا، ويقول عثامنية إنه حتى اليوم هنالك تجاوزات بالجملة، مرتكَبة من طرف مهنيي الإعلام في معالجة ملفات الفساد على غرار تصوير المشتبه بهم، واتهام أشخاص يتمتعون بقرينة البراءة، وفي بعض الأحيان لا تتواجد حتى ملفاتُهم على طاولة القضاء، معتبرا أن من يتحمل مسؤولية هذه التجاوزات ليس الصحفي وحده، وإنما الظرف العامّ الذي مرت به الجزائر، والوضع الاستثنائي الذي أدى إلى تفجّر عدد كبير من ملفات الفساد منذ سنة 2019، فيحاول الصحفي أحيانا كشف الفاسدين بطريقته الخاصة، مضيفا أنّ “ذلك لا يخوّل له أبدا أن يلعب دور القاضي وأن يدين الأشخاص”.

ولأن قواعد القانون الجزائري تنص على حماية الأشخاص من القذف والتشهير، كان لابد من مثول صحفيين أمام القضاء على خلفية انتهاكهم لقانوني الإعلام والعقوبات، من منطلق أن الصحفي مواطنٌ يخضع مثل غيره لسلطة العدالة.

من جانبه، يؤكد أستاذ المدرسة العليا للصحافة والإعلام محمد هدير، أن مهنة الصحافة تتطلب القيام بعملية استقصائية كبرى قبل نشر أي ملف للفساد، فدائما يجب التحري وجمع القرائن والأدلة التي تُثبت ما ينشَر، مضيفا: “التشريع واضحٌ في هذه الأمور، في عصر النظام السابق، كانت الأمور تدار بطرق غير قانونية، حيث أنّ أطرافا في النظام كانت تتهم من تشاء عن طريق الصحافة، ولكن الصحفي اليوم مطالبٌ، للحصول على الحماية القانونية، بتحديد المصدر، وجمع كافة الأدلة التي تثبت ما سينشر”.

وحسب الأستاذ هدير، ينص قانون الإعلام الصادر سنة 2012، من المادة 92 إلى المادة 99 على وجوب احترام الصحفي لآداب واخلاقيات المهنة بما فيها الحفاظ على سلامة وأمن وحريات الآخرين والتحري الجيد والموضوعي للخبر قبل نشره والابتعاد عن أي تصرف لا أخلاقي مخلّ بشرف المهنة، كما تنص المواد من 116 إلى 126 من نفس القانون على معاقبة كل من نشر خبرا أو معلومة عبر وسيلة إعلامية تمس السرية في التحقيقات الابتدائية في الجرائم بين 50 و100 ألف دينار جزائري، وبين 100 و200 ألف دينار، في حال القضايا السرية.

ويعتبر الأستاذ محمد هدير أن الإعلام تحوّل اليوم إلى محكمة يتهم ويبرئ من يشاء؛ فعندما يرغب في تزيين صورة المسؤول يفتح له الأبواب والعكس صحيح، رغم أن القانون يفرض على الصحفي تقديم الحقائق كما هي، وعدم التعليق على القضايا المتواجدة في المحاكم، فالمتهم بريء إلى أن تثبت إدانته.

وذهب هدير أبعد من ذلك مؤكدا “حتى صورة المتهم لا يحق للإعلام نشرُها، لعدم إحباط عائلته، فالقضاء يظل المخول الوحيد بإثبات براءة الشخص أو إدانته”.

القضاء يسبق الإعلام

ويلحّ العميد السابق لكلية علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر 3، الدكتور أحمد حمدي، على ضرورة صيانة مهنة الصحافة واحترام خصوصيات الآخرين لتكون الممارسة الإعلامية مسؤولة ولا تعارضَ في ذلك مع حرية التعبير، باعتبار الصحافة مقيَّدة في كل الأحوال والبلدان باحترام النظام العام والأفراد.

ويؤكد حمدي أن دور القضاء يجب أن يسبق وظيفة الإعلام، لحماية الأشخاص والعائلات ومنع التجاوزات في حقهم، وهنا تكمن احترافية الصحفي، متأسفا لوضع بعض الصحفيين اليوم، الذين قال إن أغلبيتهم يصنَّفون ضمن خانة الهواة وليسوا محترفين، مضيفا “الصحفي المحترف يجب أن يدرس الإعلام علميا ويمارس المهنة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات”، معتبرا أن دراسة الصحافة يجب أن تتجدّد مثل دراسة الطب، نتيجة تطوّر التقنيات والفنيات وكيفية صناعة الخبر.

ورغم أن الاقتصاد كان أحد أهم القطاعات التي عانت من الآثار السلبية لانتهاك قواعد مهنة الصحافة، نتيجة تعطل المشاريع والاستثمارات وكل القرارات ذات الصلة على خلفية الخوف من الحبس، إلا أن الخبراء يؤكدون أن المسيّر الذي يتمتع بالكفاءة والقدرة على تحمّل المسؤولية، يجب أن يكون دائما جاهزا للانتقادات وأيضا للرد على أسئلة الصحفيين، والإجابة على كافة نقاط الظل التي تكتنف المشاريع التي يشرف عليها. ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن هادف إن نشر الصحفي للملفات الاقتصادية الحساسة، يساوي رقابة ثانية على المسؤولين والمسيِّرين في القطاع الاقتصادي والمالي، فالصحفي اليوم ستكون له قوة رقابة وردع، وسيُرسي إضافاتٍ كبرى على عمل التسيير، اذا كان يوصل المعلومة بطريقة صحيحة ومتوازنة.

ويشدّد هادف على أن رفع التجريم عن فعل التسيير لا يعني الحرية المطلقة وغياب الرقابة، فالصحافة والإعلام آلية من آليات الرقابة، فقط يجب أن يمارس الصحفيُّ عمله بكل موضوعية ومهنية واحتراف وللمسؤول حق الرد مثلما هو مكرَّس دستوريا، وهنا لا يمكن له الاختفاءُ وتدليس كل ما هو معلومة، لأن أحد مبادئ الحكم الراشد الشفافية ووضوح المعلومة للمواطن والسلطة الوصية، وأردف قائلا “لا يمكن اخفاء المسؤول داخل قطعة قطن، يجب أن يتحمل مسؤوليته، هناك جانب المخاطرة، وهنا تبرز الكفاءة”، وختم: “لماذا لا نجد هذا الإشكال لدى الدول المتقدّمة؟ يجب العمل بمعيار الكفاءة قبل كل شيء، هي بمثابة مناعة للمواطن”.

تعديلاتٌ قانونية في الأفق

ويعترف مختصّو الإعلام بمساهمة ومسؤولية الصحافة في تكريس مخاوف المسؤولين من التجريم، عبر ارتكابها في بعض الأحيان سلوكات منافية لقواعد المهنة في التعاطي مع قضايا فساد افتراضية، ويشدّد الأستاذ محمد هدير على أن قوانين الإعلام الحالية تشهد ثغرات ونقائص، لكن المشكل أيضا -حسبه- يكمن في عدم تطبيق ما تنص عليه هذه القوانين، التي تبقى في الكثير من الأحيان مجرّد حبر على ورق، داعيا إلى ضرورة استكمال ملف سلطة السمعي البصري، عبر تعيين أعضاء السمعي البصري عاجلا، وحتى القنوات يجب ـ حسبه ـ توطينُها محليا ولو عبر تأجير “الساتل”، كما يشدّد على ضرورة عدم التعامل مع الصحفي على أنه منزه من الخطأ، مضيفا: “الصحفي غير محمي من السجن حينما يخطئ، ولا أحد فوق القانون، حتى لو كان من أصحاب الحصانة، فالأهم هو حماية الرموز الوطنية وشرف العائلات ومنع خدش الحياء العامّ”.

ويذهب المحامي عثامنية أبعد من ذلك، مؤكدا ضرورة سد فراغات التشريع الإعلامي ونقائصه، ليس للتضييق على الصحافة، بل لتأطيرها وفق قواعد المسؤولية، كما يلحّ على ضرورة ترجمة التعليمات الشفهية الأخيرة لرئيس الجمهورية، إلى مراسيم تنفيذية ونصوص قانونية تحمي المسيِّر وتعيد له الثقة كي يمارس صلاحياته بأريحية بعيدا عن أيِّ هواجس، ويتعلق الأمر بتعليمة رفض الرسائل المجهولة وضرورة حماية الإطارات والمسؤولين من السجن، خاصة أولئك الذين لم يتورّطوا في وضع المال في جيوبهم ـ أي السرقةـ وإنما تتم متابعتُهم نتيجة أخطاء التسيير وسوء التقدير.

وامتدح عثامنية قرار رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون حينما قال إنه لا متابعات قضائية ضد رؤساء المجالس البلدية والولاة الا بعد استشارة وزير الداخلية، رغم أنه أكد أنه من الناحية النظرية لا يمكن رسم معالم للقضاء، لكن من زاوية الرئيس ـ يقول المتحدث ـ فالهدف ليس التدخل في القضاء وانما حماية المسيِّر، بحكم أننا كدولة نامية بحاجة إلى المبادرة والمخاطرة لعدم عرقلة النمو.

ونخلُص في النهاية إلى أنّ تحرك السلطات العليا في البلاد، عبر التدابير المذكورة أعلاه، هو التصرُّف السليم للحفاظ من جهة على أخلاقيات الصحافة، ومن جهة أخرى تعزيز حريتها عمليا، وكذلك التمكُّن من تحرير المبادرات المكبَّلة بهاجس القضاء، حتى تكون حرية الصحافة ممارسةً مسؤولة لا تُخلّ بحقوق الآخرين ولا تُربك السير العادي لمرافق الدولة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!