-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

السياسة نشاط.. والفكرُ هَمّ!

السياسة نشاط.. والفكرُ هَمّ!

هكذا هي الصورة عندنا. هذا ناشطٌ سياسي أو حقوقي أو بيئي… وذاك غارقٌ في هموم الفكر أو الدين أو الوطن!
السياسي ناشط لِنشجِّعه، والمفكر مهمومٌ لندعه في هَمه، بل لِنَبتعد عنه حتى نكون أصحَّاء، نشطاء… الابتعاد عن الفكر هو الصحة والنشاط، والاقتراب منه هو الهَمّ! لِمَ نُتعِب أنفسنا وهناك مَن يُفكِّر لنا في الاقتصاد والثقافة والسياسة، ويقدِّم لنا على طبق من ذهب كيفية بناء الدولة؟ لِنَنشط فقط… لَهم الفكر ولنا الحركة. ليس مطلوبا منا أنْ نُفكِّر إنما أن نتحرك في كل مكان وخاصة حيث لا يرانا أحدٌ عبر منصات التواصل الاجتماعي.
هكذا تبدو الصورة المختزلة لِما نعيشه اليوم، وكم هو خطيرٌ ما تُخْفِيه!

أن يكون هناك فصلٌ بين الفكر والعمل، فصلٌ بين استخدام العقل والنشاط.. أن يكون أبناؤنا نُشطاء في المجالات التي ينبغي أن يُفكِّروا فيها، ومهمومين في المجالات التي ينبغي أن يكونوا فيها نشطاء!
إنها ببساطة قصة المُهيمِن والمُهيمَن عليه.. المُتحكِّم والمُتَحَكَم فيه.. إنها ممارسة ميدانية للسياسة قائمة على قاعدة تقول:

لنا الفكر والعلم والمعرفة والعقل.. ولكم النّشاط.
نحن نفكر، وأنتم تنشطون لتحويل فكرنا إلى واقع بأيديكم.. نحن الأسياد وأنتم العبيد.. إننا نستخدمكم لتحقيق مشروعنا. كما فعلناه في هذا البلد وذاك والآخر في الطريق.
هذا ليس تنظيرا، بل حقيقة:

الفكر المهيمن عالميا حدَّد ثلاثة مجالات للنشاط السياسي للناس في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحادي والعشرين: الديمقراطية وحقوق الإنسان والبيئة. وما تفرع عن كل عنصر من هذه العناصر من بنود (دولة القانون، المجتمع المدني، الشفافية، المواطنة، التعددية، حرية المعتقد، اللائكية… الخ). وسَمّى ذلك بتسميات مختلفة (الحَكَامة، الدولة المدنية، الدولة العصرية… الخ). ولم نَسْع لفهم الخلفيات ومَن صَنعها، وما علاقتها بـالليبرالية والرأسمالية والعولمة والجمعيات العالمية الحقوقية المختلفة وتعميم النموذج الغربي الواحد على العالم…
ووَضَع الكثير نفسه في الخدمة إراديا أو غير إراديا: إنه ناشط في أحد هذه المجالات! يكفي أن يقول ذلك ليحصل على الصفة مَجانا. وما أكثر مَن حصلوا عليها..

أما مَن يُحاول التفكير واستخدامَ العقل وتقديم بديل من الداخل، في مجال السياسة أو إعادة بناء الوطن أو إحياء الثقافة المحلية أو نفض الغبار عن الإبداع، فذاك خارج نطاق التغطية، ينبغي أن يُدرَج ضمن نطاق أهل الهَمّ.. هَمُّ الفكر أو هَمُّ الدين والتراث، وهَمُّ الإبداع، وأخيرا هَمُّ الوطن. أولئك مازالوا تقليديين: إنهم أصوليون متطرفون، أو وطنيون متزمِّتون، أو منغلقون حضاريا غير قابلين للتفتح على العالم.

وضاق المهمومون بهمِّهم.. وعلا نجم النشطاء في أكثر من قناة تلفزيونية ووسيلة إعلام وشبكة تواصل اجتماعي، حتى توهَّموا بفعل التكرار أنهم منتِجو أفكار.

ولم يعُد بالإمكان مقاومة هذا الانتشار السريع للنشطاء في كل مكان. ونَسي الناس أنَّ خلف كل نشاط مفكرين ومدارس فكرية ومؤسسات بحثية وتاريخ فكر سياسي، بل ومصالح دول أجنبية، بكل ما تَحمل العبارة الأخيرة من معان..

هكذا هي صورة أهل النشاط اليوم، وصورة أهل الهَمّ، لا يمكن تصحيحُها إلا بأمر واحد: أن يُحوِّل أهل الهَمّ هَمَّهم إلى هِمَم تعكس معنى العنوان ليُصبح: الفكر نشاط والسياسة هَمّ! كُلنا أمل في ذلك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • رابح فطيمي

    لكن السؤال المطروح إلى متى تستمر هذه الدوامة المغلوطة ..وجميع العقلاء يدركون أن المرحله مرحلة فكر جسور ..يعبر عن الاغلاط..يكافح وينافح ..كما نافخ بن نبي وبن باديس..أما وان يبقى الفكر حبيس الاوراق ..فلا بد أن يحدث محدث وتنقلب الموازين ..ويكثر المدعين..وتعوم الساحة الثقافية والسياسية ولا يصبح يفرق بين الصالح والطالح ..بين التفاهم وغير ..بين القارئ والي مش قاري

  • Med

    إن ما نعيشه اليوم من فوضى و تخلف هو نتيجة هيمنة العقول المستريحة من همِّ التفكير

  • لزهر

    معظم ااسياسوين عندنا
    يجهل أن السياسة في اللغة
    هي الترتيب والتنظيم على الأطلاق.

  • ابن الجبل

    في بلدنا لا يتركون المفكر يفكر أو يبدع ، أو يسمحون للعقل أن يبتكر ليبحث عن الحلول للمشاكل التي يتخبط فيها مجتمعنا ...! هناك قوة تقف ضد تطور المجتمع وتقدمه ولا تشجع الا الرداءة !!. والا لماذا نحن على هذه الشاكلة أكثر من نصف قرن ؟!. يجب التغيير الجذري لسياستنا وأهدافنا وممارساتنا ، لأننا متخلفين جدا عن العصر الحديث .