-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أقلام المجلة

السياسة وكرة القدم

حسان زهار
  • 637
  • 0
السياسة وكرة القدم
أرشيف

لا يكاد يخلو مجال من مجالات الحياة المعاصرة من إكسير السياسة، ويبرز هذا الأمر بجلاء في مجال الرياضة وتحديدا في كرة القدم، غير أن هذا التداخل والتأثير يصل إلى حد التطابق والاندماج في عالمنا العربي، وهو ما تظهره بجلاء مشاركة الفرق العربية في منافسات كأس العالم لكرة القدم والبطولات الأولمبية، والتي تنتهي دائما عادة بخيبات ونكسات تلخص بجلاء حجم الشمولية والتخلف التي تحاصر أوطاننا.

إن العلاقة الواضحة التي تربط الرياضة بالسياسة في العالم لا ينكرها أحد، فمقاطعة الغربيين لحفل افتتاح المونديال الأخير في موسكو احتجاجا على محاولة اغتيال العميل الروسي وابنته في لندن، هو امتداد طبيعي لمقاطعة البلدان الغربية أيضا للألعاب الأولمبية التي احتضنها الاتحاد السوفياتي عام 1980 احتجاجا على تدخله وقتها في أفغانستان، والأمثلة في هذا السياق لا تعد ولا تحصى، لكن المأساة هي أن تتحول هذه العلاقة في عالمنا العربي إلى زواج عرفي، بين الحاكم بأمره والكرة، إلى درجة لا يمكن معها الفصل بين أي انتصار كروي وبين الانجازات العظيمة للزعيم الملهم، باعتبارها قد حدثت تحت رعايته السامية.

ولعل ما حدث ويحدث في مونديال روسيا الأخير، الذي شاركت فيه أربع فرق عربية، أثبت أن التخلف والشمولية لا يمكنه أن ينتج نصرا كرويا إلا بالصدفة، وإن كانمت هذه الصدفة لم تحدث إطلاقا في هذا المونديال، وانتهت مشاركة دول المغرب ومصر والسعودية وتونس إلى “فاشوش” كبير، أبدع خلالها هؤلاء في الصوم على الانتصار.

والسبب أن النظم الشمولية التي تسيطر على كامل عالمنا العربي، ليس لها هدف من الانتصارات الكروية غير تلميع نفسها أمام الجماهير المتعطشة للفرحة، والعمل على استغلال تلك المشاركات أبشع استغلال سياسي، فالسعودية التي دخلت المنعرج الأخير مما سمي بصفقة العصر، لبيع القدس وتحجيم دور الدين في الحياة العامة، راهنت على المنتخب لكي يساعدها في ذلك، ومصر التي تغلي بسبب الاستبداد والفقر راهنت بدورها على منتخب الفراعنة لربح المزيد من الوقت، أما المغرب الذي قدم ملف ترشيحه لمونديال 2026 فقد راهن بدوره على ابعاد الأنظار عن ثورات العطش والفقر وحراك الريف، ولذلك رأينا كيف تحولت الجزائر في إعلام المخزن من عدو في الموضوع الصحراوي إلى صديق جميل بعد تصويت الجزائر لصالح الملف المغربي، بينما انقلب ذات الاعلام على السعودية التي صوتت ضد المغرب لصالح الملف الأمريكي، وجعل منها عدوا رغم أن السعودية كانت ولا تزال الداعم الأول للمغرب بالمال والسلاح في حربه ضد البوليزاريو.

لقد ظلت الرياضة العربية وعلى رأسها كرة القدم، مجالا خصبا لتصفية الحسابات وتمرير الصفقات، وطريقا ضروريا في تنويم الجماهير وإبعادها عن مطالب الحرية والديمقراطية، ولقد أثبتت الأزمة الكروية الحادة بين مصر والجزائر سنة 2009، هذا التوجه بشكل لا يقبل الجدل، وكما أدت هزيمة مصر أمام الجزائر حينها وفشلها في التأهل لمونديال جنوب افريقيا 2010، إلى فشل مشروع التوريث الذي كان يعمل عليه نظام مبارك، ومن ثمة إلى اندلاع ثورة شعبية في إطار الربيع العربي الذي أتى على النظام المصري، ها هي اليوم بوادر ثورة جديدة في مصر، لم تحركها مجازر ميدان رابعة، ولا رفع أسعار المواد الاستهلاكية والبنزين، ولا حتى بيع أرض مصرية في تيران وسنافير للسعودية، وإنما قد تحركها هزيمة الفراعنة في ثلاث مباريات كاملة في المونديال، وإشراك محمد صلاح مصابا، وقد اقترب هاشتاج ارحل يا سيسي من بلوغ أرقام قياسية.

نحن العرب هكذا، ليست كرة القدم وسيلة للترفيه والمتعة أبدا، إنها في غياب التنمية والحرية، تتحول الى المتنفس الوحيد للجماهير المكبوتة لكي تنسى همومها ولو مؤقتا كما تفعل الكوكايين، وهذا ما يروق كثيرا للأنظمة العربية، التي تقوم برعاية زراعة هذا الأفيون وتسويقه في كل مكان، على أمل أن لا تستيقظ تلك الشعوب أبدا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!