-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

السيسي نموذجا.. “التفويض الإلهي” للحكام العرب

حسان زهار
  • 2144
  • 1
السيسي نموذجا.. “التفويض الإلهي” للحكام العرب
ح.م
عبد الفتاح السيسي

ماذا يحدث في العالم العربي بسبب جنون حكامه وسيطرتهم الأبدية على الكرسي؟ ألم يتعظ هؤلاء الحكام من مآسي الثورات الأخيرة التي كانت كلها بسبب هذا الجور والطغيان الذي ملأ الآفاق؟ وما وظيفة علماء الأمة في مواجهة هذه المهزلة، هل تحول رجال الدين في معظمهم إلا من رحم ربي إلى تجار يبيعون الأمة الذل ملفوفا بسيليكوم الديكتاتورية؟

ما يقع اليوم في مصر تحديدا، في خضم معركة الانتخابات الرئاسية الموعودة التي يترشح لها الجنرال السيسي، بعد انقلابه على شرعية الثورة وإطاحته بأول رئيس مصري منتخب منذ مصر الفرعونية، يؤكد أن حكام العرب لا يتعظون، ويسعون جهدهم لمزيد من الخراب، في مقابل ضمان البقاء في الحكم، مدججين في نزعتهم التدميرية تلك بترسانة من المنافقين الذين يزينون لهم سوء عملهم، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا.

في مهازل أم الدنيا، التي تختزل ما يحدث في دول الجوار العربي، بات واضحا أن العسكر ليسوا وحدهم في معركة التخدير الشعبي، فإلى جانبهم علاوة على القوى العلمانية الشمولية وإن كانت بلباس ديمقراطي، يقف قطاع من السلفيين الانبطاحيين، وتحديدا في حزب النور، من الذين سكتوا على الانقلاب ضد الشرعية، والذين باركوا الدماء، في مقدمة القوى التي تؤيد السيسي في مسعاه للبقاء في الحكم، والمثير في القضية أن المبرر المرفوع هذه المرة كما أعلن ذلك صراحة المدعو محمد سعيد أرسلان، أحد أقطاب السلفية المدخلية، أن “الشرع يقول أن ولي الأمر لا ينازع، لا في مقامه ولا منصبه ولا ينافس عليه، بل هو باق فيه إلا إذا عارض عارِض من موانع الأهلية، فالشرع يقول أن ولي الأمر المسلم لا ينازع في مقامه ولا منصبه، الذي باركه الله عز وجل فيه إياه”.

بشكل أو بآخر، دولة مثل مصر، عاشت أنواعا من الشمولية المطلقة، منذ عبد الناصر والسادات ثم مبارك، تجد نفسها تدخل مرحلة “التفويض الالهي” لحاكم متغلب وصل إلى السلطة بواسطة الدبابة، لكنه مع ذلك لا يعدم مشايخ يعطونه الحق الالهي في حكم مصر، بل وتجريم مجرد الدخول في منافسة انتخابية ديمقراطية معه، لأن الترشح في مواجهة السيسي بحد ذاته بات تحديا للإرداة الالهية التي تجسدت يوم أن حلم بأنه يحكم مصر وأن الله جلت قدرته هو من كلفه بهذه المهمة العظيمة.

بالمحصلة، بتنا اليوم نرى، قبيل انطلاق تلك الانتخابات إن جاز لنا تسميتها كذلك، أن الدخول في منافسة سياسية مع السيسي على كرسي الرئاسة هو في مرتبة الكفر البواح، الأمر الذي أتاح له أن يرهب الكثيرين ممن تسول لهم أنفسهم الاقتراب من الحكم، أما الذين فعلوا ذلك فعليا فقد كان مصيرهم إما الاعتقال أو الحصار والتهديد.

كانت البداية بالمرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق، حين عودته من الإمارات، حين تمت محاصرته في اقامة جبرية أجبرته على الانسحاب، واكتملت بتوقيف رئيس الأركان الأسبق سامي عنان، الذي ورغم خلفيته العسكرية، تم توقيفه لكي ينسحب من السباق، قبل أن ينسحب باقي المترشحين خوفا من مصير مشابه، ويبقى السيسي المرشح الوحيد في سباق ضد نفسه.

والمؤكد من خلال تجارب عربية أخرى، أن السيسي، سيعمل فور فوزه بالعهدة الرئاسية الثانية، إلى تعديل الدستور وضمان حكم أبدي على رأس مصر، إلى أن يتوفاه الله أو يترك ابنه على رأسها كما كان ينوي مبارك من قبله، ولن يكون هناك خروج سلس من الحكم أو تداول طبيعي طالما أن هذه العقليات البالية ما تزال مسيطرة، وطالما لا زال حكام العرب يعتقدون أنهم يمتلكون التفويض الالهي للبقاء على صدور الشعوب العربية.

إنها مهزلة أخرى تتجدد في مصر السيسي اليوم، لتعيد إنتاج نفس التجربة البائسة في سوريا والعراق وليبيا واليمن، حيث القذافي والأسد وعلي عبد الله صالح، لم يكونوا سوى عينة بسيطة من حالة الجنون العربي الذي لا يتوقف أبدا، والذي يبدو أنه لن يتوقف إلا بفناء الشعوب العربية كلها وعن بكرة أبيها، وعلى رأي عادل إمام، حتى يستيقظ هؤلاء الحكام يوما، فلا يجدون شعوبا يحكمونها، بعد أن تكون تلك الشعوب قد رحلت وتركت في القصور الملكية والجمهورية حكاما لا يرحلون ولا يتزحزحون أبدا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • عبد العزيز

    نتمنى ان يشير الكاتب في مقال آخر للرئيس الذي يريد ان يموت رئيسا عندنا في الجزائر