-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

السُّنبلة الأولى.. متى؟

السُّنبلة الأولى.. متى؟
ح.م

إلى غاية الساعات الأخيرة قبل 22 فيفري 2019، لا أحد كان يحلم بأنَّ النظام الذي بنى لنفسه إمبراطورية فساد في قلب البلاد، سيزول وينقرض رجالُه، بين من حُنّط ونام إلى الأبد في المتحف، ومن عاد بعد إجراء عملية تجميل شاملة بشكل جديد، ومن رُمي في مفرغة التاريخ، بإرادة الشعب.

وإلى غاية الساعات الأخيرة قبل 22 فيفري الجاري، مازلنا ننتظر السنبلات الخضر التي من المفترض أن تينع بعد سنة من الحَراك الذي أخذ شكل ثورة سلمية اندلعت بمطالب، واستنسخت مع مرور “الجمعات” مطالب جديدة.

لا يمكن إلا لجاحدٍ استصغارُ ما تحقق خلال سنة من الحراك، فقد كانت المؤامرة تُحاك لأنْ تبقى الجزائر مُسيّرة من رئيس فاقدٍ للأهلية العقلية والبدنية، وخلف الستار رجال ينهبون الثروات، ولكن أول مسيرة مكّنت الجزائريين بأن يسترجعوا بعضا من خصالهم الثورية التي مارسوا فيها حريتهم في رفض ما لا يعجبهم وما يضرّ بهم من ممارسات، فسقطت المؤامرة وتنحّى الرئيس السابق من الحكم، وحوكم معظم وليس كل الذين بنوا للرئيس السابق “المعبد” وحاموا من حوله عابدين مقدِّمين قرابين الولاء الأعمى، وزُجّ في غياهب السجون العشرات من رجال السياسة والمال والعسكر، ومنهم من كان مثل النمرود الذي حاجّ إبراهيم وقال “أنا أحيي وأميت” قبل أن يبهت عندما رأى شمس الحَراك تشرق، ومنهم من كانت أمواله “القارونية” لتنوء بالعصبة أولي القوة، ومنهم من كان مثل فرعون يقول في قرارة نفسه إنه ربّ الجزائر الأعلى، فسمُّوه بهتانا “رب البلاد”.

سنة من الأحداث ومازالت الانطلاقة متعثرة، سواء من السلطة الجديدة أو من أهل الحراك، وبدلا من أن نحتفي جميعا بمشاريع الأمة، مازلنا نتجادل عن الأحق بالاحتفال بالذكرى الأولى للحراك الشعبي، تماما كما حدث في فجر الاستقلال، فأضعنا على الوطن قرابة ستين سنة، في تخوين هذا وتمجيد ذاك، فوجدت البلاد نفسها متأخرة عن شعوب العالم بالرغم من أنها تتقدّمهم بتاريخها وجغرافيتها ومواردها الطبيعية.

لا نريد مزيدا من أيام الاحتفالات والعُطل ومن سنوات الجدل، والتقييم المليء بـ”الأنا والتخوين”، لأن ما ضاع من عمر البلاد في عقود سابقة، قد حرم الجزائر من أن تكون يابان القارة السمراء كما تكهَّن لها بعض الذين انبهروا بثورتها التحريرية، وعادوا لينبهروا بحراكها الشعبي.

الذين قالوا دائما إن الجزائر قد صنعت ربيعها في 1988 قبل ربيع البلدان العربية مع الألفية الجديدة، وبأن حراكها الشعبي لا يشبهه أيُّ حراك، عليهم أن يدفعوا البلاد لأجل نهضةٍ شاملة وأن لا تكتفي الدولة بالقسَم وبالدمع، ويكتفي الحراك بمسيرات في كل ثلاثاء وجمعة في الشارع، وإلا فإننا سنلتقي في كل 22 فيفري في نفس المكان غير متقدِّمين لنعيد نفس الأسطوانة: من الأحق بالاحتفال بالذكرى الثانية والثالثة للحراك الشعبي؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • ياسين

    الحضارات تبنى بالأعمال لا بالكلام و الثرثرة و الصراخ و العويل؟؟؟ لم يذكر التاريخ القديم أو المعاصر أن تتطور أي مجتمع بالكلام؟ أو بالفوضى؟ بل ذكر أن للتطور سنن يجب احترامها و من بينها تقديس العمل و العلم و الأخلاق و النظام...هكذا تصنع الحضارات و لا شيء غير هذا سوى الانهيار و التعفن؟؟؟