-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الشرعية.. يمكن أن تُصنَع!

الشرعية.. يمكن أن تُصنَع!
ح.م

من الرؤساء من جاء بشرعية ثورية على إثر انقلاب عسكري… وما لبثت تلك الشرعية الثورية إلى أن تحولت إلى شرعية شعبية ثم دستورية وكادت تُصبح مُكتَمِلة الأركان. ولولا بعض التجارب الفاشلة التي حَوَّلت الشرعية الثورية إلى دكتاتورية قاتلة لَجزمنا بأن كل شرعية ثورية هي بالضرورة شعبية…

ومن الرؤساء من جاء على إثر شرعية دستورية، وأحيانا حتى شعبية وما لبث أن حَوَّلَها إلى “لاشرعية” وإلى حُكمٍ فاسد وطغيان.

وقد كانت هذه هي دورة الحكم عبر التاريخ.. يمكن لأي نظام سياسي أن يَفسَد ويتحول إلى عكسه تماما. قديما قال أرسطو إن “المَلَكِية” عندما تفسد وترتشى تصبح حكما فرديا واستبداديا. و”الارستقراطية” التي هي حكم الأقلية ولكن في صالح الشعب، عندما تفسد تتحول إلى “أوليغارشية” أي حكم أقلية ولكن ليس في صالح الشعب، والجمهورية هي الأخرى حكم صالح ولكن عندما يفسد يتحول إلى ديمقراطية يستولي فيها الفقراء والعامة على الحكم ويتسببون في انهيار الدولة… “هكذا كان مفهوم الديمقراطية عنده”! على عكس ما يعتقد الكثير، بأن الديمقراطية هي أفضل حكم عند اليونان…

وكما كانت استنتاجات “أرسطو” نتيجة مقارنته لدساتير الأمم الشرقية (بابلية، قرطاجية، فارسية) بالدساتير اليونانية، فإن استنتاجاتنا اليوم ينبغي أن تنطلق من مقارنة التجارب التي نعيش…

ولا شك أننا سنكتشف أن هناك جمهوريات ما لبثت أن تحولت إلى حكم استبدادي، ومَلَكِيات هي الآن أنظمة دستورية ديمقراطية، وحُكْمُ أقليات صَنَعَ دولا قوية، وحُكْمٌ سادته الشعبوية أدى ببعض الدول إلى الانهيار.

ونكاد نعيش تجربة فريدة من نوعها في هذا المجال في بلادنا، حتى لا نضرب أمثلة من أمم أخرى.

النظام “البومديني” بدأ بشرعية ثورية وانتهى بشرعية شعبية. والنظام “البوتفليقي” بدأ بشرعية دستورية وانتهى بحكم أقلية مرفوضة شعبيا… أي أن الأول صنع الشرعية وإن حافظ على بعض سمات حكم الفرد، والثاني فَقَدَ الشرعية وإِنْ حاول توزيع الحكم على مجموعة أفراد (أطلق عليها البعض صفة العصابة)… وهذا يعني أننا، كما يُمكِننا أَنْ نَصنع الشرعية بالحرص على صلاح النظام وقانونيته، يُمكننا أن نفقدها بفساد هذا النظام وتعدّيه على القانون…

هذا الدرس ينبغي أن نستفيد منه اليوم كما استفادت منه أمم قبلنا عبر التاريخ…

وفي تقديري ليس المهم أن نناقش مدى شرعية ومشروعية نظام الحكم المنبثق عن الانتخابات الأخيرة، بقدر ما علينا أن نحرص على أن تكون ممارساته من اليوم فصاعدا صانعة للشرعية وليست قاتلة لها.

وفي هذا السياق، علينا أن نحرص على أن تكون كل خطوة نخطوها وكل قرار نتخذه في هذا الاتجاه بانٍ للشرعية غير هادمٍ لها. وإذا ما تَبيَّن لنا أننا نسير نحو بناء حقيقي للشرعية، وتأكدنا منه، فإننا نستطيع أن نُبَشِّر أنفسنا ونُصرِّح للعالم، أننا بدأنا بحق نستعيد الأمل في إمكانية بناء جمهورية جزائرية جديدة ..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • HOCINE HECHAICHI

    يا دكتور هذه المفاهيم الأكاديمية الغربية لا تنطبق(في الوقت الراهن على الأقل) على الشعوب الشرقية
    بكل ما تحمل كلمة شرقية من مواصفات أولها القدرية Fatalisme وغيرها وهي معروفة .

  • elarabi ahmed

    الشرعية تستمد ولا تصنع

  • صالح بوقدير

    ولكن قالوا أيضا نفس المقدمات تعطي نفس النتائج والشواهد على ذلك كثيرةبإمكانك استقصاءهافعلام ذا تراهن بعد عين اليقين؟